رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ماذا لو كان نزار قباني بيننا الآن؟! «حوار خارج الزمن»

29-12-2022 | 09:26


هشام شوقي
كي تجلس إلي نزار قباني، عليك أن تفتح كتب التاريخ والجغرافيا، وتحمل قلمك ودفتر أوراقك وجهاز التسجيل وجواز سفرك، قبل أ ترفع سماعة الهاتف كي تعرف وجهتك إلى أي العواصم تتجه، إلى دمشق التي كانت منبته وبدياته أم بيروت التي شهدت اغتيال أجمل قصائده بلقيس. جاءني صوت الشاعر منهكا حزين، وما ان ابلغته رغبتي في المقابلة الصحفية، حتى حاول الاعتذار بلطف، ومع الإلحاح، وافق على أن تكون في دمشق بذلك البيت الذي تربي فيه وخرجت من بين جنباته قصائده التي كانت دستور المحبين، وعند وصولي إلى دمشق البلدة القديمة، و بالتحديد في شارع مئذنة الشحم، وجدت البيت الذي قال عنه نزار «هل تعرفون معني أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة»، كانت المفاجأة التي صدمتني أن البيت تحول إلى مقر لـ«منتدى سياسي ثقافي إيراني»، وفي تلك اللحظة أدركت سر إنهاك الشاعر، وحزنه. سألت «نزار» عن بيته الأثير، فأجابني بأنه التاريخ من هنا خرجت المظاهرات في مواجهة الاحتلال، وهنا وقف فوزي الغزي أبو الدستور السوري يلقي الخطب على اسماع الوطنين، استدار الشاعر وكأنه يستعيد كلماته حينما وجد باب البيت مغلقا لا يستطيع الولوج إليه، مرددا ذلك المقطع من قصيدة «شقة مفروشة» هذي البلاد، شقة مفروشة يملكها شخص يسمى عنترةْ يسكر طول الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار، والأطفال والعيون، والأثداء والضفائر المعطرةْ هذي البلاد كلُّها مزرعةٌ شخصيةٌ لعنترةْ هنا توقف الحوار لبرهه بيننا، أردت أن يتنفس الصعداء بعد ذلك المشهد الذي فجع الرجل في قلبه، لم يتخيل يوما أن يتحول البيت الذي شهد حياة من سطر تاريخ الأنوثة لمجرد «منتدى سياسي»، يحمل على جدرانه صور قاسم سليماني ورموز نظام آيات الله الذي تورط في اغتيال الأنوثة، بدلا من أن تحمل الجدران صور بلقيس. في عام 1954 نشرت قصيدتك (خبز وحشيش وقمر)، وكانت النتيجة كما علقت سابقا «ضربتني دمشق بالحجارة»، هل تعتقد أنها ما تزال تعبر عن واقعنا العربي؟ أجاب الشاعر ببعض من القصيدة، عندما يولد في الشرق القمر..« فالسطوح البيض تغفو تحت أكداس الزهر.. يترك الناس الحوانيت و يمضون زمر لملاقاة القمر.. يحملون الخبز.. و الحاكي..إلى رأس الجبال و معدات الخدر». هل تغير الحال؟ هل صعدا العرب إلي القمر، هل تحمل عناوين الصحف أخبار البحث العلمي، هل استوطن العلم بلاد العرب، أم ما زال الخدر يغزو بلاد العرب؟!، وتعددت صوره بين دخان وكلمات ومسوخ بلا صوت تترنح على أصوات الضجيج، تذهب بعقول الأوطان، انه الخدر الجديد. لا يمكن أن تجلس إلى من كتب تاريخ الأنوثة، دون حضور المرأة، سألته في ديوانك «قالت لي السمراء» كان حضور المرأة فيه صور حسيه لها، ماذا كنت تريد من تلك الصورة؟ ثم استعرت في مراحل لاحقه صوتها و كنت أنت محاميها و انتقدت المجتمع و الرجل حينما نظمت قصيدة «يا سيدي» « يا سيدي أخاف أن أقول ما لدي من أشياء أخاف – لو فعلت – أن تحترق السماء فشرقكم يا سيدي العزيز يصادر الرسائل الزرقاء يصادر الأحلام من خزائن النساء يستعمل السكين والساطور كي يخاطب النساء لا تنتقدني سيدي إن كان حظي سيئا فإنني أكتب والسياف خلف بابي» يحدق «نزار» في الحديقة الدمشقية التي نجلس فيه، ويتناول طوق من الياسمين، قائلا انظر إليه لقد ملء المكان بعطره، ألم يمنحك السعادة؟ أنه اشبه بالمرأة، قالوا عني شاعر المرأة، وأنا في الحقيقة شاعر الإنسان، فالمرأة كانت الحب الذي صنع من ذاتي الشاعر، حملت قصائدي آمالها وطموحاتها في مجتمعنا، كانت المرأة خائفة في شرقنا لم تكن هي من تعبر عن احساسها، بل كانت تأتي الكلمات على لسان الرجل مثل «مذعورة الفستان من ديوان قالت لي السمراء» أما في قصيدة كلمات كانت تلك التي تتحدث بلسانها معبرة عن احساسها وانفعالاته، يواصل الشاعر إن المجتمع لا يمكنه أن يعيش بنصف إنسان، وفي شرقنا نحن من يغتال القصيدة. عاود الشاعر من الجديد النظر إلي طوق الياسمين الدمشقي، وأراد أن نتوقف مؤقتا عن تلك المقابلة لنمشي في شوارع دمشق ونتناول القهوة معا ثم نعاود الحديث من جديد.. (البقية الأسبوع المقبل)