رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


سينما يوسف السباعي .. الرومانسية والسياسة والحرب

23-8-2017 | 18:32


محمود قاسم – كاتب مصرى

رغم مكانة يوسف السباعي  ككاتب سينمائي فإن أحداً من نقاد السينما، أو المهتمين بتاريخنا الثقافي قد كتبوا عن علاقة السباعي بالسينما كما يستحق الكتابة والدراسة والمتابعة، فمن الواضح أن الكاتب الذي عاش بين 17 يونيه 1917، 18فبراير 1978 شهد فترة ازدهاره الحقيقية إبان حياته. حتى إذا رحل عن الدنيا بمناصبها المتعددة تم تجاهله بشكل متعمد، ونسيانه بما لا يستحق، أو على الأقل بما تستحق أعماله خاصة في السينما، والجدير بالذكر أن الكاتب ملأ حياته بالنشاط الأدبي، والسينمائي، فضلاً عن دوره البارز في الصحافة، والنشر، وأيضاً في الحياة السياسية حتى تم اغتياله في لارناكا عاصمة قبرص عقاباً له على رفقته للرئيس الراحل أنور السادات في رحلته إلى القدس.

 لن نعيد هنا محاكمة الرجل، لكننا نتوقف عند رحلته مع السينما، حيث لم يتم حتى الآن حصر قوائم الأفلام التي عمل بها ككاتب سيناريو، أو حوار. بالإضافة إلى الأفلام المأخوذة عن رواياته، وهي رحلة طويلة ممتدة غزيرة ومتنوعة، وكنا كثيراً ما نجد اسمه على أفلام مشاركاً للآخرين فلا نكاد نعرف مدى مساهمته، أو نوع المشاركة

 أهم ما يلفت الأنظار في هذه الرحلة هي البدايات، حيث اتبع الكاتب أسلوباً غرائبياً ملحوظاً، فقد كان يرجع إلى مجلات أجنبية تنشر رسومات بالغة الجاذبية مصاحبة لقصص أجنبية، وكان يقوم بكتابة قصة قصيرة من وحي خياله تتناسب في موضوعها مع طبيعة الرسم، وقد نشر هذه الأقاصيص بالرسومات في العديد من المجلات، وفيما بعد قام بجمع هذه الكتابات والرسوم في كتب من أبرزها " هذا هو الحب" ،" نائب عزرائيل" و "يا أمة ضحكت"، وغيرها ، إلا أن البدايات الأدبية والشهرة جاءت مع عام 1948، حين نشر روايتين هما " أرض النفاق"

و" السقا مات"، اللتين أثارتا الكثير من الجدل، وقد لاحظ الدكتور طه حسين، أن  "السقا مات" مكتوبة بلغة عربية رصينة رغم أنها تدور في حي شعبي، هو "السيدة زينب" أما الرواية الثانية فلا يكاد يكون هناك عمل روائي شبيه بموضوعها، فكاتبها بالغ السخرية، يبدو أنه تأثر كثيراً  بالقصص التي كان يستوحيها من الرسوم العالمية الاستغرابية، والرواية تدور حول مواطن اكتشف أن هناك حانوت يبيع حبوباً للأخلاق، وأن صاحب المحل  باع كافة حبوب الأخلاق غير الحميدة حيث تهافت الناس على شرائها، أما الأخلاق السامية، مثل الشجاعة، والمروءة والصراحة، فالناس لم تقبل عليها بسبب المتاعب إلي يرتكبها من يتعاطاها، ويتناول هذا المواطن حبوب الشجاعة والمروءة بالتناوب ما يسبب له الكثير من المشاكل، منها تلك العبارات الملتهبة التي يوجهها إلى حكام العرب في تلك السنوات، وقد كانت جامعة الدول العربية حديثة الانشاء. كما أن الجيوش العربية منيت في تلك الفترة بهزيمة ساحقة علي أيدي العصابات الصهيونية، بعد إعلان قيام دولة إسرائيل.

إنها شجاعة كاتب ليست لها مثيل، وهذه الشهادة موجودة في صفحات الرواية التي لاتزال تقرأ بقوة حتى الان.

