رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


المرأة.. أيقونة السينما

10-2-2023 | 22:35


السينما

د. انتصار محمد

كانت المرأة هي المحور الأساسى في العمل الفنى منذ بدايات السينما المصرية، وفى أحيان كثيرة كانت هى الممثلة والمنتجة التي تخوض مخاطر التجربة السينمائية
فاتن حمامة صاحبة الوجه الذى يحمل في تفاصيله مشاعر أجيال، تناولت قضايا المرأة وعبرت عنها بعفوية وتلقائية، فكسرت الصورة النمطية للمرأة "إذا البشر أرادوا حياة فليفسحوا لقلوبهم مجرى لنهر من الحب" تلك المقولة التي رددت على مسامعى منذ طفولتى وظلت تخايلنى في يقظتى ومنامى".

المرأة و الرومانسية فى السينما المصرية، نعم المرأة حاضرة بجمالها وجاذبيتها وعقلها وعفويتها وذكائها وأنوثتها وتمردها وحدتها ولينة قلبها ودهائها وتلقائياتها في كل التجارب السينمائية المصرية والعربية، كانت المرأة وعلى مدار سنوات موضوعا أساسيا في الفن والأدب، بل إن السينما ومنذ النشأة، اعتمدت على المرأة لتكون العنصر الأهم الذي لازم كافة الحكايا السينمائية، وفى حديثى عن المرأة في السينما يتبادر إلى ذهنى صور عديد من النساء المبدعات فاطمة رشدى وبهيجة حافظ ويتراءى إلي أول فيلم سينمائى رومانسي بإنتاج مصرى عن المراة " ليلى" التى جسدت بطولته وإنتاجه الفنانة المبدعة عزيزة أمير ممثلة المسرح بفرقة رمسيس عام 1927. وأفلام حملت أسماء نسائية مثل" وداد"، " زينب" إلى آخره.

منذ نشأة السينما المصرية كانت المرأة هي المحور الأساسى فى العمل الفنى بل أحيانا كثيرة كانت الممثلة والمنتجه التي تخوض مخاطر التجربة السينمائية كالمنتجة أسيا وعزيزة أمير وغيرهم، وكانت ليلى مراد وفاتن حمامة وشادية وسعاد حسني ونجاة وصباح ومريم فخر الدين وماجدة وغيرهم من الفنانات المبدعات التي راحت أدوارهن السينمائية تشكل وجدان جيل بعد جيل، أتذكر منذ سنواتى الأولى وأنا أشاهد تلك الأفلام الكلاسيكية التي شكلت وجدانى تعايشت بها أثرت في حياتي بشكل او بآخر وتأثرت بها، وعندما فكرت أن أكتب عن المرأة كأيقونة للرومانسية تزاحمت الأفكار بداخلي لأكتب عن شخصيات وأفلام كان لها من ترسيخ مفاهيم وتشكيل وجدان تتجدد عندما أشاهدها كل مرة كما لم أرها من قبل.

لأجد نفسى أتحدث عن وجه القمر صاحبة الوجه الملائكى أيقونة السينما المصرية فاتن حمامة صاحبة الرقم القياسى فى أهم أفلام السينما المصرية، جسدت الفتاة والمرأة المصرية في كثير من صورها المظلومة، المنكسرة، الوديعة، المنتصرة، الحالمة، وغيرها، ذلك الوجه الذي يحمل في تفاصيله مشاعر أجيال عبرت عنها فاتن بتناولها لقضايا المرأة والتي نجحت فى التعبير عنها بعفوية وتلقائية فكسرت الصورة النمطية للمرأة، فاتن حمامة التي يحتار المرء هل نحن إزاء ممثلة استثنائية وهبت حياتها كلها لرسالة الفن أم إزاء شخصية درامية وهبت وجودها لرفيقة صارت جزءا من وجودنا نحن؟ قّدمت فاتن الشخصية الرومانسية الناعمة دون ابتذال في عديد من الأفلام منها موعد مع الحياة عام 1953، موعد مع السعادة عام 1954، طريق الأمل عام 1957، لا وقت للحب عام 1963، بين الأطلال عام 1959، و فيلم " نهر الحب". ودعنى عزيزى القارئ أتوقف عند هذا الفيلم الذي يعد من روائع كلاسيكيات السينما المصرية، مأخوذ عن رواية الكاتب (ليوتولتستوي – آنا كارينينا)، تم إنتاجه عام ١٩٦٠ وهو آخر فيلم تشارك فيه الثنائى فاتن وعمر وإخراج عز الدين ذو الفقار. من منا لم يتذكر رنات جرس القطار القادمة وتذكر كلمات ابنها في المنام المستمر معها وهو يقول متسبينيش يا ماما لتجد نفسها أمام القطار ولا محالة للهرب، ليسدل الستار عن قصة نهر الحب، نهر الحب الذى يروى مشاعرنا بل تختلط فيه المشاعر بتلك الأسطورة الفرعونية، التي تعتبر "النيل نهراً للحب، لأنه في الأصل دموع إيزيس حزناً على أوزوريس،" قبل أن أتحدث عن فاتن حمامة وعبقريتها في نهر الحب، لابد أن أشير إلى فارس الرومانسية المخرج عز الدين ذو الفقار الذي أحسن الدفاع باقتدار عن المرأة العاشقة "نوال" في قصة حبها مع الضابط خالد، لاشك أن الفاتن بدورها في نهر الحب أحدثت انقساما يشهده المجتمع إلى الآن ما بين التعاطف مع قصة الحب "نوال وخالد" ونهايتهما التى تحمل الفداء فهو مات فداء لفلسطين وماتت هى فداء لحبهما، وبين العاشقة الزوجة الخائنة، ولكن استطاعت فاتن بذكاء المرأة وعفويتها الملائكية أن تؤثر في مشاعر أجيال وأجيال فنتعاطف مع قصة وننتصر لحب مستحق.

