صان الحجر – تانيس.. عاصمة بوابة مصر الشرقية
أ.د. خالد غريب
● تحتوي المنطقة الأثرية بتانيس على العديد من الآثار، لعل أهمها كنوز تانيس التي عثر عليها عالم الآثار الفرنسي بيير مونتيه والتي كان أغلبها من الفضة ولا تقل روعة ولا أهمية عن كنوز توت عنخ آمون
● يعتبر المعبد الكبير من أهم آثار تانيس، وهو المعبد الذي كرس لثالوث طيبة الأكبر آمون وموت وخنسو، وهناك كذلك البحيرتان المقدستان، ومعبد حورس، معبد الأوبت، ومعبد موت.
تانيس (صان الحجر) الإقليم الرابع عشر من أقاليم مصر السفلي وكان اسمه بالمصرية القديمة خنت ايبت أي إقليم الحد الشرقي وكانت عاصمته تل أبو صيفة بالقرب من القنطرة شرق وتحولت إلى صان الحجر على بعد 20 كيلو مترا من مدينة المنزلة وهي إحدى قرى مدينة الحسينية مركز فاقوس محافظة الشرقية، وتبعد عن القاهرة بنحو 150 كيلو مترا.
كان أول ظهور لاسم صان الحجر في النصوص المصرية من عهد الملك رمسيس الثاني حيث ذكر اسم سخت جعنت أي حقول جعنت، وذلك في معبد المعبود بتاح بمنف، والجميل أن نعرف أن كل جيم معطشة في النصوص المصرية القديمة قلبت إلى صاد في اللغة العربية وعليه فإن جعن بتعطيش الجيم أصبحت صعن وصان في اللغة العربية، وفي القبطية صانو، وفي التوراة صوعن، أما كلمة الحجر فهي إضافة لكل منطقة رآها المؤرخون العرب تضم آثارا، فكان يُضاف إليها إما كلمة الحجر أو الجبل.
عرفت صان الحجر في اليونانية باسم تانيس والتي يختلف الباحثون حول تفسيرها حيث يقول البعض إن تانيس هو ابن حام بن نوح عليه السلام، بينما يقول البعض الآخر أنه كان شقيق مصرايم، وإن كان الأقرب للصحة أن كلمة تانيس مشتقة من تانيسوس وتعني أرض البركة أو أرض البحيرة.
تعد تانيس واحدة من ثلاثة مناطق مهمة في إطار المقاطعة الرابعة عشر من مقاطعات مصر السفلى.. الأولى هي حوت وعرت (أواريس) عاصمة الهكسوس والثانية هي بررعمسو مسقط رأس ملوك الأسرة التاسعة عشرة، أما الثالثة فهي تانيس.
كان يعتقد فيما سبق أن تانيس هي الثلاثة مناطق ولكن حفائر المعهد النمساوي للآثار في مناطق عزبة رجدي والختاعنة وقنتير أخرجت العديد من الشواهد الأثرية التي تؤكد أن تانيس كانت متفردة كعاصمة في مرحلة مهمة من عصر الانتقال الثالث، وهي الأسرة الحادية والعشرين، وكانت لها أهمية كبرى جعلتها تماثل طيبة المدينة العظيمة أو يطلق عليها طيبة الشمالية.
تمتد مساحة المنطقة الأثرية بتانيس لنحو أربعة كيلو مترات، وتحوي العديد من الآثار لعل أهمها كنوز تانيس التي عثر عليها عالم الآثار الفرنسي بيير مونتيه والتي كان أغلبها من الفضة ولا تقل روعة ولا أهمية عن كنوز توت عنخ آمون، ويحتفظ المتحف المصري بكنوز هذه المنطقة والجميل أن نعلم أن الملك فاروق كان مولعًا بمتابعة هذه الآثار ويزور المنطقة بشكل دوري ولا زالت منطقة تانيس تحوي استراحة الملك فاروق حتى الآن.