 يوسف السباعي هو أول كاتب من جيله انتبهت إليه السينما، ففي عام 1950، قام محمود ذو الفقار بإخراج فيلمه " أخلاق للبيع" عن رواية "أرض النفاق"، وشارك المخرج كاتب السيناريو أبو السعود الإبياري في الكتابة، ولم تكن هناك أي علاقة بين النص الأدبي وما جاء فيه وبين الفيلم، سوى فكرة أن هناك حانوت يبيع الأخلاق  للمواطن أحمد الزبون الوحيد للحانوت، ما يسبب الكثير من المشاكل بين الرجل وحماته المتسلطة، كشفت هذه التجربة أن الأدباء أكثر موهبة ونضجاً من السينمائيين. فلم يجرؤ السيناريو علي تناول الهم العام الناتج عن التناول الجماعي لأقراص الصراحة، وحبوب الشجاعة التي ابتلعها البطل، وأيضاً حبوب المروءة، ورأينا فيلماً تقليدياً في موضوعه، والغريب أيضاً أن السينما رجعت إلى الرواية نفسها، وأعادت إخراجها بعد ثمانية عشر عاماً بالاسم نفسه " أرض النفاق" وكتب السيناريو سعد الدين وهبه الذي لم يجرؤ أيضاً على الاقتراب من الجانب السياسي  الساخر في  الرواية، رغم تغير نظام الحكم، وكل ما التزم به هو مسألة حبوب الصراحة، خاصة حين يموت المدير العام، وفي جنازته يتناول المشيعيون من الماء المذاب فيه عنصر الصراحة، وقال كل مواطن رأيه  الحقيقي في المدير، بعيداً عن التملق الوظيفي المألوف. وعليه فرغم أن هذه الرواية صارت  مجسدة في فيلمين، وكان هذا هو بمثابة التجربة الأولى في السينما المصرية  لتحويل رواية محلية إلى فيلمين، فإنني أعتبر أن الرواية لم يتم نقلها إلى السينما حتى الآن، وإن كانت الدراما التليفزيونية قد قدمت "أرض النفاق" في تجربة ثالثة ، بما يعني أن الفيلمين كانا من السذاجة كأنهما صورة مسطحة باهتة، وقد نظر إليها باستخفاف، وأري أنها لا تقل أهمية عن أعمال الكاتب الساخر مارك توين. لقد تم مسخ فكرة رائعة لم تتكرر في الأدب العربي، فالرواية حالة بالغة التفرد.

 

كانت روايات السباعي هي الأولي دوماً التي صنعت ظاهرة اللجوء إلى الأدب، ففي عام 1954، عرض فيلم" آثار على الرمال" إخراج جمال مدكور عن رواية " فديتك يا ليلى" واستطاع السباعي أن يخلق الرومانسية الجديدة بروايته، وبالأفلام المأخوذة عن هذه الروايات، فقد تأثر السباعي كثيراً برواية " حذار من الشفقة " للكاتب الألماني تسيفان تسفايج، حول الشاب الذي يقع في غرام فتاة مشلولة، لا يعرف هل يحبها أم أنه يشفق عليها، وقد أضاف المؤلف من عندياته قصة حب موازية صارت بمثابة العلاج من الصدمة التي أصابت بطل الرواية في انتحار حبيبته المعاقة.

 كانت هذه الرواية بمثابة السيل الذي تدفق من نهر الأدب المصري إلى بحر السينما الواسع، واكتشف السينمائيون المصريون أن القصص المنشورة لدي الكتَّاب المصريين الجدد تصلح أن تكون مادة صالحة كثيراً لعمل الأفلام الناجحة التي ينبض أبطالها بمشاعر مصرية حقيقية، وكان السباعي، في هذه الفترة، قد نشر رواياته الرومانسية، أو الرومانسية السياسية، وبعض أبطال هذه الروايات من الضباط أسوة بالضباط الذين قاموا بثورة يوليو، وكان السباعي زميلاً لهم في سلاح الفرسان، ولذا فإن بطل روايته" إني راحلة " هو ضابط يحب ابنة خاله، ويرتدي الزي العسكري حين يقوم بزيارة بيت الخال، وهو في حالة غرام  مع ابنة الخال، الذي يسعى لتزويج ابنته من ابن وزير سابق، ما يدفع العاشقين إلى الهروب معاً، وبسبب المرض يموت الضابط، ثم تكتب الفتاة مذكراتها، وتقرر الانتحار بعد أن تقوم بحرق الكوخ الواقع على شط البحر.

