٩٥٪ لا يحصلن على حقهن.. وعُرف الصعايدة «الأرض لا تورث للمرأة» ميراث «حريم الصعيد».. «دم» وكيلو « لحمة» فى العيد!
تحقيق: أشرف التعلبى
كنا نعرف عندما شرعنا فى إجراء هذا التحقيق وكجزء من ثقافة قديمة فى الصعيدأن «حريم الصعيد» كما يتم النداء عليهن لا يحصلن على حقهن فى الميراث كاملاً؛ لكن المفاجأة كانت عندما اكتشفنا أن عُرف الصعايدة هو أن «الأرض لا تورث للمرأة»، وأن ٩٥٪ من النساء لا يحصلن على حقهن الشرعى.
فى الصعيد طلب المرأة للميراث قد يسبب قطيعة أسرية أو نزاعاً بين الطرفين يكون الثأر نهايته، ولا يمكنها اللجوء للقضاء، وتكون «الترضية» هى سلاح «فض الاشتباك» والهروب من تطبيق شرع الله.. وبحكم العرف القبلى الصعيدى تحرم المرأة من ميراثها فى الأرض، إذا كان الزوج لا ينتمى للعائلة نفسها. وغالباً ما يكون ثمن إرثها هو «٢ كيلو لحمة ومائة جنيه» فى العيدين، لزوم صلة الرحم وضمان عدم النزاع مع أشقائها، والحجة دائما هى .. حتى يكون بيت العائلة مفتوحاً فى وجهها إذا ما حدثت مشاجرة مع زوجها وطردها من عش الزوجية.
«١٠ آلاف جنيه نظير التوقيع والتنازل عن عدة أفدنة.. ونسبة من يلجئون للقضاء للحصول على ميراثهن لا تتجاوز ٥٪»، هكذا اشارت دراسة حول ميراث المرأة في الصعيد للدكتورة سلوى المهدى أستاذة علم الاجتماع بجامعة جنوب الوادي.
فى حين تشير دراسات أخرى فى وزارة العدل إلى أن هناك ما يقرب من ٨ آلاف جريمة قتل ترتكب سنوياً بسبب الميراث، و١٤٤ ألف قضية نزاع على الميراث يتم نظرها امام القضاء سنويا، وما يقرب من ٢٥٠٠ قضية حجز على الأبوين.
ثلاث سنوات قضتها سميحة محمد فى المحاكم بحثاً عن ميراث زوجها «ابو المجد»، بعد أن قضت عشرين عامًا معه، فى جمع ثمن ثلاثة أفدنة وعمارتين اشتراهما قبل وفاته بسنوات، لم يكن يعلم «أبو المجد» أن مصير زوجته سيكون قاعات المحاكم بحثا عن لقمة عيش، إلى أن وصل الأمر الى أن يتكالب عليها أبناء عمومته ليأخذوا ميراثها.
منذ وفاة زوجها وهى «تشحت» من إخوتها تكاليف المحامى أو المحاكم لتحصل على ميراثها الشرعى؛ لكن دون جدوى، ولسان حالها: «يا ريت ما عرقت مع زوجي، وحرمت نفسى لشراء قيراط أرض تلو الآخر». وفى النهاية تحول ميراث «زوجة أبو المجد» إلى منازعات قضائية، وقد يتحول إلى دم يسيل بين الطرفين فى المستقبل.
أما حمدية محمود فقد رفضت اللجوء إلى القضاء ضد أخيها؛ خوفا على زوجها وأبنائها من التشاجر، على الرغم من يقينها بأن القانون فى صالحها؛ لكنها لم تحصل على حقها حتى الآن.. شقيقها رفض منحها ميراثها الشرعى بعد وفاة أبيها منذ عشرة أعوام، من قطعة الأرض و عرض عليها مبلغًا من المال كنوع من التراضي؛ لكنها رفضت، ما أدى لحدوث قطيعة بينهما.
