مملكة البحرين .. تفتح الملف «المهام القذرة» لــ«حمد بن جاسم آل ثان»
بقلم – العميد خالد عكاشة
مدير المركز الوطني للدراسات الأمنية
نشر التليفزيون البحرينى الأسبوع الماضي، تسجيلا لمكالمات هاتفية بين رئيس وزراء قطر السابق (حمد بن جاسم)، وإرهابيين بحرينيين ينسقون فيه لزعزعة استقرار البحرين، وبث التليفزيون الاتصالات الهاتفية فى إطار وثائقى يثبت تورط قطر فى زعزعة أمن البحرين، والتنسيق مع الجماعات المحظورة وحثها على الاستمرار فى الاحتجاجات عام ٢٠١١م. وكشفت إحدى المكالمات بين (حمد بن جاسم) والأمين العام السابق لجمعية الوفاق المنحلة (على سلمان)، مشروعا قطريا لقلب نظام الحكم فى البحرين، كما تبرأ حمد بن جاسم فى المكالمة من «قوات درع الجزيرة» التى دخلت إلى البحرين بناء على طلب المنامة لحماية استقرار المملكة.
وتشكل المكالمة الهاتفية المسربة أخيرا حلقة واحدة من حلقات طويلة للتآمر القطرى على البحرين والدول العربية، التى قادها النظام القطري؛ حيث ساهم (حمد بن جاسم) إلى جانب “الأمير الوالد» (حمد بن خليفة آل ثان)، فى تحويل قطر لدولة إرهابية بامتياز، ووصفته الصحافة البحرينية بالوكيل الحصرى للأعمال القذرة، فقد عرف عن (حمد بن جاسم آل ثان) بإدارته للملفات التآمرية على الدول العربية فى أحداث ما يسمى بـ»الربيع العربي»، إذ كان يشرف شخصيا على تنفيذ مخططات قلب نظام الحكم فى الدول العربية، بالتعاون مع الأمير السابق لقطر فيما عرف بـ»تنظيم الحمدين»، ذلك أن العديد من سياسات الدوحة التى أوصلتها لهذه النتائج، يتحمل بن جاسم جزءا كبيرا منها كونه «صانعا للسياسة القطرية» لمدة تجاوزت العشرين عاما.
بدأ (حمد بن جاسم) عمله الحكومى من خلال وزارة الشئون البلدية والزراعة، حيث تسلم منصب مدير مكتب الوزير بين عامى ١٩٨٢-١٩٨٩ قبل أن يشغل منصب الوزير، وفى ١٩٩٠ أنيط به مهام وزارة الكهرباء والمياه بالإنابة لمدة عامين، وتوسعت آفاق وطموحات بن جاسم ليصل إلى منصب وزير الخارجية ١٩٩٢، ليرسم بعدها ملامح السياسة القطرية التى بدأ تطبيقها على أرض الواقع منذ الانقلاب ١٩٩٥، وفى ٢٠٠٣ عين بن جاسم نائبا أول لرئيس مجلس الوزراء قبل أن يتم تعيينه رئيسا للمجلس عام ٢٠٠٧ مع الاحتفاظ بمنصب وزير الخارجية، وحمد بن جاسم الحليف القوى للغرب فى الدوحة، هو أيضا واحد من أغنى الشخصيات فى العالم العربى وربما فى العالم، وتقدر ثروته بعدة مليارات من الدولارات.
التآمر على السعودية
كشفت مكالمة مسربة بين بن جاسم والعقيد القذافي، تآمر قطر على السعودية، وسعيها إلى تقسيمها لدويلات عدة، وأكد تسريب آخر لحديث بين (حمد بن خليفة آل ثان) والقذافى محاولات إسقاط الأسرة الحاكمة فى السعودية، إذ توقع أمير قطر أن يزول حكم آل سعود «خلال ١٢ عاما». إلا أن قطر تبنت فيما بعد موقفا مناهضا للقذافي، وكانت من بين أوائل الدول التى دعمت الحركات المسلحة المعارضة التى أسقطت حكم العقيد فى ليبيا. وفى تسريبات (حمد بن جاسم) اعترف بالعمل مع الولايات المتحدة لتقسيم السعودية والإطاحة بعائلة آل سعود الحاكمة فى المملكة، وقال فى شريط مسجل:”سعينا دائما لامتلاك قوة يخاف منها السعوديون، ونحن نعلم أننا لا نستطيع خلق هذه القوة، وبالتالى لجأنا إلى الأمريكيين من خلال اتفاقية القواعد العسكرية على الأراضى القطرية». واعترف بن جاسم فى حديثه بعلاقة قطر الوطيدة بإسرائيل، وقال «نحن نستخدم الإسرائيليين فى تخفيف الضغط السعودى على الأمريكيين تجاهنا». وأضاف فى الحوار الذى ظهر أنه جاء قبل سنوات قليلة من قيام ثورات الربيع العربي، المنطقة «مقبلة على بركان، والسعودية ستحدث فيها ثورة شئنا أم أبينا».