 أي مزيج من الرومانسية قدمه السباعي، الذي قسا على العاشقين، فجعلهما يعانيين من نفس مصير روميو وجولييت، يموتان من أجل الحب، وقد التقط عز الدين ذو الفقار الرواية، ووجد فيها ضالته ليدخل عالم الرومانسية بقوة، بعد أن قدم أفلاماً بوليسية مليئة بالمطاردات ، مثل:" قطار الليل" و" رقصة الوداع" ، كما أن المخرج هو زميل الدراسة لقادة ثورة يوليو وعلى رأسهم الرئيس جمال عبد الناصر، وهكذا تم تتويج السباعي وعز الدين ذو الفقار، وهما من الضباط ، على رأس الرومانسية الجديدة في القرن العشرين، وكان المؤلف في هذه الفترة قد كتب رواية رومانسية جديدة بالغة الضخامة باسم " رد قلبي" اعترف فيها أن محمد نجيب هو قائد الثورة، وعندما طبعت الرواية كان عبد الناصر قد تخلص من قائده ، وبدأت وسائل إعلامه تردد أنه قائد الثورة، ولعل " رد قلبي "هي الرواية الوحيدة  التي لم يجرؤ مؤلفها أن يغير من وقائعها، ومن يقرأها الآن سوف يصل إلى هذه المعلومة، كان المفروض أن تتحول الرواية إلى فيلم، في تلك الفترة لكن عز الدين ذو الفقار انشغل بفيلم آخر عن حرب السويس، الذي عرض باسم " بورسعيد" الذي كتبه بنفسه، كما كان قد كتب "رد قلبي" الذي عرض في نوفمبر 1957، إنه عمل ضخم يمزج بين الوطنية، والسياسة الرومانسية، مصنوع لتمجيد الثورة، ويتعامل مع أهدافها بشكل مباشر، فوسط رومانسية بين على، وإنجي، فإن الفيلم راح يناصر ما فعله الجيش من تحديد الملكية الزراعية، وصور الإقطاعيين على أنهم الأشرار الذين يجب اجتثاثهم، ومعاقبتهم، وفي الوقت نفسه حدث إحلال في الأماكن بين الضباط والأغنياء، كل هذا ملفوف في قصة حب بالغة الرقة نمت دوماً منذ طفولة العاشقين، العاشق سيصبح من الحكام، والمعشوقة نبت مختلف تماماً عن والدها، وأخيها وهما من الأمراء.

 هذا الفيلم جعل من مؤلفه نجماً كبيراً تقبل عليه السينما بقوة، وتحول أعماله إلى أفلام ناجحة، ونحن نعرف أن المنتجة آسيا قد صرفت الكثير لإنتاج الفيلم، وأن عبد الناصر حضر مع أقرانه الضباط  حفل العرض الأول للفيلم من أجل تكريم صناعة، والفيلم عن ثورة يوليو، والضباط الأحرار، وقد تجاهل السيناريو الذي كتبه المخرج أن هناك قائداً للثورة اسمه اللواء محمد نجيب، ولم يجرؤ أحد أن ينبه إلى ما حدث من تغيير لواقع الأحداث، ولم ينتبه الجميع أن الحقيقة موجودة في الرواية لا تنمحي، للأسف لأن الناس لا يقرأون، وأن من طالع الرواية كانوا من الشباب الذين يهمهم أن تطلب إنجي من حبيبها القلادة برسم القلب وهي تردد : رد  قلبي..

