رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الطريق إلى توت عنخ آمون 12.. رسالة وتنازل

26-1-2023 | 17:45


د. محمد أبو الفتوح,

أيقن كارتر أنه لن يخرج بشيء من آثار المقبرة، وأن هذا الصراع الدائر بينه وبين مصلحة الآثار المصرية، لن يأتي إلا على أعصابه، وهو ما حدث بالفعل فقد انهارت أعصابه، ونصحه أصدقائه من علماء الآثار الإنجليز والأمريكيين بقبول دعوة لإلقاء محاضرات في الولايات المتحدة؛ حتى يكون بعيداً عن هذه الأجواء المشحونة بالتوتر والتي لها نتائج عكسية على أعصابه وعمله فقبل هذه الدعوة

وفي أمريكا، قابل كارتر الرئيس الامريكي "كالفن كوليدج" في البيت الأبيض مرتين، وألقى عدة محاضرات في الولايات المتحدة عن المقبرة. وأكَّد كارتر لكل من يسأله أنه لا يشك إطلاقاً في عودته إليها، ولكنه لا يستطيع أن يحدد الموعد بالضبط.

وفي مصر، استمرت المفاوضات بين رجال متحف المتروبوليتان وبين مرقص حنَّا باشا وزير الأشغال حول السماح لكارتر باستئناف العمل، فيطلب الوزير من كارتر تعهداً بحسن السير والسلوك في المستقبل. ويجد رجال المتحف أن هذا الاعتراف يعني ضمنياً أن كارتر لم يكن حسن السير والسلوك.

ورغم ذلك يظل كارتر عنيداً، فيؤلف كتيباً صغيراً عنوانه "مقبرة توت عنخ آمون.. بيان بالمستندات عن الأحداث التي وقعت في مصر شتاء 23-24 وأدت إلى الخلاف مع الحكومة".

ولكن كبار المسئولين في المتروبوليتان يقنعون كارتر بالعدول عن توزيعه لأنه سيؤدي إلى خلاف معهم، فهو سيذيع كل اتصالاته بالمتحف ومناوراته ومؤامراته معهم، كما أن هذا الكتيب سيجعل القطيعة نهائية مع حكومة مصر.

وافق كارتر وأوقف طبع الكتاب، وأقنعوه بأنه إذا أراد العودة إلى مصر فليس أمامه إلا التنازل عن نصف الآثار.

بعد رحلته إلى الولايات المتحدة، عاد كارتر إلى إنجلترا مهزوماً مكتئباً يملؤوه الشعور بالمرارة.

وفي هذا التوقيت تلقى رسالة من رئيس عماله في الأقصر أحمد جرجار كتبت بلغة انجليزية بسيطة حملت تمنيات بالصحة من العمال والخفراء.

وكان للرسالة تاثير بالغ على كارتر، ونشرها في الجزء الأول من كتابه عن المقبرة، تقول الرسالة:

"السيد المحترم هوارد كارتر، اكتب إليك هذا الخطاب راجياً من الله أن تكون بصحة جيدة، وأسال العناية الإلهية أن تحفظك وتعيدك سالماً إلينا".

وأتشرف بإبلاغ سعادتكم أن المستودع رقم 15 على ما يرام، وأن المستودع الشمالي على ما يرام كذلك، وأن الوادي والبيت بخير، وأن جميع أوامركم تمَّ تنفيذها طبقاً لتعليماتكم الكريمة. والريس حسين وجاد حسن، وحسن عوض عبد الله أحمد، وجميع خفراء البيت يلتمسون إرسال أطيب تحياتهم. مع احترامي إلى ذاتكم الكريمة وشوقنا لحضوركم السريع، خادمكم المطيع الريس أحمد جرجار".

أثارت هذه الرسالة شجون كارتر وحنينه إلى المكان والعمل في وادي الملوك، الذي أحبه، والعمال الذين شاركوه صناعة تاريخه ومجده، وإلى الفرعون الصغير الذي عثر على قبره.

وكانت هذه الرسالة هي القشَّة التي قصمت ظهر البعير، وجعلته يكتب خطاب التنازل عن حقه في المطالبة بآثار من المقبرة بلا قيد ولا شرط وبعث به إلى "لاكو" مدير مصلحة الآثار، قال فيها:

"أنا الموقِّع أدناه هوارد كارتر أقرُّ بصفة نهائية التنازل عن كل مطالبة أو ادّعاء من أي نوع بالنسبة لمقبرة توت عنخ آمون والأشياء التي وجدت بها، وأوافق على قرار حكومة مصر بإلغاء الترخيص والنتائج التي ترتبت عليه، وأعلن سحب كل الأعمال والقضايا ".

وطلب بعد ذلك من الأوصياء على تركة اللورد كارنارفون التنازل عن حقهم في نصف الآثار، فوافقت أرملة اللورد على التنازل.

وأرسلت رسالة التنازل إلى مرقص حنَّا باشا وزير الأشغال في 23 سبتمبر عام 1924م.

وأصبح أمل كارتر الوحيد أن يُسمح له بدخول المقبرة وترميم آثارها، ونقلها إلى القاهرة، وأيدته في ذلك السيدة "ألمينا"، التي أرسلت برسالة إلى سعد زغلول باشا رئيس وزراء مصر موجهة إلى مرقص حنَّا باشا وزير الأشغال تقترح فيها السماح لهوارد كارتر بمواصلة وإنهاء العمل الذي بدأه بنجاح تحت إشراف مصلحة الآثار، وعندما يتم ذلك تحصل دائرة اللورد كارنارفون على تعويض مالي منصف مقابل المبالغ المالية التي أنفقها اللورد على حفائره في مصر، والتي بلغت خمسة وأربعين ألف جنيه إسترليني.

يعقب ذلك استقالة سعد زغلول باشا من وزارة مصر وتتوقف المفاوضات حول هذا الموضوع.