بقلم – مجدى سبلة
بالفعل أصبح الوعى الوطنى لدى الكثير من المصريين فى أزمة، ولابد من الاتفاق على آليات استعادته لأننا فى أحوج الأوقات لزيادة هذه الجرعة عند المصريين الذين عرف عنهم الالتحام فى أوقات المحن، وعندما نتحدث عن زيادة جرعة الوعى الوطنى لدى المصريين، لابد أن تتحرك مؤسسات الإعلام والأحزاب ومراكز الشباب وجمعيات المجتمع المدنى والتعليم ومراكز هيئة الاستعلامات بالأقاليم والمساجد، وحتى بيوت المال ولجان الزكاة وبيوت الثقافة وقصورها.
هذا التحرك لا بد أن يكون بالتوازى مع الأوضاع الراهنة والاستثنائية، التى تمر بها البلاد، لزيادة تثبيت أركان الدولة ومواجهة مخططات إفشال الدولة المصرية، والتصدى للمؤامرة الكبرى على الشعب المصرى وقيادته وجيشه ووحدته الوطنية، ومواجهة هذه المؤامرة بقوة وحزم يعكس الوعى الوطنى المصري، وإيمان المصريين بوحدتهم تجاه هذه المخططات، فغياب الوعى إذا تمكن من المصريين سيضرب مصر فى مقتل، لأن غيابه هو المخطط الحقيقى الذى تلعب عليه الأجهزة المخابراتية والدول الراعية والداعمة للإرهاب، وهنا لابد أن يقف سلاح الوعى الوطنى وقفة تناسب اللحظات المصيرية المتعلقة بأمن الوطن والمواطن، فى معركتنا ضد الإرهاب وجرائم الجماعات الإجرامية الهمجية».
ولابد من رفع روح الوعى الوطنى واستنهاض الهمم للمصريين من خلال مؤسسات فى الدولة، منها على سبيل المثال ما يجرى داخل مراكز الشباب فى بطون القرى والكفور والنجوع، فمازالت تحتاج إلى مراجعة للكوادر، التى دخلت مجالس إدارات هذه المراكز منذ أيام الإخوان والمستمرة فى ممارسة فكرها الناعم الملون بين الشباب الصغير، وربما تعمل من خلال خطط ممنهجة لغسيل عقول هؤلاء الصغار.
عندما تتحرك آلة الصحف القومية وطواحين الفضائيات فى استعادة الوعى الوطنى المخطوف من أنصاف المتعلمين من الأميين الذين يعطون لأنفسهم حق الفتوى، ولا بد أن تتحرك معها الأحزاب السياسية الوطنية بأعضائها وكوادرها وقواعدها الشعبية ووحداتها الحزبية، كى نزيد من جرعة الوعى بطرق مباشرة تخدم الرسائل الإعلامية التى تبثها الصحافة المقروءة والإعلام المرئى والمسموع.
وعلى جمعيات المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية أن يدور رحاها فى نفس فلك الوعى الوطنى المطلوب بقوة فى هذه الظروف الصعبة، بدلا من أن يدور رحاها فى طريق التمويل الأجنبى الذى يولد رأيا عاما محبطا ويصدر رسائل سلبية عن مصر دولة وشعبا.
وفى مدارسنا التعليمية لابد أن ننتبه إلى مناهجنا ومعلمينا، الذين يستهدفون أطفال وتلاميذ فى عمر التكوين والبناية الثقافية، التى تلتصق بهم طول أعمارهم، ونفاجأ بأجيال مسطحة مغيبة عن الوعى الوطنى فى الوقت الذى تتلقفه تيارات أخرى تصب فى خانات تغيب الوعى الوطنى.
حتى المساجد والزوايا التى تستأجر لأفكار تخدم أجندات تهدم ولا تبنى وتبتعد عن الهوية الوسطية، فعلى الرغم من التحرك الملحوظ فى تنقية المساجد من هذه الفئات، إلا أن هذه الفئات مازالت تصعد المنابر لبث رسائل تثير لغطا فى مفاهيم البسطاء من الشعب المصري، وتبتعد عن رسائل الوطنية ورفع الروح المعنوية للمصريين.
وكذلك لابد أن تتحرك كتائب وزارة التضامن الاجتماعى لإعادة النظر فى لجان الزكاة وبيوت المال، التى يسيطر عليها أفراد توظف أدوارها فى مهام سياسية تخدم أجندات بعينها يتم استغلالها أيام الانتخابات، وللأسف مثل هذه اللجان والبيوت أطلقت بتصاريح من بنك ناصر الاجتماعى، لكن لا يتم النظر فى كيفية مراقبتها وتوظيفها تصويتيا، بحكم ارتباط من يمنحون هذه الاستحقاقات كصدقات أو دعم للفقراء، وهناك أسباب أخرى تدور حول غياب الوعى الوطني، مثل دور الأسرة التى تترك أولادها وبناتها لثقافات وعادات وسلوكيات دخيلة على مجتمعاتنا وأصبح الأمر عاديا لدى أولياء الأمور.
