رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الحب والدراما بعيون أسامة أنور عكاشة

10-2-2023 | 22:33


ماجدة موريس

ماجدة موريس

الحب جزء مهم من مفردات أسامة أنور عكاشة الدرامية والتي يكشف من خلالها عن الكثير من ملامح مجتمعنا المصرى بكل جوانبه، المكانية والإنسانية، والفكرية، وأيضا السلوكية

اهتم عكاشة بمعني الحب في كل أشكاله ودرجاته بنفس اهتمامه بالتعبير عن تنوعه وفقا للمكان والبيئة في طول مصر وعرضها|.

 

قدم أسامة أنور عكاشة طوال مسيرته المهمة ككاتب للدراما التليفزيونية الكثير من صور الحب، وبشكل هو الأقرب للواقع وليس للخيال، حب بين شابين قاوما ردود الافعال غير المريحة اجتماعيا حول ارتباطهما ولكنهما صمما وتزوجا، هذه القصة هي محور مسلسل مهم للكاتب الكبير أسامة انور عكاشة كتبها عام ١٩٨٦واخرجتها المخرجة القديرة أنعام محمد علي، وأثارت ضجة في حينها لأسباب عديدة، أولها اسم المسلسل نفسه "الحب وأشياء أخرى"، فقد اعتبر بعض النقاد والمشاهدين أن العنوان يجرد العمل من كثير من مفاجآته، وبالتالى استمتاع الجمهور به، كما أنه -لدى قطاع آخر من الجمهور -يطرح قضية عادية، ومتوقعة حول هذا النوع من الحب بين طرفين غير متكافئين، لكن آخرين وجدوا فيه تنبيها مهما للمجتمع فى زمن الانفتاح وصعود الأغنياء وتراجع قيم المساواة والعدالة بين الكل وفقا لقدراتهم الخاصة، ففي المسلسل أحب المدرس سامح "ممدوح عبد العليم" خريج معهد الموسيقي العالي الدكتورة عايدة "آثار الحكيم " وأحبته، وشعر كلاهما أنه وجد نصفه الثانى، ولكن الناس حولهما لم يروا هذا الحب، ولا شعروا به، وإنما شغلتهم الفروق بين سامح وعايدة، والتى بدأت تظهر فقط بعد إصرارهما علي الزواج، وهنا فى مواجهة مفردات الحياة الضرورية كالمأكل والملبس وكل ما يتعلق بما يدفعه الإنسان ليعيش بدأت الفروق تظهر بينهما، وتؤثر عليهما، وبدأ كل منهما يفكر لوحده ويسأل نفسه كيف لم يدرك أن الفروق سوف تؤثر علي حياتهما، استطاع الكاتب الكبير بشجاعة وبعد نظر أن يلقي بحجر في بركان كان يكبر ويغير من رومانسية قصص الحب في ذلك الوقت، ليعيد صياغتها وفقا لأحوال البلد في زمن الانفتاح والصعود الطبقى لفئات، والهبوط الكبير لفئات أخرى إلى دروب الفقر والاحتياج، وبعدها واصل أسامة أنور عكاشة كتابته عن الحب في أعماله التى لم يكن يخلو أى منها من علاقة حب فى أى بيئة أو مكان أو زمن، فقصص الحب جزء مهم من مفرداته الدرامية والتي يكشف من خلالها عن الكثير من ملامح هذا المجتمع، مجتمعنا المصرى بكل جوانبه، المكانية والإنسانية، والفكرية، وأيضا السلوكية، ففى "أرابيسك" للمخرج إسماعيل عبد الحافظ نكتشف معه قصص حب ذلك الصنايعى الماهر حسن أرابيسك، يختلط فيها عشقه للفن والمهنة مع عشقه للمرأة التى أحبها، مع عشق ثالث للمكان والأصحاب، وفي مسلسل "الراية البيضاء "للمخرج محمد فاضل يضعنا أسامة أنور عكاشة أمام أغرب قصة حب بين صحفية تدافع عن حقوق الناس دائما، وشاب فى بداية حياته المهنية "هشام سليم"يترك طموحه لاستكمال مسيرة والده المحامى لأجل مشاركتها، أى الصحفية أمل "سمية الألفى "التى أحبها، وشاركها فى الدفاع عن حق الدكتور مفيد أبو الغار "جميل راتب "فى قضاء بقية أيامه في فيلته القديمة المطلة علي بحر الإسكندرية فى مواجهة رغبة المعلمة فضة المعداوى "سناء جميل " بائعة السمك والتاجرة ذات النفوذ، في شراء الفيلا، وهدمها لبناء عمارة شاهقة، وهو ما يدفع الكثيرين إلى التفاعل مع حملة أمل الصحفية وتأييدها لكن، يظل حب هشام ودعمه لها هو الصخرة الأولى التى تدعمها وسط مؤامرات تتوالى عليها من أنصار المعلمة، وحتي من بعض زملاء المهنة، والحب هنا له لون مختلف يظهر في سلوك المحب كما يقدمه المؤلف، وكما يطوره من خلال الآخرين، سواء الدائرة التى تحيط بالصحفية المدافعة عن حقوق الناس وحق الدكتور عبدالله أبو الغار، أو الدائرة الأبعد التى تقرأ وتسمع وتدرك نوعية المتغيرات الحادثة فى المجتمع في تلك المرحلة "عرض المسلسل عام ١٩٨٨" وهو ما يؤدى بالتالى إلى زيادة الدعم للفكرة، ولأمل التي بدأت، ليصل بنا المسلسل إلى أعلى مراحل فكرة الحب، أى حب الوطن والدفاع عن حقوق مواطنيه في تلك النهاية العبقرية التى وضعها المؤلف ولا زالت واحدة من أهم نهايات الأعمال الفنية في تاريخ الدراما التليفزيونية، فإذا استطاع المال والنفوذ والفساد الوصول إلى الهدف، فلا يوجد سبيل إلا المواجهة مع الناس، وهو ما رأيناه فى المشهد الأخير حين وقف الرافضون للهدم أمام الفيلا وصنعوا سلسلة بأياديهم، وجلسوا على الأرض في مواجهة البلدوزرات التي حضرت لهدم الفيلا .

