دون مزايدة بدماء شهداء الحادث ودون تصفية حسابات سياسية الحرب على الإهمال قبل التطوير والتحديث
بقلم – غالى محمد
الإهمال أكثر خطورة من الإرهاب
لن أصرخ، لأن الصراخ ليس له صدى، لن أبكى لأن دموع البشر لن تؤثر، ولكن يكفى أن السماء تبكى وترحم من ماتوا شهداء فى حادث القطار الأخير وكل حادث من قبله.
السماء تبكي، والأرض تسجل، والملائكة تكتب لكل من أهمل وفرط وتربح وسرق، وباع هذا الشعب الطيب غدراً فى حادث هنا وإهمال هناك.
الملائكة تكتب عن اليمين عمن صان هذا الوطن بدمائه، وتكتب عن الشمال لكل من تربص وتآمر على مصر المحروسة.
الملائكة تكتب وتكتب لكل من شهد ورأى وعرف أن سكك حديد مصر فى حاجة إلى تطوير منذ عشرات السنين ولم يفعل.
التاريخ كتب وسيكتب بدم شهداء حوادث قطارات السكك الحديدية أن من حكموا هذا البلد على مدار العقود الماضية قد فرطوا فى حق هذا الوطن، قد فرطوا فى تطوير السكك الحديدية، بينما طورت معظم دول العالم بما فى ذلك معظم الدول الإفريقية مرافق السكك الحديدية.
نقول كل دول العالم طورت ومع ذلك، وقعت حوادث ببعضها، لكن ما هى نسبة هذه الحوادث، أقول ذلك ردا على من يخلطون الأوراق وينسون من مكاتبهم المكيفة وسياراتهم الفاخرة دماء ومآسى شهداء حادث قطار الإسكندرية الأخير، ويقولون إن هذا الحادث شىء عادى مثلما يحدث فى كل دول العالم.
إلى هذا الحد ذلك الكلام الرخيص، لكن الكلام الغالى الذى نقوله حتى تسجله ملائكة اليمين، ولماذا لا نتشبه بما يحدث فى كل دول العالم فى مختلف المجالات؟... لماذا اخترنا المقارنة فقط فى حوادث القطارات.
السماء تبكى على دماء شهداء هذا الحادث، الذى استغله البعض لطمس الحقيقة المؤلمة القاتلة، الحقيقة التى تنحصر فى وحش الإهمال الذى استشرى بيننا وفى معظم مرافق الدولة منذ سنوات طويلة، فهو ليس اهمال اليوم، بل إهمال السنين الإهمال العميق الذى ينكسر أمامه أى قانون ويضيع تحت أقدامه أى حساب خاصة للكبار.
السماء تبكى، لأن هناك من استغل دماء شهداء هذا الحادث ومآسى المصابين للمزايدة السياسية وتصفية الحسابات، ليس من دافع الحرص على الوطن ولكن دون قراءة جيدة للمشهد الذى ينبغى التوقف عنده، ألا وهو إعلان الحرب على الإهمال مثلما هناك حرب على الإرهاب.
السماء تبكى، لأن من يزايد ليس على مستوى الحدث، بل سارع للثأر الشخصى من الرئيس السيسى ليحاسبه على الإهمال الذى توحش فى عشرات السنين الماضية فى مرفق السكك الحديدية، دون أن يطرح هؤلاء الحل.
ولا يعنى رفضى لتلك المزايدة التى تنطوى على الثأر الشخصى دون حرمة لدماء شهداء الحادث وقبل أن توارى أجسادهم الطاهرة التراب، ألا أطالب الرئيس السيسى بإعلان الحرب على الإهمال كما الحرب على الإرهاب، ولن أغالى أن أطالبه بتشكيل مجلس أعلى لمواجهة الإهمال مثل المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب.
أطالبه، أن يعلن حالة من الاستنفار العام للحرب على الإهمال مثلما هناك إعلان لحالة الطوارئ.
