وجدت نفسي سارحة بخيالي عابرة كل الحدود الزمنية حتى وصلت بخيالي ليوم وجدت فيه نفسي طرفًا في إحدى القصص الغريبة التي مرت بي في الماضي، هي قصة تحمل العديد من المتناقضات، وأول هذه الأشياء أنني كنت حقًا الأخت الكبرى، ولكن مقوماتي الجسدية كانت تشير إلى غير ذلك نظرًا لقصر قامتي ربما، أو لضخامة بنية شقيقتي التي كانت تصغرني بسنوات قليلة، ولكنها كانت تبدو للجميع هي الأكبر سنًا مني، الغريب أن هذا الأمر قد سبب لأختي ضيقًا شديدًا في البداية إلا أنها لجأت للتأقلم معه وتقبلته فيما بعد برحابة دفع بها لتقمص دور الأخت الكبرى أحيانًا، وفي أحد الأيام كنت في طريق العودة من مدرستي الثانوية وكنت أشعر حينها بالإرهاق الشديد، وصلت أخيرًا إلى المنزل ثم طرقت الباب وتمنيت أن ألقي بحقيبتي على أول كرسي أقابله أمامي ثم ألقي بعدها بنفسي في سريري وأسبح في نوم عميق، ولكن الذي حدث حينها كان أبعد ما يكون عن تصوري وخيالي.
قامت أختي بفتح الباب لي واستقبلتني استقبالًا عجيبًا حيث قالت لي: "أهلًا يا هانم اتأخرتي ليه عن كل يوم هو أنتي كده طول عمرك مدوخاني معاكي مش ناوية تكبري بقى وتتعلمي الالتزام " وجدت نفسي أضحك بشكل متواصل وكلما ازداد ضحكي كلما أفسحت لها المجال لكي تؤدي دور الأخت الكبيرة الذي تقمصته بعد أن تم إلصاقه بها عنوة، حدثتها قائلة: " وبعدين معاكي شكلك كده عايزة تعيشي الدور، وأنا هاسيبك تعملي اللي أنتي عايزاه لأني فعلًا تعبانة جدًا "، بدأ العرض وارتدت أختي رداء الشخصية وبدأت تمثل الدور بإبهار شديد.
قالت لي: "كل الناس عمالة تقول إنك أختي الصغيرة، وأنا هاثبت لك وأثبت لهم بقى إن كلامهم صح وهاعمل اللي بتعمله الأخت الكبيرة، قومي يا هانم وتعالي معايا قلت لها : على فين بس سيبيني أغير لبس المدرسة وأنام فقالت لي أنتي لسه صغيرة وماتعرفيش مصلحتك، ياللا قومي معايا من سكات وقامت بخلع ملابس المدرسة عني ثم علقتها على الشماعة وهي تتمتم بصوت خفيض: "غلبت أقول نيجي من المدرسة نغير هدومنا ونعلقها على الشماعة مفيش كلام بيتسمع أبدًا"، كل هذا وأنا مستسلمة لها، وقد أخذتني نوبة ضحك أخرجتني من نوبة الإرهاق الأولى التي انتابتني وهي تمسك بيدي وتقف أمام الحوض تقوم بغسلهما وتجففهما لي .
ثم تصطحبني معها للحجرة لكي أرتدي بيجامتي قائلة: "رايحة فين أنا اللي هالبسك هدومك هاتي دراعك دخليه في الكم ده، وامسكي طرف البلوفر كويس وأوعي يفلت من إيدك، مللت المبالغة ووقفت غاضبة أبدي لها اعتراضي على الإتيان بالمزيد من تلك الأفعال الغريبة، فإذا بها تدفعني بقوة لأجلس على السرير، وهي تمسك بزوج من الشرابات في يديها تبدأ بالأولى وتدخلها في قدمي كالأطفال، أحاول التملص منها مللًا، تنهرني وهي تجهز الثانية لتدخلها في قدمي، ثم تجلس بجواري فجأة قائلة: "كفاية كده أنا تعبت بجد".
قلت: "أخيرًا حانت لي الفرصة للراحة، وما هي إلا دقائق قليلة حتى عادت لخشبة المسرح مرة أخرى فقامت من جديد لتجهز لي طعام الغداء، وقد اشترطت علي أن أقوم بعمل كوبين من الشاي لي، ولها بعد الانتهاء من تناول الطعام، وفي لحظة قررت أن أسترجع منها بعض حقي حين قمت بوضع أعواد النعناع لها في كوب الشاي الخاص بها، فهي لا تحب نكهة النعناع في الشاي، وأنا أعلم هذا جيدًا، قمت بتقديمه لها فأثارت عاصفة من الغضب العارم في وجهي قائلة : حرام عليكي ما أنتي عارفة إني مش اشرب الشاي بالنعناع، فحاولت تهدئتها وإقناعها بأنه مفيد لها، فتناولت بعضه وهي تود الإطاحة بي من الحجرة ومن المنزل وربما من الحي بأكمله، الشيء اللافت للنظر أنها استسلمت للأمر لأني كررت هذا الموقف معها فاعتادت على تناول الشاي بالنعناع ونسيت أنه كان بمثابة عقاب لها، والآن عندما تأتي لزيارتي في منزلي تبادر بسؤالي: وفاء عندك نعناع ؟ فأقول لها: أيوه، ليه ؟ فترد ضاحكة: أصلي اتعودت أشرب الشاي بالنعناع، فاكرة، ولا أفكرك يا مستبدة.