 

الحب ليس له موعد

 

من جانب آخر، فقد التفت أسامة عكاشة لمعنى الحب في كل أشكاله ودرجاته بنفس اهتمامه بالتعبير عن تنوعه وفقا للمكان والبيئة في طول مصر وعرضها، ومن هنا نراه يقدم حب الأم لأبنائها، وتضحياتها لأجلهم كنوع مهم من الحب، بل إنه يقدم أيضا حب الأم البديلة، وهي هنا العمة أو الخالة أو زوجة الأب في أعمال متعددة له لعل أهمها "ليالى الحلمية" الكبير الذى أخرجه إسماعيل عبد الحافظ، والذى ضم أسرا متشابكة، وعائلات ممتدة لكل منها قضيته الخاصة، لكننا نلمح بينها مثلا كيف تولت الست أنيسة "بأداء محسنة توفيق " تربية ابنة زوجها بكل ما تمتلكه من مشاعر ومحبة وكأنها ابنتها، وكيف عرفت "زهرة "الحب وحاولت حماية قصتها ضد الأب، العمدة سليمان غانم، وتنوعات المشاعر وأساليب التعبير عنها وفقا للاختلافات الكبيرة بين "فاتن" و"قمر السماحي" و"سماسم"، ونري أيضا في "الشهد والدموع " أول مسلسلات الأجزاء عند الكاتب قصة "زينب "التى تولت إعالة أبنائها وبناتها بعد موت الزوج وكيف قدم أسامة للمجتمع نموذجا مبكرا جدا لما نسميه الآن " المرأة المعيلة" التى تأخذها محبتها للزوج والأبناء وعزة نفسها إلى أن تقوم بعبء الأسرة وحدها وهو ما رأيناه في أعمال أخرى، مع شخصيات أخرى فيما بعد. 

