رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الإخوان.. دعواتٌ للمُصَالحَة أم تمهيدٌ للانقلاب على الدولة؟

24-1-2023 | 18:59


د. شريف درويش اللبان

د. شريف درويش اللبان

بين الحين والآخر يُطلق البعض دعوات المصالحة مع جماعة «الإخوان» الإرهابية متجاهلين كل حقائق التاريخ البعيد والقريب والمعاصر، ويعتقدون أن المياه لا تجري في البحر مرتيْن وأن إخوان اليوم غير إخوان الأمس؛ فالتاريخ يقول إنه بعد قيام الجماعة باغتيال محمود فهمي النقراشي (باشا) رئيس الوزراء مصر والقاضي أحمد الخازندار في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، حدث نوعٌ من المصالحة بين الإخوان وعبد الناصر وقادة ثورة 1952، وأصبح لهم صوتٌ مسموع لدى مجلس قيادة الثورة، وظنوا أنهم قادرون على أن يفرضوا على قادة الجيش الثائرين رؤاهم وسياساتهم في التعامل مع الأمور، وعندما تصدى لهم عبد الناصر، فما كان منهم إلا أن انقلبوا عليه وحاولوا اغتياله في حادث المنشية بالإسكندرية عام 1954 للتخلص منه والوصول إلى قمة هرم السلطة في البلاد.

وبعد هذا الحادث، تم القبض على مئات الإخوان، إلا أن عبد الناصر خفف قبضته عليهم مرةً أخرى عسى أن ينصلح حالهم، فما كان منهم إلا أن خططوا لإسقاط الدولة من خلال مخطط رسمه سيد قطب بُغية الاستيلاء على السلطة وإبعاد عبد الناصر ورفاقه من قادة ثورة يوليو من على قمتها، وهو ما أدى إلى الزج بعدد كبير منهم في السجون والمعتقلات جراء ما ارتكبته أيديهم، وهو ما تسبب في الخصومة التاريخية بين الإخوان وناصر.

وعندما تولى الرئيس الراحل أنور السادات رئاسة البلاد، ومع علمه بكل التاريخ الأسود للإخوان إلا أنه كان يواجه أوقاتًا صعبة وعصيبة مع اليساريين والناصريين في النقابات العمالية والجامعات؛ فتصالح مع الإخوان وأخرجهم من السجون ليتصدوا لمعارضيه باسم الدين، فما كان منهم إلا أن أمرهم قد استفحل، وقاموا بتفريخ تنظيمات أخرى متطرفة، وتم اغتيال الشيخ الذهبي، بل انتهى الأمر باغتيال السادات نفسه الذي تصالح معهم ومنحهم فرصة لم يكونوا يحلمون بها بالخروج إلى النور والعمل العام، فكان انقلابهم عليه واغتياله هو رد الجميل.

ولم يحصل الإخوان على مكاسب مثلما حصلوا عليها في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، فقد استولوا على النقابات وأنشأوا المستشفيات والمستوصفات ليستقطبوا عامة المصريين ليوم قد يحتاجون فيه إليهم لكي يصلوا إلى سُدة الحكم، ودخلوا مجلس الشعب مرة تحت عباءة حزب العمل ومرة تحت عباءة الوفد ومرة ثالثة كمستقلين عام 2005، وهى المرة التي حصلوا فيها على أكبر عدد مقاعد في البرلمان في تاريخهم حتى ذلك الحين، ولم يكونوا يمانعون مع كل هذه الامتيازات التي سمح لهم مبارك بها في أن يورث مبارك الحكم لابنه جمال، ورغم ذلك كله فإنهم انقلبوا على مبارك عندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011، وخاصةً عندما أيقنوا بسقوط نظامه يوم جمعة الغضب، حيث أعلن مكتب الإرشاد الانضمام إلى الثورة واللحاق بها بعدما أعرضوا عنها وسفّهوا الدعوة إليها.

وعندما تصالح ثوار يناير مع الإخوان وقبلوهم كفصيل وطني وسمحوا لهم بالانضمام إليهم في ميدان التحرير، فما كان من الإخوان إلا أن انقلبوا عليهم وباعوهم على مائدة المفاوضات مع اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية وقتها مقابل أن يكون لهم حزبٌ سياسي واعتراف الدولة بهم وعدم ملاحقة محمد مرسي ورفاقه الذين فروا من سجن وادي النطرون، بل إن مرسي نفسه جلس على مائدة المفاوضات مع اللواء عمر سليمان ممثلاً لجماعة الإخوان، واستمر الإخوان في خِسَتهم ونذالتهم ومضوا في تأسيس حزبهم السياسي، وسحبوا الشرعية من الثوار بعد حصولهم على الأغلبية في الانتخابات لتصبح "الشرعية للبرلمان وليست للميدان". ولم يكتفِ الإخوان بخيانة الثوار بل أراقوا دماء الثوار بدمٍ بارد على أسوار قصر الاتحادية ومرسي يقبع في مَكْمَنِه داخله، رغم أنهم كانوا شركاء الثورة بالأمس القريب؛ الثورة التي امتطوها ليصعدوا إلى قمة السلطة في مصر..!.

وعقب ثورة يناير وتولي "المجلس العسكري" بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع الأسبق (رحمه الله) إدارة المرحلة الانتقالية أعاد الإخوان الكَرَة مرةً أخرى، حيث كان الإخوان يتقربون من المجلس العسكري ويحرصون على التفاهم معه في كل صغيرة وكبيرة في تفاصيل المرحلة الانتقالية، وتجسّد ذلك بجلاء في هتاف الإخوان للمجلس العسكري وللمشير طنطاوي في ميدان التحرير "يا مشير .. انت الأمير"، ثم سرعان ما انقلب الإخوان على المشير والمجلس العسكري بل والقوات المسلحة برمتها عندما بدأوا يهتفون ضدها "يسقط .. يسقط .. حكم العسكر"، لكي يُسرعوا الخُطى بالمرحلة الانتقالية ليستولوا على السلطة، غير آبهين بأنه لولا القوات المسلحة لسقطت البلاد في براثن الفوضى والانفلات مثلما حدث في دولٍ عربية أخرى. 

والآن يحاول الإخوان العودة إلى المشهد السياسي مرةً أخرى بضغطٍ من قوى دولية وإقليمية من خلال ابتزاز مصر في أزمتها الاقتصادية، إلا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يقف لهم بالمرصاد، لأنه يعلم جيدًا أن ما لفظه الشعب المصري في 30 يونيو 2013، لم يكن ليقبله قبيل حلول الذكرى الثانية عشرة لثورة 25 يناير.

ورغم الدعوات الظاهرة على السطح للمصالحة، إلا أنه لا يخفى على الأجهزة السيادية تلك المحاولات التي تتم من وراء ستار للتنسيق مع فلول نظام مبارك لتحريك الشارع في محاولة يائسة للوصول إلى الحكم وتقاسم السلطة مع النظام البائد.

إن انقلاب الإخوان على الشعب والجيش والثوار له تاريخٌ طويل .. كما أن حنثها بالوعود ونكوصها على تعهداتها، ونقض مصالحاتها مسألةٌ تجري منهم مجرى الدم .. فلا تأمنوا لدعوات المصالحة الخبيثة التي تنطلق بين الحين والآخر، فما هى إلا محاولة لإعادة تمكين الإخوان تارةً أخرى.