وكشف رئيس الوزراء القطرى السابق أن «الأمريكيين يعملون على استراتيجية مفادها أن السعودية يجب أن تقسم إلى ثلاث دول: الوهابيون والمتشددون فى نجد الفقيرة نفطيا، والدولة الثانية هى الحجاز التى تقع تحت سيطرتها مكة والمدينة الغنية بالنفط، ودولة ثالثة تحت اسم الشرقية التى تستحوذ على أغلب إنتاج المملكة من النفط». وأضاف أن: «الأمل فى تحرك الصف الأول بالجيش السعودى مفقود، ولكن يبقى الأمل فى الصف الثاني، الذى يضم ضباطا عادة ما يترددون على أوربا لاستكمال دراستهم أو لأغراض أخرى».
تسريبات ويكيليكس
كشفت وثيقة لويكيليكس نشرت فى ٢٠١٤، أن (حمد بن جاسم) أبلغ إسرائيل أن الدوحة تتبنى خطة لضرب استقرار مصر بعنف، والأمر كذلك يشمل لعبا بمشاعر المصريين لإحداث الفوضى عن طريق «قناة الجزيرة» باعتبارها عنصرا محوريا فى الخطة. وفى لقاء سرى جمع بين بن جاسم ومسئول إسرائيلى نافذ فى السلطة أبلغه فيه نيته تلك، ووصف مصر بـ»الطبيب الذى لديه مريض واحد» ويفضل أن يستمر مرضه لفائدته الخاصة، واعتبر بن جاسم وفقا لويكيليكس، أن المريض الذى لدى مصر هو «القضية الفلسطينية» فى إشارة منه إلى أن مصر تريد إطالة أمد القضية الفلسطينية دون حل، حتى لا تصبح مصر بلا قضية تضعها فى منصب القائد للمنطقة العربية، وأشار مؤسس موقع ويكيليكس (جوليان أسانج) إلى أن لديه ٧ وثائق عن قطر، نشر منها ٥ وثائق وحجب وثيقتين. ويقال إن ذلك جاء بعد تفاوض قطر مع إدارة الموقع الذى طلب مبالغ ضخمة حتى لا يتم النشر، لما تحويه من معلومات خطيرة عن لقاءات مع مسئولين إسرائيليين وأمريكيين كانت فى مجملها للتحريض ضد مصر، ويقال كذلك إن الموقع حصل على الثمن من قطر.
نشرت صحيفة «جارديان» البريطانية والتى نشرت نص الوثيقتين على موقعها، شملت ضمن محتواها تحليل السفارة الأمريكية لموقع «قناة الجزيرة» على خريطة التحرك السياسى لقطر، ودورها فى رسم ملامح سياسة قطر الخارجية، وتتحدث الوثيقة التى حملت (رقم ٤٣٢ بتاريخ الأول من يوليو ٢٠٠٩)، عن اللقاء الذى استغرق ٥٠ دقيقة بين (حمد بن جاسم) و»قناة الجزيرة»، والذى أسهب فيه بن جاسم عن السياسة الخارجية القطرية فى عدد من الموضوعات، بما فيها المصالحة الفلسطينية وعملية السلام، ولم يدخر جهدا فى شن هجوم شرس على مصر وسياساتها. أما الوثيقة الثانية والتى حملت (رقم ٦٧٧ بتاريخ ١٩ نوفمبر ٢٠٠٩)، فتعلقت بتقييم شامل تعده الأقسام المختلفة بالسفارة كل فى اختصاصه حول قطر، وتطرق التقييم إلى دور «قناة الجزيرة» فى منظومة السياسة القطرية، وتحليل توجهات الشبكة منذ تولى الرئيس الأمريكى باراك أوباما لمقاليد السلطة فى واشنطن. وأشارت الوثيقة إلى أن تغطية الجزيرة أصبحت أكثر إيجابية تجاه الولايات المتحدة، فى الوقت نفسه يؤكد التقييم بقاء الجزيرة كأداة للسياسة الخارجية القطرية.
