رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


توقعات باستعادة الجنيه إلى عرشه هل يستفيد المواطن من تراجع الدولار

19-8-2017 | 15:46


 

بقلم – عزت بدوى

ماذا بعد نجاح قرار تعويم الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية فى تحقيق أهدافه و القضاء على السوق السوداء للعملة واستعادة الجهاز المصرفى سيطرته على سوق الصرف من جديد؟

وهل آن الأوان لتراجع أسعار الدولار أمام الجنيه المصرى من جديد بعدما أفقده نحو ١٤٠٪ من قيمته على مدى الشهور التسعة الماضية؟! وما هى حدود هذا التراجع ومتى تبدأ ، الأهم من كل ذلك ما الذى سيعود على المواطن المصرى من تراجع أسعار الدولار فى الأسواق بعدما اكتوى بنار ارتفاع أسعاره فى الفترة الماضية؟!

 

 

أسئلة كثيرة تتردد الآن وبقوة ليس بين أوساط المتخصصين والاقتصاديين فحسب بل وبين البسطاء من المواطنين بعدما أصبح الدولار وسعره هو المحرك الرئيسى لأى زيادة تحدث فى أسعار السلع أو الخدمات بداية من حزمة الفجل والجرجير إلى لبن الأطفال وأدوية المرضى فى الصيدليات.

كافة المؤشرات الاقتصادية تؤكد أن قرار التعويم رغم قسوته إلا أنه بدأ يحقق أهدافه فى القضاء على السوق السوداء للعملة التى كانت قد أحكمت سيطرتها وسطوتها على سوق الصرف وسحبت البساط من تحت أقدام الجهاز المصرفى بل وقادت تحويلات المصريين فى الخارج إلى خارج القنوات الشرعية بالجهاز المصرفى لتحرم البلاد من مورد هام من مواردها للنقد الأجنبى بعدما وصلت حصيلة هذه التحويلات فى العام الأخير إلى أكثر من ٢٢ مليار دولار كانت لسد جزء كبير من واردات البلاد من الخارج سواء من السلع الأساسية والاستراتيجية أو خامات ومستلزمات المصانع خاصة بعدما تصاعد حجم واردات مصر من الخارج فى عام ٢٠١٦ إلى أكثر من ٧٠ مليار دولار أمريكى وهو الأمر الذى دفع البنك المركزى المصرى إلى استنزاف جانب كبير من احتياطياته من العملات الأجنبية لمواجهة مضاربات السوق السوداء للعمة لتتراجع إلى ١٦.٤ مليار دولار فقط قبل صدور قرار التعويم وهو ما لا يغطى واردات البلاد سوى لثلاثة أشهر فقط.

والآن وبعد استعادة القنوات الشرعية المتمثلة فى الجهاز المصرفى سيطرتها على سوق الصرف للعملات الأجنبية وأصبحت آلية العرض والطلب هى التى تحدد سعر صرف كافة العملات أمام الجنيه المصرى دون أى تدخل من جانب البنك المركزى الأمر الذى مكن البنوك من توفير نحو ١٠٠ مليار دولار أمريكى لعمليات التجارة الخارجية منذ تحرير أسعار الصرف وحتى نهاية يوليو الماضى وقضى تماماً على كافة الطلبات المعلقة للمستوردين فى الموانئ والتى كانت قد سجلت نحو ٧٠٠ مليون دولار قبل تعويم الجنيه المصرى كما تمكنت البنوك من تلبية كافة عمليات التجارة الخارجية سواء من سداد الاعتمادات المستندية أو فتح اعتمادات مستندية جديدة للاستيراد من الخارج والتى بلغت جملتها منذ تحرير سعر الصرف حتى نهاية الشهر الماضى نحو ٤٧ مليار دولار بجانب توفير الدولار لكافة الطلبات المشروعة بداية من تلبية طلبات المستوردين من العملات المختلفة إلى تلبية طلبات المسافرين للخارج سواء للعلاج أو الحج أو العمرة وغيرها مع إلغاء كافة القيود على تحويلات العملات للخارج والتى كان قد فرضها البنك المركزى لمواجهة تراجع حصيلة موارد البلاد من النقد الأجنبى وهو الأمر الذى يؤكد أن قرار التعويم رغم قسوته إلا أنه حقق الهدف منه من وفرة العملات الصعبة داخل الجهاز المصرفى وتلبية كافة الطلبات على العملات دون تأخير أو قوائم انتظار.

