رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أمريكا في الذهنية العربية

13-1-2023 | 13:48


د حسين علي,

إن السياسة الدولية لا تستند إلى أساس أخلاق، بل تحركها المصالح، رغم ادعاء بعض الدول - وفي مقدمتها أمريكا – عكس ذلك. واقع الحال يقول إن المصالح هي أساس علاقات الدول بعضها ببعض.

وعلينا أن نميز في حديثنا عن أمريكا، بين الشعب الأمريكي الذي ينبغي أن ننظر إليه بوصفه شعبًا مسالمًا كبقية شعوب العالم، وبين أمريكا كسياسة خارجية لدولة عظمى. وحين نتحدث عن أية دولة لابد أن نذكر ما لها وما عليها، وأمريكا ليست استثناءً.

إن «الصورة الذهنية» لأمريكا المحفورة في عقلية الناس في بلادنا؛ هي تلك الدولة التي تعمل على إثارة الفتن وإشعال النزاعات المسلحة في العالَم، إنها الدولة التي تنهب ثروات الدول الأخرى، وتمتص دماء شعوبها. ولأن «الصورة الذهنية» لأمريكا في أذهان الكثير منا مؤسسة على الإيمان بنظرية المؤامرة، ومستندة إلى خطاب إعلامي مضلل، ورؤية سياسية زائفة، وقائمة على أساس «العنتريات التي ما قتلت ذبابة» على حد تعبير «نزار قباني».

لذلك كانت أمريكا – وما زالت - هي «الشيطان الأعظم» في تصور قطاعات كبيرة من الشعب العربي، سواء أكانوا من العامة أم من المثقفين. غير أنني أرى أن أمريكا ليست هى «الشيطان الأعظم»، ولكنني على يقين في الوقت ذاته بأنها «ليست الملاك الطاهر».

في ملتي واعتقادي أن «الشيطان الأعظم» هو كل فاسد يفرط في حق بلاده من أجل تحقيق مصالحه الشخصية، «الشيطان الأعظم» هو كل من يروج لخطاب ديني ضال ومضلل، وهو كل من يدافع عن التراث الديني بغية ترسيخ التخلف العقلي، والترويج للخرافات والخزعبلات، ومساندة الفسدة.

إن تحالف الفاسدين مع رجال الدين الكسبة، هو «الشيطان الأعظم». لكن هذا لا يبريء ساحة أمريكا من الخطايا والآثام، كما لا يبرئها مما ارتكبت من جرائم يندِي لها الجبين:

أولاً: الولايات المتحدة الأمريكية قامت في الأساس على جريمة إبادة السكان الأصليين في القارة الأمريكية.
ثانيًا : دعمها المطلق لإسرائيل، واستخدامها حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور أية قرارات تدين إسرائيل.

ثالثاً: استخدامها القنابل الذرية في ضرب اليابان.

رابعًا: يزعم أنصار أمريكا أن الواجب يقتضي ألا نلوم القوي على استخدام قوته، ووإنما نلوم الضعيف على قبوله ورضاءه أن يظل ضعيفًا. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تقوم أمريكا والغرب كله معًا، بل والإنسانية جمعاء، بتوجيه اللوم إلى ألمانيا النازية التي أفرطت في استخدام القوة، واحتلت عددًا كبيرًا من الدول (أمريكا احتلت العراق باستخدام القوة المفرطة). ولماذا لم يتم توجيه اللوم إلى الأمم المستضعفة مثل بولندا وسائر دول القارة الأوربية التي احتلتها ألمانيا بسهولة ويسر بما فيها فرنسا؟

خامسًا: إن زعم أنصار أمريكا بأن الولايات المتحدة «تحرس» طرق التجارة الدولية، بهدف حماية الأمن والسلم العالميين، لا بغرض «السيطرة» و«الهيمنة»، إنما ينطوي على مغالطة!! .. إذا كانت أمريكا «تحرس» فمن يا ترى نصبها للقيام بهذه المهمة؟! وعلى أي أساس أعطت لنفسها هذا الحق. إن أي «فتوة» في أية منطقة أو حارة، حين يفرض نفوذه على الجميع بقوته البدنية، يدعي أنه «يحرس» مصالحه ومصالح أهل الحارة. ويستاء ممن يصفه بأنه «بلطجي». أليس هذا ما تفعله أمريكا مع كل دول العالَم .. «البلطجة» !!

إذا كان هذا ليس «عدوانًا» فماذا يسمى؟

زعمت الولايات المتحدة أن العراق يمتلك أسلحة نووية، فضربته ضربة راح ضحيتها عشرات الآلاف من البشر الأبرياء، واحتلت العراق. في حين اتضح بعد ذلك أن ما زعمته الولايات المتحدة كان محض هراء. في حين أن دولة «كوريا الشمالية» تعلن ليل نهار أنها تملك أسلحة نووية، وأسلحة دمار شامل، وتقوم بتجريب صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تًطال المدن الأمريكية، ومع ذلك تقف أمريكا مكتوفة الأيدي بإزاء كوريا الشمالية، بل إن رئيس أمريكا «ترامب» ذهب صاغرًا لزيارة ذلك الصبي الأحمق رئيس جمهورية كوريا الشمالية!! أين حرص أمريكا على «حراسة مصالحها، وأين أساطيلها التي تمخر عباب معظم بحار العالَم ومحيطاته قادرة على ضرب أي هدف، في أي مكان، وفي أي وقت».

أمريكا إذن مجرد «فتوة» يستقوى على الضعيف، أما إذا ظهر أمامه في «الحارة» «فتوة» أقوى، فإنه يجبن ويتخاذل بإزائه. إذن المسألة منحصرة في «البلطجة» وليس «الحراسة»!!