رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


طاقة الاندماج النووي تلبي احتياجات البشرية لملايين السنين

26-12-2022 | 20:58


د. علي عبدالنبي ,

مصادر الطاقة الطبيعية «طاقة شمسية وطاقة رياح»، يمكنها أن تلبي احتياجات البشرية لملايين السنين، وهى من أهم مصادر الطاقة المستدامة، والتى لا تنفد ولا تنضب فهى غير محدودة مهما أسرف الإنسان فى استخدامه لها، وهذا يعني أنها تتجدد بشكل طبيعى، فهى تلبي جزء من احتياجات البشر الحالية، وسوف تلبى جزء من احتياجات الأجيال القادمة، هذه المصادر تتميز بأنها طاقة نظيفة، ولا تضيف مزيداً من التلوث لبيئتنا الطبيعية ولا لصحة الإنسان والحيوان ولا تتسبب فى تغير المناخ. 

الشمس كرة هائلة من اللهب، والمعجزة تتجلى فى ذرة الهيدروجين فهى أصغر ذرة وأخف ذرة فى الكون، ومنها نرى معجزة طاقة الشمس والنجوم، التى تتشكل من الاندماج النووى، وذلك باندماج 4 ذرات هيدروجين، وينتج من هذا الاندماج غاز الهيليوم ونيوترونات وطاقة. فى كل ثانية يندمج 600 مليون طن من الهيدروجين فى باطن الشمس، عند درجة حرارة حوالى 15 مليون درجة مئوية.

بدأ التفكير فى محاكاة ما يحدث فى باطن الشمس، لإنتاج طاقة نظيفة من تفاعل الاندماج النووى، تفاعل الاندماج النووى وتفاعل الانشطار النووى، هما أهم أنواع التفاعلات النووية التطبيقية، لإنتاج الطاقة، الانشطار النووى يتم من خلال شطر ذرة ثقيلة مثل اليورانيوم 235، بواسطة نيوترون بطىء، وهو مستخدم فى مفاعلات الأبحاث ومفاعلات توليد الكهرباء، المنتشرة فى كثير من دول العالم.

الاندماج النووى هو عملية يتم فيها اندماج نواتين لذرتين خفيفتين، لتكوّنا نواة ذرة واحدة أثقل من أى منهما، كتلة النواة الناتجة من الاندماج النووى أقل من مجموع كتلة النواتين المندمجتين، الفرق فى الكتلة وهى كتلة صغيرة مفقودة تتحول إلى طاقة. هذه الطاقة تبلغ أربعة أضعاف كمية الطاقة التى تنتج عن تفاعلات الانشطار النووى. 

فى مفاعلات الاندماج النووى، يستخدم نوعان من الهيدروجين الثقيل، أى نظائر الهيدروجين "الديوتيريوم والتريتيوم"، وينتج على إثر هذه العملية ذرات "هيليوم ونيوترونات وطاقة" بمعنى أن الجيل الأول من مفاعلات الاندماج النووي، سوف يستخدم وقوداً مكوَّنا من مزيج من "الديوتيريوم والتريتيوم". ومن الناحية النظرية نجد أن بضعة جرامات من مزيج "الديوتيريوم والتريتيوم"، يمكن إنتاج كمية من الطاقة تبلغ تيرا جول.

هذه النظائر متوفرة بكميات كبيرة نسبياً، حيث يمكن استخراج "الديوتيريوم"، من مياه المحيطات والبحار، فى حين يتم إنتاج النظير الآخر، وهو "التريتيوم"، كمنتج ثانوى فى المفاعلات النووية، أو من خلال جزء خاص بمفاعل الاندماج النووي يُعرف باسم بطّانية الليثيوم، وذلك باستخدام النيوترونات الناتجة عن تفاعل الاندماج نفسه.

يحدث الاندماج النووى عندما يكون الوقود "الهيدروجين أو نظائر الهيدروجين" فى حالة تُسمى بحالة البلازما، وهى الحالة التى تتجرد فيها ذرات الغاز من الإلكترونات، أى تصبح أيونات موجبة، وإلكترونات حرة طليقة، وفى هذه الحالة، يمكن تحفيز الأيونات لكى تندمج وتطلق طاقة.

لزيادة فرص تصادم نويات الذرات، يجب حبس النويات داخل حيّز صغير، بواسطة ضغط عالى جدا. ولكى يتم الاندماج النووى، يتطلب الأمر تصادم نويات الذرات بعضها ببعض فى درجات حرارة عالية جداً تتجاوز عشرات الملايين من الدرجات المئوية، حتى تتمكن من التغلُّب على التنافر الكهربائى فيما بينها. فإذا تغلَّبت النويات على هذا التنافر، وصارت المسافات بينها قريبة للغاية، بذلك تصبح قوة التجاذب النووى بينها أعلى من قوة التنافر الكهربائى، بما يتيح لها أن تندمج معاً. 