والأهم من ذلك هو عودة الثقة لدى المستثمرين الأجانب فى الاقتصاد المصرى مما أدى إلى تدفق استثمارات أجنبية مباشرة منذ تحرير أسعار الصرف حتى نهاية يوليو الماضى بنحو ٨.٧ مليار دولار أمريكى.

ولم يكن استقرار سوق الصرف ووفرة الدولارات والتى تصل إلى عدم وجود طلب عليها لدى شركات الصرافة وتضطر إلى توريدها وبيعها بشكل يومى إلى البنوك حسبما يؤكد خبراء وأصحاب شركات الصرافة لم يكن ذلك هو المؤشر الإيجابى الوحيد إنما تزامن معه زيادة فى الصادرات بلغت ١٠٪ وتراجع فى الواردات من نحو ٣٤ إلى ٢٤ مليار دولار خلال ستة أشهر فقط الأمر الذى انعكس على تراجع العجز فى الميزان التجارى بنحو ٤٦٪ خلال نفس الفترة وتراجع أيضاً فى الميزان الجارى مع تراجع فى عجز الموازنة العامة وزيادة فى حصيلة السياحة ومعدل النمو وجميعها مؤشرات تبعث على التفاؤل لكن هل هذه المؤشرات الإيجابية ستنعكس على أسعار الدولار مقابل الجنيه المصرى فى المرحلة القادمة وما الذى سيعود على المواطن من وراء ذلك ومتى يجنى المواطنون ثمار صبرهم وتحملهم للنار التى اكتووا بها من تعويم الجنيه المصرى؟

بالفعل سعر الدولار بدأ مرحلة الاستقرار فى مواجهة الجنيه المصرى منذ أكثر من شهرين بل وبدأ فى الانخفاض الطفيف على مدار الأسبوع الماضى ليتراوح ما بين ١٧ جنيهاً و ٧٥ قرشاً للشراء إلى ١٧ جنيها و ٨٥ قرشاً فى أعلى مستوى للبيع، لكن السعر وحده ليس هو الفيصل فى هذا الشأن أو المقياس والمؤشر الوحيد لتحقيق التحسن فى مستوى معيشة المواطنين فقد يتراجع السعر نتيجة عدم الإقبال على شراء الدولار من البنوك أو شركات الصرافة نتيجة عزوف المنتجين عن استيراد مستلزمات إنتاجهم خشية كساد إنتاجهم وعدم قدرتهم على تصريفه نتيجة ضعف القوة الشرائية للمواطنين وتدنى دخولهم كما قد يكون التراجع أيضاً نتيجة عدم الإقبال على إنشاء مصانع جديدة أو استيراد معدات وآلات إنتاجية نتيجة الأسباب السابقة أو الروتين والبيروقراطية فى منحهم تراخيص هذه المشروعات مما يحملهم تكاليف باهظة، وهو الأمر الذى يختلف تماماً عن تراجع أسعار الدولار نتيجة زيادة موارد البلاد من العملات الأجنبية وزيادة المعروض منها عن الطلب عليها نتيجة عودة التدفق السياحى على البلاد أو زيادة صادرات البلاد للخارج وفتح أسواق جديدة أمام المنتجات المصرية أو زيادة حصيلة إيرادات قناة السويس نتيجة عودة الرواج للتجارة العالمية وزيادة عدد السفن والحاويات العابرة للقناة وكذلك الأمر إذا جاء تراجع سعر الدولار أمام الجنيه المصرى نتيجة تراجع واردات البلاد من السلع الاستهلاكية لإحلال المنتجات الوطنية محل المستوردة من الخارج.