أهم آثار المنطقة تحوي المعبد الكبير الذي كرس لثالوث طيبة الأكبر آمون وموت وخنسو، وهناك كذلك البحيرتان المقدستان، والسور الطيني الضخم الذي أنشأه الملك بسيسونيس الأول ومعبد حورس ومعبد الأوبت، إضافة إلى معبد موت.
أما عن الجبانة فهناك مقابر ملوك الأسرة الحادية والعشرين وأهمها مقبرة الملك بيسيسونيس والتي كرست له ولزوجته وابنه، إضافة إلى مقابر ملوك الأسرة الثانية والعشرين الذين اختاروا العصمة في تل بسطة ولكنهم نقلوا مقابرهم إلى تانيس كأنهم أرادوا أن يجعلوا المعبد الكبير هو الكرنك في تانيس ومقابرهم كأنها وادي الملوك.
في العصر البطلمي لم يكن هناك اهتمام كبير بالمنطقة مثل غيرها لأن الإسكندرية كانت تحتل المكانة الكبرى، ولكن الوضع اختلف تمامًا في العصر الروماني المتأخر حيث كانت تانيس ملجأ آمنًا للمسيحيين الأوائل، ولذا نعلم من كتاب تاريخ الكنيسة أن ابرشيتين من ابرشيات الكرازة كانت موجودة في تانيس، وحين أرسل البابا مرقص الثاني البابا التاسع والأربعين رسالة الشركة إلى حاكم أنطاكية حملها اثنان من الأساقفة عرف الأول منهما أنه أسقف تانيس، كما يشير الرحالة يوحنا الكاسيان أنه زار ابرشية تانيس وشاهد بها نحو 72 دير والعديد من الكنائس.
اشتهرت المنطقة كثيرا في العصر الإسلامي وحملت أهمية كبيرة ولا سيما في عصر الأسرة الأيوبية التي كان حكامها يعتبرونها بفرع النيل التانيسي ذات أهمية استراتيجية لحماية بوابة مصر الشرقية، ولذا تحدث المؤرخون العرب كثيرا عنها وعن مكانتها ومن بينهم المسعودي الذي قال إن تانيس مدينة ذات مائة باب وتضم العديد من الآثار وأهلها كانوا ميسوري الحال، وكان أغلبهم يعمل في حياكة المنسوجات، وإن تانيس كانت ترسل منسوجات إلى العراق سنويا بما قيمته 30000 دينار، كما يشير البعض الآخر أن ميناء تانيس كان يستقبل سنويًا ما يقترب من 500 مركب من الشام لشراء المنسوجات.
وبعد الفتح الإسلامي لم ينقطع الاهتمام التجاري من البيزنطيين مع تانيس لا سيما في نوع الثياب الذي كان يصنع هناك والمعروف باسم ثياب البدنة، وكان حاكم الفرس قد أرسل نحو 20000 دينار إلى حاكم تانيس لشراء منسوجات من عندهم كانت تعرف باسم البقلمون أو قماش القصب والذي كان معروفًا في ثلاثة مدن مصرية هي الفيوم ودمياط وتانيس.
تشير كذلك كتابات المؤرخين العرب أن تانيس كان بها نحو 5000 منسج يمكن لنحو 10000 شخص من العمل فيهم.
أما عن تاريخ البحث عن الآثار في تانيس عاصمة الأسرة الواحدة والعشرين فقد بدأت عام 1859 على يد الفرنسي أوجست مارييت، وخلفه فلندرز بتري عام 1884 والذي كان يعتبر المنطقة عاصمة للهكسوس ومسقط رأس ملوك الرعامسة كما سبق القول، وكانت أفضل بعثات الحفائر هي تلك التي قام بها بيير مونتيه في القرن العشرين، ولا زالت أعمال الحفائر تتم بشكل كبير في المنطقة التي تتطلب الكثير من الاهتمام لا سيما وأن المنطقة ترتبط ارتباطًا كبيرًا بخروج بني إسرائيل من مصر.
صان الحجر عاصمة مصرية عظيمة لعبت دورًا كبيرًا في مرحلة دقيقة للغاية من تاريخ مصر وهي مرحلة العصر المتأخر.