بقلم : عاطف بشاي
كان الشاعر "بيرون" يقول: "ما ضحكت علي مشهد بشري زائل إلا وكان ضحكي بديلاً أستعين به علي البكاء".. وهذا يعني أنه كلما اشتد به الحزن قاده إحساسه الجميل العميق إلي الضحك والابتسام.. بدلاً من الاستسلام للكآبة.. أو كما يقول "رجاء النقاش" في كتابه البديع "تأملات في الانسان" إن التعبير القوي عن الحزن فهو الفرح والبشاشة ومقاومة الأسي وتذليله وعزف الموسيقي له.. أما "أوسكار وايلد" فقد ناقش نفسه طويلاً في مسألة الحزن والابتسام.. وتوصل أخيراً إلي أن الطريقة الوحيدة للقضاء علي متاعب الحياة وتغيير هذه المتاعب.. هي الابتسام.. هذا ما يفعله دائماً الممثلون والممثلات الذين ينتمون الي عالم الكوميديا.. فالمفارقة الغريبة تكشف لنا قسوة الحياة التي يعيشها أغلبهم والتي يخفون عذاباتها، محاولين الاستعلاء عليها وعلي الحزن والموت بالكوميديا التي تعني الفرح بالحياة والاحتفال بها.. وهذه الحقيقة نفسها هي التي جعلت المصريين القدماء يحملون في قلوبهم أقوي الأحزان.. ثم يعبرون عن هذه النفس الحزينة بالفرح والنكتة..
في كتابه الممتع "ملح السينما" يكشف الكاتب الساخر "مؤمن المحمدي" عن نماذج من نجوم الفكاهة أثروا السينما المصرية بأدوارهم المميزة وتعلقت بهم الجماهير.. وضحكت معهم وعليهم كثيراً.. بينما كانت حياتهم البائسة التي حاولوا احتمالها وتجاوز آلامها هي طاقتهم الروحية الجبارة لمحاولة إسعاد متلقين لا يدركون هول ما يعانون، منهم علي سبيل المثال الممثل "رياض القصبجي" الشهير "بالشاويش عطية".. الذي أصيب بشلل نصفي منعه من الحركة.. لكن حينما سأل عليه المخرج الكبير "حسن الإمام" الذي كان يحتاجه في دور من أدوار فيلم "الخطايا" قالوا له إن حالته الصحية تحسنت وبدأ يتحرك بشكل طبيعي.. فطلب مقابلته.. تحامل "القصبجي" علي نفسه وذهب إلي البلاتوه يرافقه قريب له يتساند عليه.. فأدرك "حسن الامام" أن الصورة التي نقلوها عنه غير حقيقية.. فالرجل يتحرك بصعوبة بالغة.. ولا يمكنه أن يقف أمام الكاميرا.. ربت عليه "حسن الامام" بود وقال له.. "أنا بس كنت عاوز اتطمن عليك.. وان شاء الله قريب هتاخد أدواراً رئيسية في كل الافلام الجاية»..
"القصبجي" فهم وطب ساكت مغمياً عليه.. ولم يحدث أن "حسن الامام" أسند أية أدوار "للقصبجي"لأنه بعد تلك الواقعة بشهور قليلة توفي.