«لا يصح أن نقول إن العالم لا معقول بل يجب أن نقول إنه مناف للعقل» عبارة وردت في مسرحية «سوء تفاهم» للكاتب الفرنسي الجزائري ألبير كامو الحاصل على جائزة نوبل عام 1957م (ترجمة د. سامية أحمد أسعد) والمسرحية من ثلاثة فصول وتنتمي إلى مسرح اللا معقول.
كتب كامو المسرحية في شتاء 42 - 1943م، في شكل حادثة قرأ عنها البطل في قصاصة من ورق الجرائد، وتروى الحادثة التي تمت في تشيكوسلوفاكيا عن رجل غاب عن بلدته 25 سنة بحثاً عن الثراء، ثم عاد إلى بلدته حيث تدير أمه وأخته فندقا، ولكنهما لم تتعرفا عليه، وقتلتاه بغرض السرقة ثم اكتشفتا حقيقته بعد أن مات، تنتحر الأم وتواجه الأخت زوجته التي لحقت به بالحقيقة، ويدور بينهما حوار يعبر عن فلسفة المسرحية.
أضاف كامو شخصية خادم عجوز يتواجد في الفندق ولكنه لا يتكلم، وقصد به القدر كرمز مباشر، كما حرص على الحد من الطابع الفلسفي للمسرحية، ورغم اعترافه بأنها مسرحية قاتمة إلا أنها، في رأيه، ليست يائسة، وأنه كتبها في بلد محاصر ومحتل (الجزائر) وهو بعيد عن كل ما يحب، وكان غرضه أن شقاء البشر يتولد عن عدم اتخاذهم لغة بسيطة، فالبطل لم يبلغ أمه بأنه ابنها الغائب، وأراد أن يفاجئها بحقيقته في اليوم التالي لوصوله، ولكنها قتلته في المساء.
الخلاصة، مهما فعلنا ومهما صمتنا أو تكلمنا، فنحن في موقف المحكوم عليهم من القدر ولا بد من أن ينفذ القضاء.
المسرحية لم تعجب النقاد، وقد لاقت نجاحا فاترا في عرضها الأول، ولعل ذلك ما جعل كامو يغير موقفه تماما ويتحول إلى كاتب متفائل يدعو للإقبال على الحياة والاستمتاع بكل ما فيها من مباهج.
وفي مسرحياته اللاحقة نجده مناديا بحب الإنسانية وتضامن البشر ومدافعا عن القيم الإنسانية الإيجابية كالسعادة والعدل، ولذلك اعتبره بعض الكتاب كاتبا متفائلا، أحب الوجود والتحم بالعالم الحسي، فالسعادة في رأيه هي الحياة بجوار البحر والاستمتاع بالشمس والرمال والنور، كما في مسقط رأسه مدينة تيبازا التي تبعد حوالي سبعين كيلومترا عن مدينة الجزائر.
في المسرحية تحلم البطلة مارتا بمغادرة أوروبا، والعودة إلى مدينتها في الجزائر، ولكن المال يعوزها لتحقيق ذلك الحلم، فهي تقتل من أجل المال الذي سيجلب لها السعادة والحب والحياة حيث البحر وأشعة الشمس الساطعة، وهي تصف بلدها بنوستالجيا واضحة، الربيع هناك يمسك المرء من خناقه، الزهور تتفتح بالألف فوق الحوائط البيضاء وإذا ما تنزهت ساعة فوق التلال المحيطة بمدينتي، عدت وفي ملابسك رائحة عسل الورود الصفر، أما حيث تعيش في أوروبا إن ما نسميه ربيعا هنا وردة وبرعمان ينبتان في حديقة الدير.
لو كان ألبير كامو يعيش بيننا اليوم ويرى ما نمر به من أحداث تهدد البشرية هل كان سيشعر بالتفاؤل ويدعو للاستمتاع بالحياة؟!