على الرغم من العدد الكبير من المحاولات التى قام بها العلماء خلال ستين سنة الماضية، فإنهم لم يتوصلوا حتى الآن إلى تنفيذ مفاعل للاندماج النووى، اندماج متحكم فيه، وينتج طاقة مستمرة، وتكون أكبر من طاقة تشغيل التفاعل. المجال العسكرى هو المجال الوحيد، الذى استطاع العلماء فيه التوصل إلى الاندماج النووى، حيث تم تنفيذ القنبلة الهيدروجينية.

الحفاظ على البلازما والتحكم فيها فى وضع مستقر من أجل استخراج الطاقة أمرٌ صعب، وأمر معقد للغاية ولكن العلماء قطعوا أشواطاً كبيرة فى هذا المجال طيلة العقود الماضية.

الخيارات التى خضعت لكثير من الدراسة بغرض إنتاج طاقة اندماج نووى حرارى يمكن التحكم فيه، هما فرعان رئيسيان فى بحوث طاقة الاندماج، الأول، اندماج الحبس المغناطيسى Magnetic confinement fusion (MCF)، والثانى، اندماج الحبس بالقصور الذاتى Inertial confinement fusion (ICF). أظهرت التجارب خلال السبعينيات والثمانينيات أن كفاءة هذه الأجهزة كانت أقل بكثير مما كان متوقعا، ولن يكون الوصول إلى الاندماج النووى أمرا سهلا.  

اندماج الحبس المغناطيسى MCF، يستخدم الحقول المغناطيسية فى حبس البلازما، اعتمادا على أن الأيونات الموجبة الشحنة تتفاعل مع القوى المغناطيسية، لأنه لا يمكن لأى مادة صلبة (حوائط المفاعل الداخلية) تستطيع تحمل درجة حرارة البلازما المرتفعة جدا.

مفاعلات الاندماج من ذلك النوع والأكثر شيوعاً هى مفاعلات "توكاماك" Tokamak ومفاعلات المولد النجمى  stellarator"سِتيلاراتُور". حاليا يجرى العمل فى تجارب تشغيل نحو 60 مفاعلاً من نوع "توكاماك" و10 مفاعلات من نوع "سِتلّلاريتُور"، للوصول لنتائج تعطى أملا لطاقة تستخدم فى توليد الكهرباء.

"توكاماك" اختصار لتعبير روسى، تعنى "غرفة حلقية الشكل بملفات مغناطيسية". والتوكاماك هى إحدى أنواع مفاعلات الاندماج النووى بالحبس المغناطيسى، التى تم تطويرها لإنتاج طاقة الاندماج النووى الحرارى بشكل مُتحكَم به. أول محطة توكاماك T-1، بدأت العمل عام 1958 فى روسيا فى معهد كورتشاتوف فى موسكو.

المفاعل "توكاماك" يعمل عن طريق رفع درجة حرارة البلازما لدرجة عالية جدا، لذلك يجب إبعادها حتى لا تلامس حوائط المفاعل الداخلية، حتى لا تتلفها، وتتسبب فى برودة البلازما وانقطاع التفاعل الاندماجى فى مفاعل "توكاماك" البلازما تكون معلقة وسط المفاعل، بواسطة مغناطيس قوى يحافظ على البلازما معلقة فى الوسط وفى مسار دائرى. تقوم القوى المغناطيسية بتدوير البلازما باستمرار داخل غرفة المفاعل على شكل كعكة دائرية.

فى الوقت الراهن تتمثل الصعوبات أمام هذا النوع من المفاعلات فى الحفاظ على استمرارية التفاعل الاندماجى، أى على حرارة البلازما حيث أن اختلاف السرعة فى طبقات البلازما الداخلية والخارجية يسبب تداخلات، تقلل من درجة حرارتها. مما يتطلب جعل الحقل المغناطيسى أو القوة المغناطيسية فى شكل لولبى، كما أن تبريد المفاعل لا يسمح بتشغيله المتواصل، لذلك فهو يعمل بصورة متقطعة أى على شكل نبضات، حتى الآن أمكن استرداد كمية الطاقة المستهلكة فى التشغيل، والتطوير قائم ومستمر حتى يتمكنوا من إنتاج طاقة أكبر من الطاقة المستهلكة فى التشغيل، أى أنه حاليا لا يصلح لإنتاج الكهرباء.

مفاعلات المولد النجمى "سِتيلاراتُور"، تمتلك ميزة، فى أنها تقلل الخسائر الناتجة عن التداخلات، نتيجة اختلاف السرعة فى طبقات البلازما الداخلية والخارجية، عن طريق بناء شكل هندسى أكثر تعقيدا للمغناطيسات التى تولد الحقل المغناطيسى، حيث يعتمد الحبس المغناطيسى فى جهاز الستيلاراتور على مجال مغناطيسى قوى ينتج عن ملفات لولبية تحيط بأنبوب حلقى.
أكبر مفاعل اندماج نووى "توكاماك" يتم تطويره فى فرنسا. هو مشروع دولى كبير، يعرف باسم المفاعل النووى الحرارى التجريبى الدولى (إيتر) ITER. ويشترك فى هذا المشروع الاتحاد الأوروبى وأمريكا وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية والهند والصين.