وفى ضوء المؤشرات الحالية وإذا استمرت وتيرة نجاحات برنامج الإصلاح الاقتصادى بنفس الزخم فى المرحلة القادمة فإن كافة التوقعات تؤكد تراجعا فى أسعار الدولار أمام الجنيه المصرى بنسب أشدها تفاؤلاً يصل إلى ١٤ جنيهاً للدولار حتى نهاية العام المالى الحالى ٢٠١٧/٢٠١٨ وأقل تفاؤلاً يتراوح ما بين ١٥ إلى ١٦ جنيهاً للدولار أيضاً حتى النصف الثانى من العام المالى الحالى، وتبنى هذه التوقعات على مجموعة من المؤشرات الإيجابية أولها دخول بعض المشروعات القومية الكبرى حيز الإنتاج مثل حقل” ظهر” للغاز فى نهاية عام ٢٠١٧ لتحقيق مصر الاكتفاء الذاتى من الغاز فى نهاية عام ٢٠١٨ ودخول المشروعات السمكية الكبرى حيز الإنتاج بجانب مشروعات الصوب الزراعية مما يزيد من الإنتاج ليحل محل الواردات وتصدير الفائض إن أمكن وهو ما يضرب عصفورين بحجر واحد خفض الواردات وزيادة حصيلة الصادرات بجانب بدأ العمل بقانون الاستثمار الجديد وما يحمله من تيسيرات للمستثمرين وحل مشكلاتهم الأمر الذى سيساهم فى زيادة الاستثمارات الأجنبية وتدفقها لمصر وإن كان البعض يعلق هذا الأمر بما يتم اتخاذه من خطوات صارمة لمواجهة البيروقراطية والروتين والفساد الإدارى والتى تعد السبب الرئيسى فى عرقلة مسيرة الاستثمار فى مصر حتى الآن وتتصدر المشهد عن قانون الاستثمار ذاته، وبجانب ذلك فإن الفترة القادمة ستشهد طفرة هائلة فى الاستثمارات فى محور قناة السويس وغيرها من المشروعات القومية الكبرى التى انتهت بالفعل بنيتها التشريعية والإدارية وبدأت مرحلة تسويقها على أعلى مستوى.

زيادة الاستثمارات وارتفاع الثقة فى الاقتصاد المصرى وزيادة الإنتاج هى الرهان الحقيقى على بدء جنى المصريين لبشائر نتائج برنامج الإصلاح الاقتصادى خلال النصف الثانى من عام ٢٠١٨ وإن كانت النتائج الحقيقية والفعلية التى يلمسها الجميع قد تتطلب عامين قادمين لدخول المشروعات الكبرى حيز الإنتاج وتراجع البطالة وتحسن مستوى معيشة المواطنين.

ولعل ابرز الثمار التى ستنعكس على حياة المواطن المصرى من أستعادة الجنيه المصرى جزءاً آمن عرشه المفقود أمام الدولار الأمريكى مع بدء تراجع الدولار أمام الجنيه المتوقع فى المرحلة القادمة هو فرملة الزيادات المتوالية فى أسعار السلع التى يصحوا عليها المواطنون كل صباح وذلك فى أضعف الإيمان وإن كان المتوقع والمستهدف هو بدء تحسن طفيف كمرحلة أولى فى معيشة المواطنين نتيجة دخول استثمارات جديدة وإيجاد مخرج لمشكلة المشروعات العامة والخاصة المتعثرة لعودة النشاط الفورى لها بالتالى زيادة الأنتاج المحلى من جهة وتراجع الأسعار وتشغيل المصانع كامل طاقتها الأنتاجية وعودة العاملين بها لمواقعهم ما يزيد عن دخولهم وبالتالى زيادة الاستهلاك، ودوران عجلة الإستثمار.

الاستفادة الحقيقية للمواطنين من تراجع أسعار الدولار أمام الجنيه المصرى والذى يشعر بها الجميع فى المجتمع ستحدث حينما يكون التراجع نتيجة زيادة الإيرادات الدولارية من السياحة والصادرات وتراجع الواردات الناتجة عن زيادة الإنتاج والسيطرة على أحتكارات السلع والتجار والتى متوقع لها إن تبدأ بشكل واضح وملموس خلال عامين وأن كانت بشائرها فى النصف الثانى عام ٢٠١٨.