ولا ننس دور فاتن حمامة فى فيلم "الباب المفتوح " تلك الرواية التي شكلت وجداننا وأثرت فينا وتنامت مشاعرنا مع أول قصة حب نلتقي بها ، الباب المفتوح تم انتاجه عام 1963م قصة الكاتبة لطيفة الزيات ومن إخراج هنري بركات المعروف بأفلامه العاطفية والغنائية ذات الطابع الرومانسي.. و بطولة فاتن حمامة و صالح سليم و محمود مرسى و حسن يوسف. الفيلم يحكى قصة بنت تفقد ثقتها في المجتمع، وتغلق أبواب قلبها فيخاطبها "حسين" طالبا منها الحب فى خطاب خاص جاء فى نصه " أنا أحبك وأريد منك أن تحبينى، ولكنى لا أريد منك أن تفنى كيانك فى كيانى ولا فى كيان أى إنسان، لا أريد لك أن تستمدى ثقتك فى نفسك وفى الحياة منى أو من أى إنسان، أريد لك كيانك الخاص المستقل، والثقة التى تنبعث من النفس لا من الآخرين، عندما يتحقق لك هذا لن يستطيع أحد أن يحطمك لا أنا ولا أى مخلوق، تستطيعين أن تلطمى من يلطمك وتستأنفى المسير، تستطيعين أن تربطى كيانك بكيان الآخرين، فيزدهر كيانك وينمو ويتجدد، وإذ ذاك فقط تحققين السعادة فأنت تعيسة يا حبيبتى، وقد حاولت، ولم تستطيعى، أن تخفى عنى تعاستك".

لا يزال خطاب حسين الذى كتبه لليلى فى فيلم "الباب المفتوح" هو الأكثر شهرة في تاريخ السينما المصرية، وهو الأكثر تعبيرا عن مشاعر الرومانسية لدى كل منا، عبرت الفاتن عن قضية مهمة تعانى منها المرأة آنذاك وهو البحث دائما عن الحرية وإثبات الذات وبناء كيانها منذ مراحلها الأولي كأنثى ثم كامرأة مسئولة في المجتمع وتعد فيه النصف والنصف الآخر.
وارتبطت ذاكرتى وذكرياتى بصوت الفاتن فى "دعاء الكروان"عام 1959 رواية لطه حسين وأخرجها هنرى بركات، والذى أصبح واحدا من علامات السنيما العربية والمصرية، التي رصد لنا العادات والتقاليد فى المجتمع الريفى والتي تهين المرأة وتسلب منها حقوقها بل وحياتها، ويظهر لنا كيف يتعامل بعض أهل الصعيد، مع أفعال وخطايا ابنتهم تحت بند "الشرف" برعت فاتن بإحساسها عندما.
جسدت فاتن حمامة دور الفتاة فايزة في فيلم" الطريق المسدود "للكاتب احسان عبد القدوس عام 1958 وإخراج صلاح أبو سيف وكان يشاركها البطولة أحمد مظهر وشكرى سرحان، والتي راحت تبحث عن العفة والمدينة الفاضلة هربا من أسرة يسودها الانحلال لتجد إجابة عن السؤال هل الخطيئة تلك الآفة القديمة المتجددة في كل المجتمعات على حدا سواء الفقيرة والغنية المنفتحة والمتحفظة لا تولد معنا أم المجتمع يدفعنا إليها؟ ينجح أحياناً ويفشل أحياناً أخرى، وهذا ما أكدت وجسدته الفاتن فى الطريق المسدود.
تمكنت فاتن حمامة أيضاً من كسر النمط السينمائى القائم على نماذج المرأة المستلبة الضعيفة، وإبراز فكرة عمل المرأة وأهمية المساواة بين الرجل والمرأة فى تجسيدها لدور المحامية فى "الأستاذة فاطمة” (1952م)، والمرأة الناضجة التي تنغمس بالواقعية في فيلم " أريد حلاً"، لتغير به قانون الأحوال الشخصية لصالح المرأة
أبدا لم تنل فاتن حمامة لقب سيدة الشاشة العربية من فراغ فهى الأيقونة في عالم الرومانسية التي صنعتها واقعية الأفلام السينمائية.