بوابة إسرائيل
تعددت اللقاءات القطرية الإسرائيلية، التى كان لـ(حمد بن جاسم) دور مهم فى برمجتها والإعداد لها، إذ يعتبر بن جاسم عراب العلاقات الإسرائيلية القطرية. ففى عام ١٩٩٨، زار رئيس الوزراء الإسرائيلى شمعون بيريز الدوحة لحضور (المؤتمر الاقتصادى للشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، وأهداه الأمير حمد سيفا من الذهب مرصعا بالحجارة الكريمة، وفى ٢٠٠١ أعلن عن قبول طلاب إسرائيليين للدراسة فى «جامعة كورنيل الأمريكية للطب» فى قطر، وفى مايو من العام ذاته التقى وزير خارجية قطر (حمد بن جاسم) مع وزير الخارجية الإسرائيلى فى واشنطن. وفى أغسطس ٢٠٠١، أكدت مصادر صحفية أن بن جاسم التقى فى زيارة سرية لإسرائيل رئيس الوزراء السابق أرييل شارون، ووزير الخارجية شمعون بيريز، واصطحب بن جاسم فى هذه الزيارة، نجليه اللذين بقيا فى إسرائيل للقيام بجولة سياحية، حيث شوهدا فى حيفا برفقة رجل أعمال إسرائيلى وتحت حراسة مشددة.
فى مايو ٢٠٠٢، اقترح (حمد بن جاسم) على المجتمعين فى القمة العربية بالعاصمة بيروت، تكليفه بالذهاب إلى إسرائيل والتوسط لدى شارون لاصطحاب الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات إلى بيروت لحضور القمة العربية، وضمان عودته إلى رام الله، غير أن القمة رفضت اقتراحه. وفى يوليو ٢٠٠٢، التقى بن جاسم مرة أخرى مع وزير الخارجية الإسرائيلى آنذاك شمعون بيريز فى باريس، وفى مايو ٢٠٠٣، قال إن بلاده تبحث إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل إذا كان ذلك يخدم مصالحها، فى لقاء مع وزير الخارجية الإسرائيلى سيلفان شالوم فى باريس. وفى أغسطس ٢٠٠٥، ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إن أمير قطر الشيخ (حمد بن خليفة آل ثان)، تبرع بـ «١٠ ملايين دولار» لفريق كرة قدم داخل إسرائيل. وفى يناير ٢٠٠٧، استقبل (حمد بن خليفة آل ثاني) فى الدوحة شيمون بيريز، الذى زار الدوحة للمشاركة فى مناظرات للطلاب القطريين، وقام بيريز حينها بزيارة مقر «قناة الجزيرة» حيث حظى بحفاوة الترحيب من قبل العاملين فيها.
فى عام ٢٠٠٨، قامت وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك «تسيبى ليفنى» بزيارة لقطر استغرقت ٣ أيام، وألقت الكلمة المركزية فى منتدى «الدوحة للديمقراطية والتطوير والتجارة الحرة»، والتقت وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك بكلا الحمدين بن جاسم وبن خليفة. ورغم مرور ٤ سنوات على تنحى بن جاسم عن رئاسة وزراء قطر، لا يزال كثيرون ينظرون إليه باعتباره هو والأمير الوالد يديران الحكم فى الدوحة من وراء ستار، كما أن سياسته ما زالت ترسم طريق قطر، وأثارت عودته إلى الواجهة مع بداية الأزمة القطرية وقطع الدول الداعية لمكافحة الإرهاب العلاقات الدبلوماسية معها، تساؤلات حول من يدير سدة الحكم فى الدوحة، وتداعيات ذلك على فرص تسوية الأزمة الخليجية، خصوصا بسبب مواقفه المتشددة من السعودية وتآمره على البحرين وعلاقاته المفضوحة بالإرهاب.