 

 في تلك الفترة بدأ  يوسف السباعي يكتب للسينما بشكل مباشر، وفي عام 1958، كتب فيلم" شارع الحب" لعز الدين ذو الفقار، وفي العام التالي أخرج له صديقه فيلماً رومانسياً جديداً هو " بين الأطلال" ، وفي الرواية والفيلم قصص حب بائسة، يائسة يدفع أبطالها مصائرهم من أجل إسعاد الآخرين، وقد كتب السباعي الرواية بشكل معقد على غير ما هو متوقع، فهناك طالبة جامعية تقع في حب أستاذها الشاب، وعندما تبلغ أمها باسم حبيبها فإن الأم تصدم، تعرف أن هذا الأستاذ الجامعي هو في الحقيقة ابنها الذي أنجبته من زوجها  الذي تزوجته رغما عن إرادتها، وقد طردها أبوه بسبب إصرارها على رعاية حبيبها الأديب محمود، أما الفتاة نفسها  فهي ليست ابنتها بل هي ابنة الكاتب الذي مات، كما أن أمها أيضاً ماتت  بسبب مرض عضال، وقررت الفتاة أن تربيها، قصص متداخلة، أصر المخرج على الالتزام بها وهو يكتب سيناريو "بين الأطلال" المعروض عام 1959، وكما نرى فإن يوسف السباعي يحقق النجاح من فيلم لآخر، ففي هذا العام عرض يوسف شاهين فيلمه السياسي، والوطني الأول" جميلة " حول الثورة الجزائرية، وعلى عهدة الراحل الروائي محمد جلال في حديث له معي قبل رحيله، أنه هو كاتب هذا الفيلم، ولا أستطيع أن أؤكد الحقيقة لأن جلال نفسه لم يكن كاتباً سينمائياً، لكنه التاريخ الخفي .

انتهت المرحلة الرومانسية في كتابات يوسف السباعي، وكان قد عزم أن يؤرخ لعصره السياسي والاجتماعي في رواياته، ومنها روايات عن الوحدة بين مصر وسوريا مثل " جفت الدموع" ، وعن بناء السد العالي في رواية أخرى، لكن كانت هناك كتابات كثيرة متنوعة للكاتب موجودة في كتبه خاصة القصص القصيرة  ومنها " البحث عن جسد" وهي من نوع الفنتازيا، ومنذ العام الأخير من الخمسينيات شاهدنا في السينما أفلاماً تدور أحداثها في المناطق الشعبية التي عاش فيها  السباعي بين أبو الريش وجنينة ناميش، وهو عالم عاش فيه الكاتب كل طفولته. ومنها " أم رتيبة " إخراج السيد بدير، ثم "جمعية قتل الزوجات" إخراج حسن الصيفي، ولا أعرف لماذا لم ينتبه إليها المخرجون الذين أسسوا للواقعية الاجتماعية، ومنهم صلاح أبو سيف الذي لم ينتبه إلى أعمال السباعي إلا في أواخر حياته، في مسرحية " أم رتيبة " التي تدور أحداثها في تلك البيئة. كان العشاق أقل رومانسية، وأكثر احتكاكاً بواقع مختلف، ابتداء من بائع الطرشي، الحالم بالزواج من زكيبة نسائية اسمها أم رتيبة، والوظائف هنا هي محصل في أوتوبيس، ورجل يؤمن بالعفاريت، ويتعامل مع أخته الزكيبة كأنها الفتاة المصون، وهكذا كان على السينما أن تدخل إلى أرض جديدة، في ميدان جديد مضحك،  يتناسب مع أجواء السخرية، والفنتازيا التي يميل إليها السباعي، ورأينا ذلك في أفلام مأخوذة عن مسرحياته المكتوبة بالعامية، ومنها " أم رتيبة " للسيد بدير عام 1959، ثم " جمعية قتل الزوجات" إخراج حسن الصيفي، عام 1961، وهي أفلام صغيرة في كافة صفاتها، وبدا السباعي كأنه اختفى، وترك المخرجين يبحثون كما يشاءون في كتبه، فلم يجدوا ما يناسب سوي أقصوصة بعنوان " مبكى العشاق" أخرجها حسن الصيفي، الذي لم يفلح قط أن يمنح نصاً أدبياً أخرجه أي حيوية، أو أهمية، وفي عام 1969، فكر فطين عبد الوهاب مجدداً في " أرض النفاق" وهي الفترة التي تأجج الثنائي فؤاد المهندس وشويكار، فكان هذا النص الأدبي، الذي استفاد منه الكاتب المسرحي  سعد الدين وهبه فملأ مشاهد الفيلم بالمواقف الاجتماعية الانتقادية، وكان أفضل بكثير من الفيلم الأول لكنه لم يرتق إلى أهمية النص القديم الذي كتبه السباعي في الأربعينيات كما أشرنا.

