رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ميلاد مجيد

7-1-2023 | 13:14


حسين عثمان,

إن الإنسانية كل الإنسانية أن يُطابق سلوك الإنسان أفكاره التي يؤمن بها، وفي حياة كل منا لحظة اختبار هي دائمًا لحظة حرجة، نصادفها مرة أو مرات، نتوقف مع أنفسنا نقرر ونختار، ما بين الاستقامة والمصداقية حين يُطابق سلوكنا معتقداتنا، أو الانحراف بالنفس جهلًا أو كذبًا أو نفاقًا، أو طمعًا في جاه أو ثروة أو محسوبية، وفرق كبير بين إرادة الحياة حينما يملك الإنسان نفسه وإرادته وقراره، فيعيش طيب السيرة والذكر حتى بعدما يموت، بما تركه من أثر أو آثار، وبين الحياة والسلام، حين يذهب العمر بلا هوية، فيعيش الإنسان يبيع نفسه قبل عمره، حتى يعلوه الصدأ فيموت وهو حي يرزق.

نحتفل اليوم بعيد الميلاد المجيد، ذكرى ميلاد المسيح عيسى عليه السلام، ابن مريم خير نساء العالمين، وهي كغيرها من أعياد المسيحيين، ومعها لا قدر الله أي كوارث تُصيبهم، لحظات حرجة في حياة كل مسلم، تمثل بالقطع اختبارًا إنسانيًا بحتًا، في وصفه الأولي وتفاصيله الدقيقة، فلينفرد كل مسلم بنفسه بعيدًا يراجعها دون ضغوط، افعلها فقط مع ربك، فلن يكون حسابك الختامي إلا معه، ضع نفسك أمامك برفق ولا تقسُ عليها، فقط اسألها واسمع منها، ثم اسألها واسمع منها، افعلها مرة ومرات، حتى تصل بكل يقين إلى أحد الخيارين المنفردين.. هل تعيش في الدنيا إنسانًا حقًا؟!.. أم تموت فيها وأنت حي تُرزق؟!.

هل نحاول الآن معًا؟.. دعنا نبدأ باللحظة الحاضرة، وانتبه فأنا لم أصفها فقط إلا بالحاضرة، حرصًا على عدم توجيه ذهنك في الإجابة، فقط أريد مشاركتك في تنشيطه، وهكذا أسترسل، وأتوقف فقط للتعليق وقتما أراك أقرب إلى أحد الخيارين، فالرؤية عندها تكون قد ظهرت، واستدعت مراجعة النفس، ولنرمز لها بصورة ذهنية، ضوء أحمر وجرس إنذار، وهو ما أتمنى أن تكرره بعدها منفردًا مع نفسك.. والآن أسألك.. هل تشارك المسيحيين أعيادهم؟.. كيف تفعل ذلك؟.. من القلب؟.. تبتسم وتُقبِل على جارك أو زميلك أو صديقك، وتأخذه بكل ود مُعانقًا مُهنئًا، وداعيًا صادقًا، أن يعود العيد عليه وعلى ذويه بالخير، أم تؤديه فقط كواجب؟.

أم أنك لا تشاركهم أعيادهم من الأصل؟.. أراك تُنصت الآن باهتمام وعمق، وتتأمل نفسك بعض الوقت قبل أن تُجيب، وتترقب المزيد من أسئلتي.. فلنواصل.. هل توجه أبناءك نحو المعايدة على زملائهم من الطلاب المسيحيين؟.. ماذا تفعل إذا حكى لك أبناؤك أنهم يشاركونهم طعامهم وشرابهم؟.. هل تشاركهم أنت الطعام والشراب؟.. هل تقبل من جيرانك كحك العيد؟.. هل تُهاديهم به في عيدك؟.. أسئلة تطرح أسئلة، وإجابات تفتح أبواب التأمل وتمهد لمراجعة الذات، وهي ليست إلا عينة لأسئلة أملك منها الكثير، وقبل أن يُباغتني أحد أشد المحتاجين إلى هذه المراجعة فيسألني.. وماذا عنهم؟!.. أذكر نفسي وإياكم بأن ربي ورسولي قد أوصياني بهم خيرًا.

وما كان رُهبان مصر وأقباطها إلا مُرحبين بالفتح الإسلامي لمصر، وما رأوا في الإسلام إلا خلاصًا من استبداد وقسوة وإبادة قياصرة الرومان، وقناعًة بأنه يقر حرية الاعتقاد، ويستأمن المسلمين على مواطنيهم غير المسلمين، في عقائدهم وعباداتهم وأموالهم وأعراضهم، فلنتجرد من هواجسنا، حرروا نفوسكم وأيضًا عقولكم، دعونا نشرع بإصرار نحو تجديد حياتنا، والمدخل في العودة بالإسلام إلى توجهاته الإنسانية التي جاء بها، والتي لم يفعل الساسة عبر الأجيال، إلا أن استغلوا أطماع رجال الدين، فوقعوا معًا صفقة تطويعه لتحقيق مصالحهم المشتركة على حساب الإنسان، شكلوا معًا حزبًا لأعداء الإنسانية تطورت آلياته حتى صارت على ما صارت عليه داعش في السنوات الأخيرة.

أوصيكم ونفسي بألا ننتظر أن تقود جهة اختصاص الجهود نحو تجديد الدين أو الدنيا، فلنعمل معًا بوعي، ونجتهد جميعًا بنية خالصة لله والوطن، ونشارك أهل الاختصاص كلٌ فيما يخصه، ولتكن البداية سرعة إحلال مادة الأخلاق محل مادة الدين في مدارسنا، يتلقى مفاهيمها أبناءنا المسلمون والمسيحيون معًا في نفس الوقت، دون أن نُضطَر إلى فصل كل طائفة في حصة تربية مستقلة بدينها، لا تمثل في الحقيقة إلا تأسيسًا لفكرة الانقسام الإنساني قبل المُجتمعي، لعلها تكون بداية نؤمن بها مستقبلهم المشترك، فالوطن واحد والمصير واحد، شاء من شاء وأبى من أبى، والأديان تتوافق ولا تتطابق على حد قول البابا تواضروس.. ميلاد مجيد.