 

زيزينيا والزمن الضائع

 

في مسلسل "أرابيسك "عام ١٩٩٤للمخرج جمال عبد الحميد تتناوب المشاعر بين الحب، والشك، والكره لأسباب يفسرها المؤلف تفسيرا يخص مجتمعا مغلقا، لا يعلن أفراده عن أفكارهم ولا مشاعرهم، وكل منهم يغلق أبوابه علي نفسه، بداية من البطل نفسه "صلاح السعدنى" في دور حسن النعمانى الذي يمتلك ورشة لصناعة فن "الأرابيسك " إلى زملاء العمل والأصدقاء والأسرة وهو ما يضعنا كمشاهدين تجاه حيرة حقيقية بين المشاعر التي نراها لدي البعض، وبين عدم الإعلان عنها، أو إخفائها في وجود الطرف الآخر، وعلى الجانب الآخر، نري حيرة الأم المحبة، أم حسن، وتوحيدة، وأنوار في فهم مشاعر الأبناء والرجال والعشاق، أما فى مسلسل "زيزينيا" تدور أحداثه في مدينة الإسكندرية. والذى أخرجه جمال عبد الحميد، فكل قصص الحب رأيناها عبر شخصياته التي عبرت عن كل سكان المدينة من أبناء البلد، واليونانيين، والطلاينة، في زمن سمح بهذا التنوع الإنساني وتفاعله في سبيكة تعبر عن محبة المكان والزمان والناس، وفي هذا العمل الذي رأينا منه جزئين "الولي والخواجة، والليل والفنار "ولم يتم إنتاج الجزء الثالث، يبدع أسامة عكاشة في تعبيره عن هذا التنوع الحضارى وما يحمله بداخله من تنوع إنسانى وقيمى وفكرى، وكيف يحاول كل تنوع الاقتراب من الآخر وفقا لقاعدة أولى هي الفضول، وقاعدة ثانية هي الحب أو الكره وصور الحب هنا تتنافس بشكل وأسلوب مدهش في إثارة أفكارنا قبل مشاعرنا كمشاهدين ما بين حب "وصيفة "الأم، وزوجة الأب تجاه "بشر عامر عبد الظاهر" ابن زوجها الراحل من زوجته الإيطالية والذى اعتبرته ابنها واعتبرها أمه، وبين "عايدة " وأمها ذات الأصل الإيطالى وزوج الأم والذى يحاول دائما ربطها بمصالحه. وأصدقائه وأهمهم، وعلى الجانب الثانى نري "نعيمة" التى تتحمل عبء أسرتها من خلال محل تركه زوجها الراحل وتعول منه ابنتها المراهقة ألفت وابنها حسن وفي الوقت نفسه تتحمل بمحبة دعم كل أولاد البلد المحتاجين للدعم، بمساعدة "الطوبجى" أحد رجال المقاومة ضد الإنجليز والذي يقيم الاجتماعات في المحل، بمحبة نعيمة التي تدرك جيدا أحوال البلد والحياة حولها، وتعرف خطوط الأمل بينها وبين أولاد البلد وبين أمثالهم من الطلاينة واليونانيين، وهو ما يضعنا في رؤية مختلفة لمعانى الحب التى يختلط فيها الخاص بالعام، والوطني بالإنسانى في صورة دقيقة وبديعة وقادرة علي تقديم معان كثيرة للحب، لقد قدم أسامة انور عكاشة طوال مسيرته المهمة ككاتب للدراما التليفزيونية الكثير من صور الحب، وبشكل هو الأقرب للواقع وليس للخيال، ومن خلال قصص وشخصيات قدمت للمشاهد الكثير من الأمثلة علي معانى كانت قاصرة وغير قادرة علي توسيع رؤى المشاهد تجاه الحب بكل ما يعبر عنه من أفكار وسلوكيات وقيم وحتى النهايات وقصص الحب غير المكتملة، والناقصة، والتي تنغص علي أصحابها حياتهم بعد تضحيات كبيرة قدمها هذا الكاتب الكبير الذى وهب الجانب الأكبر من حياته للكتابة عن الناس والحياة علي الشاشة الصغيرة، بعد أن بدأ حياته ككاتب قصص قصيرة وروايات، قدم اسامة هذا من خلال ٢٦مسلسلا تليفزيونيا، وعددا من السهرات، وسبعة افلام سينمائية آخرها هو ما التجفيف العام الماضى للمخرج رؤوف عبد العزيز وهو فيلم "الباب الاخضر "