 في صيف 1967 نشر السباعي رواية جديدة مليئة بالأحداث الميلودرامية باسم " نحن لانزرع الشوك " في مجلة آخر ساعة، كان الرجل قد انشغل بالمزيد من الوظائف المرموقة خاصة في الصحافة، ولكنه لم يتوقف قط عن كتابة القصص، وقد تصورنا من العنوان أن السباعي بعد الحرب يكتب رواية سياسة تعكس الفكر السائد بأننا  قوم لا ينشد الحرب، وفي الحقيقة فقد وجدنا كتاباً مختلفاً تماماً، أقرب إلى القصص الفرنسية التي يقتبسها حسن الإمام من الروايات الشعبية الفرنسية، فسيدة هنا طفلة تتربى في ظروف بالغة القسوة، بعد وفاة أبيها ثم أمها، وقد تربت لتكبر وتعمل خادمة في بيت موظف من الطبقة الوسطى فتحب ابنه الأكبر، من طرف واحد،  وتتزوج من عباس الذي يعذبها بشدة حتى يموت ابنها منه. وقد استمع الناس إلى قصة سيدة من خلال مسلسل إذاعي رمضاني، قامت ببطولته شادية أمام حسن يوسف، وإخراج محمد علوان، ولم يكد يمر عدة أشهر إلا وقام حسين كمال بتحويل الرواية إلى فيلم ظهر فيه النجم الجديد محمود يس بدور الحبيب الذي تحبه سيدة من طرف واحد.

 في تلك الفترة كان أحمد بدرخان قد أخرج رواية " نادية " التي تدور حول ما حدث لأسرة مصرية عقب العدوان الثلاثي، هذه الأسرة تتكون من الأختين التوأم نادية، ومنى، فالأب يموت بسبب أزمة صحية، ولا يكون أمام الأم الفرنسية سوى مغادرة مصر لتربية ابنتيها في الريف الفرنسي، إنها رواية عن تاريخ مصر المعاصر، وكيف تركت الحرب بصماتها على أسرة مصرية، فقد تركت نادية وطنها، دون أن تنسى حبها لطبيب من طرف واحد فقامت بمراسلته من الريف الفرنسي، وهي التي أصيبت بالتشوه في رقبتها بسبب حريق اندلع في الشقة، وعلى طريقة القصص المأساوية التي كتبها السباعي في الخمسينيات فإن منى تموت أثناء السباحة في بركة.

 من الواضح أنه لم يكن هناك مشروع جاد للتعامل مع السباعي ونصوصه الأدبية، خاصة في فترة السبعينيات  إلا إذا كتب نصوصاً جديدة، فبعد نكسة يونيه، كتب رواية " العمر لحظة" التي حولها محمد راضي إلى فيلم اجتماعي حربي، في فترة انتقل فيها السباعي بين الكثير من الوظائف الثقافية، والسياسية، فهو وزير للثقافة، ورئيس تحرير مؤسسة دار الأهرام، وأيضاً في دار الهلال، ورئيس اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا، كما أسس اتحاد كتاب مصر، وجمعية كتاب ونقاد السينما، وتولى رئاسة مجلس إدارة مجلة السينما والمسرح، كما كان نقيباً للصحفيين، وفي تلك الفترة كانت بعض رواياته قد فقدت بريقها ومنها  " جفت الدموع " التي تدور أحداثها بين القاهرة ودمشق، ،فلما قرر حلمي رفلة إخراجها في فيلم نزع عنها كل أماكنها، ولم يكن في حاجة إلى ذلك باعتبار أن الفيلم عرض عام 1975. في عام 1977 عرض فيلم " العمر لحظة "، حول الصحفية التي تهتم بالجنود على الجبهة، وأحبت أحد أبطال الحرب، السباعي هنا يكشف الصحفيين الذين يكتبون كلاماً منمقاً،  لم يكن شجاعاً مثلما كان في بداياته، وبدا أقرب إلى الدبلوماسية، وكانت هذه آخر رواية كتبها السباعي وقدمتها السينما إلا أن صلاح أبو سيف هو الذي نبش في تارخ الكاتب، وقرر تقديم روايته " السقا مات" عام 1978من إنتاج يوسف شاهين، ويمكن أن نقول أن أعمال يوسف السباعي كانت في حاجة إلى كتاب سيناريو من طراز محسن زايد ليقدموا لنا أفلاماً جيدة.

