الإسراء والمعراج.. معالم إسلامية حاضرة
تعيش الأمة المسلمة معالم خير وبر، حق وصدق، إشراقات وفيوضات، من مشكاة السيرة العطرة للنبي الرسول سيدنا محمد، والتشريع الإسلامي المطهر، فمن معلم "ترقي" إلى "ترضي" إلي "تلقي".
فأما الترقي: فهو الإسراء والمعراج معاً {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى.
وأما معلم الترضي: فالقبلة إلي الكعبة المشرفة { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ.
وأما "التلقي"، فإنزال ومدارسة القرآن الكريم في شهر رمضان {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}، {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.
هذه المعالم ترشد السالك لأهدي المسالك، والحديث فيها طيب جميل، عذب سلسبيل، تستروح في جنباتها الأسوة الحسنة، والقدوة الطيبة، وتستضئ العقول في إشراقاتها العبر والدروس القيمة، وتسر القلوب الطامحة لأنوار الحق بمواقف طبيب الحق سيد الخلق سيدنا محمد.
وهذه المعالم المتوالية المتعاقبة مداوة للنفوس القلقة والعقول الشاردة والأفكار المبعثرة، ذلكم أن الإسراء والمعراج منحة بعد محنة، وتحويل القبلة وصال بعد انتظار، وشهر رمضان جامع الفيوضات والإشراقات وجوائز السماء لمن صام وقام وتزكي ودعا ودنا وذكر وتاب وأناب لله وحده عبودية له خالصة صافية لا تخالطها شوائب ولا هرطقات.
معالم تحي الأمل وتبدد اليأس ! تنير السبيل وتوضح الغايات شواهد اجتباء واصطفاء، وتكريم وإنعام، لم يسبق ولن يلحق!.
هلا تلمسنا السبيل وداوينا الجروح والقروح ، بفقه السيرة العطرة، هلا ونفائس وذخائر الشرع المطهر!.
لتكن ثقتنا بزهوق باطل ومجيء حق مستخلصة من معاني معالم الترقي والترضي والتلقي في شتي المواطن والأقوال ، والأزمات والامتحانات والابتلاءات العامة والخاصة .
الإسراء والمعراج عبر وعظات
الحديث في السيرة النبوية العطرة طيب جميل، عذب سلسبيل، تستروح النفوس في جنباتها الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة، وتستضئ العقول في إشراقاتها العبر والدروس القيمة ، وتسر القلوب الطامحة لأنوار الحق بمواقف سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد .
وتأتى " آية " الإسراء " لنريه من آياتنا " ، و " آية " المعراج " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " لتقدم حقائق تتفجر من ينابيع " المعجزة الكبرى " و " الآية العظمى " لتدفق إلى حدائق أزهار " السيرة النبوية " فمن ذلك:
أولاً : آية الإسراء في القرآن الكريم آية واحدة في سورة الإسراء عددها 111 مائة وإحدى عشرة آية التي تضمنت جرائم وقبائح وفضائح اليهود ، ومبادئ تشريعية في أصول الإسلام العقيدة والشريعة والأخلاق للتنبيه على عدة أمور :
أ ) الإسراء بدأ من الحرم المكي بمكة المكرمة وانتهى إلى المسجد الأقصى بالقدس إشارة إلا انتهاء دور اليهود في الدعوة الإنسانية، وانتقال هذا الدور الجامع لمركزي وسبطي الدعوى الإبراهيمية الحنيفية "إسحاق وإسماعيل" إلى الأمة الإسلامية التي تنسب من جهة رسولها محمد – عليهم السلام – إلى إسماعيل ومن جهة الإيمان العقائدي إلى إسحاق وإسماعيل – عليهما السلام – معاً ، وانتقال الدور القيادي من اليهود بجرائم سطرتها كافة الكتب السماوية المنزلة إلى أمة الإسلام المؤمنة بالله – عز وجل – حق الإيمان المسلمة له صدق الإسلام فلا عجب أن يأتى التذكير عقب آية الإسراء مباشرة .
ب ) قيادة المجتمع الإنساني له قواعد ومبادئ تشريعية تنتظم جنبات الحياة فلا غرابة أن يأتي ذلك باستفاضة فى آيات السورة الكريمة .
ثانياً : أفضل تعليل " لآية " الإسراء والمعراج " لنريه من آياتنا " ، " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " وهذه سنة الله – عز وجل – فى أعلام رسله وأنبيائه – عليهم السلام – " وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض " وفى حق موسى – عليه السلام – " لنريك من آياتنا الكبرى " .
ثالثاً : آية الإسراء والمعراج ، فيها أحداث مهمة قبلها وفيها وبعدها :
أ ) قبل الإسراء والمعراج :
حادثتان مؤلمتان فى أيام قلائل هما وفاة أبى طالب حصن حماية الدعوة الناشئة من غلواء السفهاء والكبراء ! ، ووفاة أم المؤمنين السيدة خديجة – رضى الله عنها – الراعية المساندة لدعوة الحق "آمنت بي حين كفر بي الناس ، وصدقتني حين كذبني الناس ، وواستني بمالها حين حرمني الناس" .