أطالبه أن تشمل حالة الاستنفار لإعلان الحرب على الإهمال، الحرب بسلاح القانون والحساب بسيف الحق، لا حصانة لأحد، لا وزير ولا مسئول كبير أو صغير أطالب النائب العام ألا يعفى وزير النقل الحالى هشام عرفات، مع سماع أقواله فى الحادث خاصة أنه عقب الحادث أعلن أنه طالما أن هناك عنصرا بشريا فسوف تستمر حوادث القطارات، كما أن ٩٠٪ من قضبان السكك الحديدية تحتاج إلى تغيير، فليسأله النائب العام ماذا فعلت وأنت وزير للقضاء على ذلك، سيادة الوزير ما أسهل التشخيص، ولكن أين الفعل؟ وسؤاله عن آلياته فى متابعة العمل فى أدق تفاصيل مرفق السكك الحديدية.
أقول ذلك دون مزايدة لأن حق هذا الوطن فى مواجهة الإهمال لا يكفيه تنفيذ عدد من المشروعات القومية التى اخش أن يلحقها هى الأخرى الإهمال مستقبلا.
لا أزايد إذا قلت للرئيس السيسى أن يكون مشروعه القومى هو إعلان الحرب على الإهمال، وليكن ذلك مشروعه الأول فى الانتخابات الرئاسية القادمة.
سيدى الرئيس لن أزايد، إذا قلت إن الوطن الذى تقوده لن ينتظر المزيد من توحش الإهمال فى كافة المواقع المدنية فى الدولة.
أطالبه أن تضع كافة الأجهزة الرقابية ضمن أهدافها مواجهة الإهمال المتوحش لإعلان الحرب على الفساد المالى.
وبهذه المناسبة، فإننى على استعداد لتحمل أية مسئولية قانونية، حين أتحدث عن الفساد الذى عشش فى السكك الحديدية طوال السنوات الماضية، وكان هناك من يتربح ويحصل على العمولات فى استيراد الجرارات وعربات وقطع الغيار.
وأتهم وزراء سابقين فى هذا الأمر، ومسئولين بهئية السكك الحديدية.
أعرف أن بعضهم قد توفى، لكن واقع الحال أن الفساد فى مرفق السكك الحديدية كان أحد معاول الهدم لهذا المرفق.
وأعرف أن هناك رجال أعمال تربحوا من هذا المرفق فى توريد الجرارات والعربات وقطع الغيار.
وأذكر على سبيل المثال مجدى راسخ الذى كان يعمل وكيلا للشركات الصينية فى عصر مبارك، عندما حاول استيراد جرارات وعربات صينية، وضغط وضغط، لكن الصراعات بين الحيتان من وكلاء الشركات العالمية التى تستورد الجرارات والقطارات من شركات أوروبية وأمريكية منعت ذلك بسبب الفساد والعمولات، أيها السادة اعلموا أن الفساد يجب ألا يسقط بالتقادم.
لكن هذا لا يمنع أن عمليات استيراد الجرارات وعربات السكك الحديدية وقطع الغيار كانت تفتقد الشفافية، وغيرها من أنشطة السكك الحديدية.
وهذا يجعلنى أتوجه بسؤال إلى اللواء محمد عرفان رئيس هيئة الرقابة الإدارية... لماذا لم نسمع عن ضبط أية قضية فساد داخل مرفق السكك الحديدية، وكأنه مرفق يتسم بالطهر والعفاف؟ وأسأل أيضا عن التحديات الحاكمة فى اختيار قيادات هذا المرفق والمتابعة الدائمة لهم.
وأسأل عن ملاحظات وطلبات السيد وزير النقل الحالى من الرقابة الإدارية عما يدور فى مرفق السكك الحديدية.
لا يعنى هذا أن أدعو إلى تدمير هذا المرفق، ولكن أدعو إلى وضعه فى دائرة الانضباط.
كل هذا ليس إلا بدافع الصالح العام .
أعود وأقول لا للمزايدة وتصفية الحسابات بدم شهداء هذا الحادث.