 وقبل الحديث عن " السقا مات " فإن الأجيال التي شاهدت رواية " بين الأطلال" في طبعتيها قد اختلفوا  حولهما، ربما لاقتراب مستوى كل من عز الذين ذو الفقار، عام 1958، ثم بركات الذي أخرج  "اذكريني" عام1977. الذي كتبه للسينما السباعي بنفسه بالإضافة إلى رفيق الصبان والمنتج رمسيس نجيب، وهو أمر بالغ الغرابة، إلا إنني على مدى السنوات كنت أسمع عبارات المديح لفيلم "اذكريني"، باعتباره يمثل جيل السبعينيات، أما الأجيال القديمة فتفضل " بين الأطلال"، ولعل السباعي قد استحضر الرواية جيداً بالإضافة إلى النص الذي كتبه ذو الفقار بتعقيداته وشخصياته دون إضافة إليه.

كان من الباد أن محسن زايد سوف يلتزم بالرواية الرائعة التي تنسب إلى السباعي. بدليل أن الفيلم اسمه" السقا مات" وكان هناك في بيت شوشة السقا شرخ كبير يتسع يوماً وراء الآخر، إلا أنه في اللحظات الأخيرة قرر صلاح أبو سيف الإبقاء على السقا حياً، فلم يمت، وقام سيد الصغير باستكمال مسيرة أبيه، وانتزع أجواء الكآبة عن الفيلم، وقد ساعد ذلك على أن يخرج الفيلم كواحد من أهم مائة فيلم في السينما المصرية، بما يؤكد أن الإعجاب الشديد لصلاح أبو سيف بصديقه نجيب محفوظ  كان ضد التعرف على عالم الأحياء الشعبية التي عاش فيها السباعي وكتب عنها بصدق يجعلنا في حاجة إلى إعادة قراءة هذه الأعمال مجدداً ومنها :" بين أبو الريش وجنينة ناميش".

قائمة مختصرة لأعمال يوسف السباعي

أولاً: أفلام مأخوذة عن نصوصه الأدبية

1950:  أخلاق للبيع( محمود ذو الفقار)

 1953: آثار على الرمال (فديتك يا ليلى) جمال مدكور

 1954: إني راحلة( عزالدين ذو الفقار)

 1957:رد قلبي( عز الدين ذو الفقار)

 1959: بين الأطلال ( عز الدين ذو الفقار)

          : أم رتيبة ( السيد بدير)

1961:جمعية قتل الزوجات ( حسن الصيفي)

1966:  مبكى العشاق( حسن الصيفي)

 1969:أرض النفاق ( فطين عبد الوهاب)

         :نادية ( أحمد بدرخان)

 1970:نحن لا نزرع الشوك (حسين كمال)

1975:جفت الدموع ( حلمي رفلة)

 1977:  العمر لحظة ( محمد راضي)

         : اذكريني ( بركات)

 1978 : السقا مات ( صلاح أبو سيف)

 ثانيا  : أفلام كتب لها السيناريو أو الحوار

 1957 رحلة غرامية

 1958جميلة

 1960: بهية

 1961 غرام الأسياد - موعد مع الماضي

1962:  وآ اسلاماه - بقايا عذراء

 1963:  - الناصر صلاح الدين - الليلة الاخيرة

1966:  شيء في حياتي

 1967: اللقاء الثاني

1973:  عاشق الروح

 1975: مولد يا دنيا- حتى آخر العمر

1980: امرأة بلا قيد

1981:  وادي الذكريات