وبعدهما تتعرض الدعوة بعد الخروج إلى الطائف لموقف شديد عصيب بسببه توجه رسول الله"، اللهم أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين : أنت رب المستضعفين وأنت ربي : إلى من تكلني ؟ أم إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولكن عافيتك هى أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح علي أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل عليك سخطك : لك العتبي حتى ترضي ولا قوة إلى بك "
ب ) أحداث خلال الإسراء والمعراج :
فمن ذلك أن " آية " الإسراء والمعراج بدأت بالذهاب إلى المسجد الأقصى لأن هجرة الأنبياء – عليهم السلام – غالباً إليه فحصل لرسول الله ليجمع كل الفضائل وإكرامه بالمناجاة على سبيل المفاجأة لصرف ألم الانتظار بتحديد ميعاد وكلفة استعداد ، واستفتاح جبريل – عليه السلام – السماوات التى كانت أبوابها مغلقة ليعلم أن فتحها لأجله ، وأنه معروفاً عند سكانها من المرسلين والملائكة – عليهم السلام – لأنهم قالوا عند كل استفتاح : أبعث إليه ! وأن المرائي التي رآها ببصره ووعاها بفؤاده وبصيرته وسمعه لعالم الغيب والشهادة اصطفاء رباني وتكريم رباني لرسول الله، وتذكرة حية لأمته ترغيباً وترهيباً في أصول الدين الحق وفروعه لتظل صور الثواب والعقاب ، المحاسبة والمؤاخذة حية متجددة ماثلة فى القلوب والعقول في الظواهر والسرائر .
رابعاً : إعطاء الأسوة بصادقي الإيمان كأبي بكر – رضى الله عنه – والسلوى وبضعاف العقيدة الذين نهجوا نهج " سمعنا وعصينا " وهم كثر في كل زمان ومكان وهم داء عضال ، تكشفهم المواقف الكبيرة ! .
هذه شذرات من عظات " الإسراء والمعراج " لمن " كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " .
مشاهد في الإسراء والمعراج
المقاصد الكبرى لرحلة " الإسراء " و " المعراج " الرؤية العلمية والبصرية ، ففي الإسراء " لنريه من آياتنا " وفى المعراج " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " ، وهذه المرائي تعليم إلهى ، واجتباء واصطفاء رباني ولتكون هذه المرائي تذكرة للأمة المسلمة فى كل زمان ومكان ، والانتقال الجسدي الروحي يقظة ، شعوراً وإحساساً ، من مكة المكرمة وهى المرادة بالمسجد الحرام فى هذا الموضع إلى القدس حيث بيته المعمور وما سبق وصاحب وتلى من مشاهد تدخل فى " لنريه من آياتنا " ، والصعود إلى ملكوت السماوات وما فيها من مشاهد " ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى " وهذه المرئية سواء كان المرئي الله – عز وجل – أو جبريل – عليه السلام – فإن الرائي محمداً رأى ذلك عند سدرة المنتهى التي عندها جنة المأوى وهى بإجماع المسلمين فى السماء فتكون الآية دالة على وقوع " المعراج".
ووسائل الرؤية في الإسراء البصر والسمع ، والقلب والعقل بدلالة " بعبده " ووسائلها في المعراج الظاهر " ما زاغ البصر وما طغى" والباطن " ما كذب الفؤاد ما رأى".
وتنوعت المرائي المتعلقة بالعقيدة والشريعة والأخلاق ، المتعلقة بعالم الغيب والشهادة فما تعلق الأحكام التكليفية العملية ترهيباً من الإخلال بها .
إضاعة الصلوات : ففي الحديث الشريف " أتى النبي على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رخضت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء فقال : ما هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة " .
منع الزكوات : " ثم أتى على إقبالهم رقاع ، وعلى أدبارهم رقاع ، يسرحون كما تسرح الأنعام ، ويأكلون الضريع والزقوم ، ورضف جهنم وحجارتها ، قال : ما هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكل أموال اليتامى : "انطلق بى إلى من خلق الله كثير ورجال كل رجل منهم له شفر كمشافر الإبل ، ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف فى أحدهم حتى تخرج من أسفله له جوار وصرخ ، قلت يا جبريل : من هؤلاء ؟ قال : هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ... " .
آكل الربا : "ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة ، لا يقدرون لأجلها أنت يتحولوا عن مكانهم ، ويمر بهم آل فرعون حين يعرضون على النار فيطأونهم".
ارتكاب الزنا : "ورأى الزناة بين أيديهم لحم سمين يطيب إلى جنبه لحم غث منتن، يأكلون من الغث المنتن ، ويتركون الطيب السمين".
الخداع في النسب : "ثم أتى رجلاً قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها فقال: ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الرجل من أمتك يكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها".
خطباء الفتنة : "ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد ، كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء ، فقال : ما هذا يا جبريل؟، قال: هؤلاء خطباء الفتنة."