ولا إقحام المشروعات القومية التى تنفذها الدولة فى دائرة تصفية الحسابات. فهناك من تحدث من النخبة عن ضرورة وقف مشروع العاصمة الإدارية الجديدة والتوقف عن تنفيذ الطرق الجديدة والأنفاق.
نقول إن هذا مرفوض، بل مزايدة لا مجال لها على الإطلاق فقد انطلقت هذه المشروعات التى سوف تكون إضافة قومية لهذا الوطن، لكن بعيدا عن المزايدة أطالب الرئيس ومعه حكومته برئاسة المهندس شريف إسماعيل أن يوقف عقارب الساعة ويشكل خلية عمل لإعداد مشروع عاجل لإنقاذ مرفق السكك الحديدية وتطويره وتحديثه وأن يتابعه شخصيا مثلما يفعل ذلك مع بقية المشروعات القومية. وعندما يفعل الرئيس ذلك، فسوف يسجل التاريخ بحروف من نور أن الرئيس السيسى قد تبنى أكبر مشروع لتحديث وتطوير السكك الحديدية، شريطة التشغيل الاقتصادى لهذا المرفق، وهنا أحذر من سوء فهم ما قاله الرئيس السيسى من وضع الفلوس فى البنك بدلا من تطوير السكك الحديدية، ولكن كلام الرئيس انصب على التطوير والتحديث شريطة التشغيل الاقتصادى.
وهذا آمن مشروع حفاظا على مكتسبات هذا الشعب إذا كنا نريد مرفقا يليق به، مثلما هو فى كل دول العالم، بعيدا عن المزايدة بدم شهداء هذا الحادث الأليم.
هذا الحادث ومن قبله كل حوادث القطارات فى مصر توضح أن الفقراء والغلابة وأبناء الطبقة المتوسطة دائما هم ضحية هذه الحوادث، وأذكر فى ذلك بحادث قطار العياط وغيره من الحوادث.
ولذا عندما يكون تحديث وتطوير مرفق السكك الحديدية مشروعا قوميا، فسوف يكون ذلك فى صالح هؤلاء أغلبية الشعب المصرى الذين ينشغل بهم الرئيس دائما.
لكن قبل هذا حتى لا نختزل التطوير والتحديث فى الجرارات والعربات والإشارات، فلا بديل عن تطوير وتحديث العنصر البشرى.
وقبل كل هذا إعلان الحرب على الإهمال بسلاح القانون وسيف الحساب وإعلان الحرب على الفساد.
وأعتقد أن أية إدارة اقتصادية لمرفق السكك الحديدية، سوف تشجع الكثيرين من البنوك وغيرها من قطاعات الدولة على توفير التمويل العاجل لعملية التطوير، دون أن يطالب أحد الرئيس بوقف العمل فى العاصمة الإدارية الجديدة وغيره من المشروعات القومية.
مرة أخرى أقول، لن أصرخ، لن أبكى، لن أزايد، ولكننى أكتب، وأقول راعوا حرمة دماء الشهداء لا تزايدوا بها من أجل تصفية الحسابات، ولكن اطرحوا ما يفيد هذا الوطن.
ما يفيد هذا الوطن وشعبه إعلان الحرب على الإهمال بسلاح القانون وسيف الحساب الوطني.
ليس هناك وقت، حتى لا تتدفق دماء الشهداء فى حوادث أخرى، وحتى لا تنهار تحت الحكايات الإنسانية المرعبة، التى وقعت فى هذا الحادث.
ليس هناك وقت، فالمزايدة لن تفيد، والتاريخ لن يرحم، والشعب من قبل ومن بعد لن يظل فى دائرة الغضب المكتوم، أن تثبيت الدولة بمواجهة الإرهاب لا يكفى وحده، ولكن لابد من تثبيت الدولة أيضا بإعلان الحرب على الإهمال.
إنها الحرب على الإهمال فهل نبدأ فوراً، أم أن الإهمال سوف يقهر إرادة هذا الوطن، كما حدث خلال السنوات الماضية ولا يزال.
تيقنوا أن بكاء السماء لن يرحم.