يجرى أيضا تطوير مشاريع أخرى للاندماج النووى فى مختلف دول العالم. وقد كشفت الصين مؤخراً عن مشروع "شمس صناعية" بالاندماج النووى، أيضا مفاعل "توكاماك". حيث توصل العلماء الصينيون إلى طريقة جديدة باستخدام مساحيق البورون ونيتريد البورون النقى، وهذه المساحيق خاملة، مما يعنى أنها لا تتفاعل مع أى شىء أو تشتعل فيها النيران، حيث كانت الطريقة القديمة تستخدم غازا مصنوعا من البورون والهيدروجين القابل للاشتعال. يمكن أن يساعد استخدام المسحوق فى تطوير أشكال أكثر بساطة وأمانا من تفاعلات البلازما تسمى البلازما منخفضة الكثافة. حيث يمكن التحكم في هذه البلازما بشكل أكثر أمانا، ويمكن أن تكوّن شكلا عمليا لمفاعل يستخدم فى إنتاج الطاقة الكهربائية. 

فى أمريكا وفى معهد الإشعال الوطنى للاندماج النووى، يجرى تطوير مفاعل اندماج نووى يعمل بطريقة الحبس بالقصور الذاتى ICF، حيث يستخدم الليزر فى رفع درجة حرارة الوقود وضغطه بدرجة عالية جدا، الوقود من نظائر الهيدروجين "الديوتيريوم والتريتيوم"،. 

آخر تجربة تمت يوم 5 ديسمبر 2022، حيث قام الباحثون فى معهد الإشعال الوطنى بتركيز طاقة مقدارها 2.05 ميجا جول من ضوء الليزر على كبسولة صغيرة من وقود الاندماج وأحدث انفجارا، وأنتج 3.15 ميجا جول من الطاقة. لكن الطاقة المستخدمة من شبكة الكهرباء لتشغيل أجهزة الليزر، كانت حوالى 300 ميجا جول.

إذا كان الكسب يعنى إنتاج طاقة من الاندماج النووى أكثر من طاقة الكهرباء المستهلكة فى التجربة، فإن التجربة التى تمت فى المعهد كانت أقل بكثير، فى حدود 1%. وبالتالى، على الرغم من أن إنجاز المختبر يعد خطوة مهمة، إلا أن الاندماج بالقصور الذاتى لا يزال بعيدا عن أن يصبح مصدر طاقة قابل للتطبيق.

عموما، إذا كان العلماء قد حققوا نجاحاً هائلاً فى مجال الاندماج النووى، إلا أن السباق سوف يستمر لبناء أول محطة متكاملة للطاقة فى العالم. ومع ذلك، وبالنظر إلى الجداول الزمنية البحثية، فمن غير المرجح أن تكون محطات الاندماج النووى لتوليد الكهرباء متاحة تجارياً قبل عام 2035.

الاندماج النووى هو فرصة للبشرية لكى تتخلص من الاعتماد على الوقود الأحفورى الذى تسبب فى دمار البيئة الطبيعية، وأيضا لكى تتخلص من مشكلة النفايات النووية، كما أنه يحقق حلمها فى الحصول على كميات غير محدودة من الطاقة النظيفة المستدامة والتى تدوم إلى الأبد. 

الاندماج النووى يمكن أن يوفر الطاقة الكهربائية للمجتمع الإنسانى لملايين السنين، فهى طاقة لا ينتج عنها أى تلوث إشعاعى يضر البيئة الطبيعية، والنفايات المشعة الناتجة عن مفاعل الاندماج النووى قصيرة العمر جداً، مقارنة بالنفايات المشعة الناتجة عن المفاعلات النووية الانشطارية التقليدية، التى تستمر لآلاف السنين، يلزم دفنها فى باطن الأرض، وفى كهوف مخصصة لذلك. 

الاندماج النووى يولد طاقة نظيفة، ولا تنبعث منه الغازات الدفيئة "أول وثانى أكسيد الكربون، والميثان، وثانى أكسيد النيتروجين، وثانى أكسيد الكبريت والأوزون"، وهى الغازات المسببة للاحتباس الحرارى والأمطار الحمضية المدمرة للنبات والحارقة للزراعات. كما أنها طاقة مستمرة تعمل طوال اليوم وطوال الأسبوع وطوال السنة، فهى ليست متقطعة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. 
مفاعلات الاندماج النووى تقام على مساحة صغيرة من الأرض، بخلاف محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التى تتطلب مساحات شاسعة من الأراضى، وكذا فإن محطات الاندماج النووى يمكن استخدامها بسهولة فى جميع أنحاء العالم، بما فى ذلك المناطق الريفية والنائية والتى لا تستطيع الحصول على الكهرباء عن طريق شبكة الكهرباء الموحدة، وبذلك فهى طاقة مناسبة لتدعيم التنمية المستدامة فى الريف والمناطق النائية، وبذلك تكون طاقة الاندماج النووى هى الطاقة المثالية للتنمية المستدامة. وبذلك يعتبر الاندماج النووى هو الحل الأمثل لاستخدام الطاقة النووية فى إنتاج الكهرباء.