نتغنى بأننا من الشعوب التى تفخر بنسبة تعليمها.. وانخفاض نسبة جهلها وأميتها.. وأن نسبة الوعى لديها تزداد بحكم تجربتها ومدى استفادتها من تجاربها ونسبة التعليم لديها، ومساحة المعرفة، التى تزداد بفعل عوامل التعليم الممنهج والذاتى وتراكمات الخبرة الشخصية من خلال ثقافة سمعية ومشاهدات بصرية وجلسات تمتاز بها مصر دون غيرها.
صحيح أن الوعى مسألة نسبية لا تكتمل ولا تسرى عليها سياسة التحكم، لأنها مسألة مفتوحة تأخذ طريقها المعرفى بأسلوب الانفتاح على الآخرين وعدم الانغلاق عنهم، إلا أن الوعى يبنى دائما على الاطلاع المعرفى، الذى يتم اكتسابه من خلال قراءة آخر المستجدات والإبداعات، ومشاهدة آخر ما يتم إنتاجه والاستماع إلى خبرات الآخرين حتى تتكون خبرات متراكمة وليس فذلكتها الكلامية، وبراعة لغوية وحنكة بفعل عوامل الجذب والاستئثار بما تمتلك الجيوب من أموال.. وما تتميز به الألسنة من كلمات قادرة على دغدغة العواطف وما يمكن أن تحدثه من فتح لشهية من يريد ملء جيوبه، أو من يصدر رسائل سلبية عن بلده.
يجب أن نقر جميعا أننا نعيش أزمة الوعى بفعل عوامل ذاتية وموضوعية.. وأن الزمن وقياساته كفيلة بأن تحدث التغيير فى مستويات الأزمة ودرجاتها ومعدلاتها.. وأن أزمة الوعى ليست عيبا تاريخيا يمكن أن يحسب.. أو سيفا مسلطا يمكن أن يقطع رؤوس من لا يمتلكون الوعى لما يجرى بداخلهم وبمن حولهم، لكنها خطر داهم.. وعبء كبير.. وخلل مستمر يصيب المجتمعات والشعوب لفترات عديدة من تاريخ حياتهم.. ولا يستطيعون إدراك عيوب أزمتهم إلا بعد أن تحدث ما يمكن أن تحدثه من خراب وآثار يتم تحمل تبعاتها على مدار فترات متباعدة.
لا شك أن هناك خللا كبيرا يحدث بمنظومة الوعى البشرى إزاء القضايا العديدة ومنها قضايا الإرهاب، وأن هناك حالة من عدم القدرة والتحكم لمعرفة أسباب ونتائج الأزمة المحددة بصورة قاطعة، وأن محاولة التعرف على الأسباب والنتائج ومتابعتها تاريخيا لتجارب الشعوب واستخلاص تجاربها.. إنما يؤكد أن هناك الكثير من النتائج الوخيمة والكارثية كان من نتيجتها أزمة الوعى لدى تلك الشعوب.
وهناك شعوب أخرى لا زالت تعيش أزمة الوعى بمراحلها المتعددة حتى زادت من وعى أزمتها المتراكمة وهذا ما يدلل على أن النخب الفكرية والثقافية والإعلامية والسياسية تتحمل مسئولية كبيرة فى تعميق الأزمة وانتشارها، واستمرار نخرها لمفاصل المجتمع وبنيته، وأن محاولة القذف بالمسئولية على هذا وذاك إنما يدلل على ضعف ذاتى وتشتت فكري، وتهرب مقصود دون امتلاك قدرة الوقوف على أرضية الواقع وملابساته ومتطلباته.
إن هذا الوعى السياسى المتنامى لدى أفراد الشعب، خاصة طبقاته الدنيا، هو السند القوى للرئيس السيسى.. وهو فى ذات الوقت ما ينبغى أن تتفاعل معه النخب والأحزاب السياسية، وتعمل من خلاله على توسيع قاعدة المشاركة السياسية، فالمواطن الذى يمتلك وعيا فكريا قويا هو أفضل درع يمكن للرئيس عبدالفتاح السيسى استخدامه فى مواجهة الهجمات المتتالية على الدولة المصرية وشعبها، وتحمل الصدمات المفتعلة دوليا واقتصاديا بأقل خسائر ممكنة، ثم النهوض من جديد، لاستكمال معركة التنمية والاستقرار فى أرض الكنانة خلال المرحلة الحرجة التى يمر بها العالم كله، والوصول بالسفينة المصرية إلى بر الأمان، حفاظا على حلم الأجيال القادمة فى دولة قوية وقادرة تمتلك مقدرات شعوبها دون خوف أو ضعف.