«غالبية العائلات لا يمنحون الفتيات ميراثًا خاصة لو كانت حيازات زراعية»، هكذا قالت آمال السيد من محافظة المنيا، مؤكدة أن أخاها رفض منحها الميراث، بحجة «أن البنات مالهاش فى البيوت والأرض»، وجميع أفراد عائلاتنا لا يمنحون أى فتاة نصيبها من الأرض الزراعية.. وفى النهاية اكتفوا بمنحى ١٠ آلاف جنيه نظير التنازل عن حقى فى الميراث، وكان سداد هذا المبلغ بالتقسيط.
«سيدة أربعينية» كانت تعانى من ضائقة مالية، حاولت الفوز بميراثها لتحسن ظروفها المعيشية، فكان الخلع وخسارة إخوتها النتيجة، تقول السيدة .. رفضت الترضية مقابل التنازل عن أرضى التى ورثتها عن أبي، الأمر الذى دفع إخوتى للاتفاق مع زوجى بأن يقنعنى بقبول مبلغ من المال، مقابل التنازل عن ميراثي.
عندما علمت بهذا الاتفاق أقمت دعوى خلع على زوجي، وذهبت للإقامة فى بيت خالى؛ لكن إخوتى حاولوا إقناعى بالعدول عن قراري، والتنازل عن قضية الخلع وبالفعل استجبت لضغوطهم. لكنى اكتشفت أنهم كانوا يبيتون النية لقتلى والخلاص مني، وتم القبض على إخوتي، ومعم أسلحة بيضاء، ومنذ سبعة أشهر إخوتى فى القفص، وقضية الخلع تنظر فى المحكمة.
من جهته، قال الدكتور عصام زناتى نائب رئيس جامعة أسيوط، وعميد كلية الحقوق الأسبق، الدراسة التى تم إعدادها عن تفشى ظاهرة حرمان المرأة فى الصعيد من الميراث، أثبتت أن محافظة أسيوط تعد نموذجا صارخا على الظاهرة، وأيضا فى كل مراكز وقرى محافظات الجنوب، وللأسف فيما يتعلق بالميراث، إذا كان أراضى زراعية، فالمرأة لا تحصل على نصيبها من الميراث؛ إلا فى حالات الإيداعات البنكية فقط، لأن البنك يفرض عليهم الحصص وفق المحاكم الشرعية المعمول بها فى نظام الميراث، وهناك حالة أخرى مرتبطة بالشركات والعقارات التى تقع خارج النطاق الجغرافى للقرية.
«الزناتي» أوضح أن تطبيق ذلك يتم على كافة المستويات الاجتماعية بجميع شرائحها للحفاظ على الحيازات الزراعية من التفتيت، وحرمان المرأة من الميراث، وفى بعض الأحيان تحصل على ترضية وفقًا للحالات المماثلة فى العائلة، وللأسف المرأة نفسها هى من تقود هذه الحملة، من خلال الأم التى تحرم بناتها، أو البنت التى ترى أن إخوتها الذكور أولى بالملكية الزراعية من زوجها، وعادة ما يكون ذلك مع الفتاة حديثة الزواج ولديها أبناء صغار.
«زناتي» يوضح إن الترضية تتفاوت بين العائلات كل حسب قدراتة المادية، وتبدأ من أن إخوتها يقومون بزيارتها فى الأعياد ويمنحونها مبلغًا بسيطًا من المال كعيدية، وتكتفى المرأة بهذه الترضية، وأن يكون بيت أبيها مفتوحاً إذا حدثت مشاجرة بينها وبين زوجها.. وتعتبر أن بيت العائلة أمان لها فى مواجهه الزوج، وبالتالى لا تطلب ميراثها، وإذا طلبت تطلب فى سن متأخرة، بعد أن يكبر أبناؤها، ومن الصعب أن تطلب وهى حديثة الزواج.
وعن نسب النساء التى تحصل على الميراث، قال «زناتي»: يصعب تحديد نسب طالما لا توجد عينة نقوم بإجراء بحث عليها؛ لكن من المؤكد أن الأغلبية لا يحصلن على ميراث وجزءًا بسيطًا يحصلن على ترضية، ومن يلجأن إلى القضاء يتراجعن فى النهاية، ومنهن من يلجأ للقضاء كنوع من الضغط ويكون هذا بدافع من الزوج أو الأبناء، ثم يكون بعدها صلح، وفى النهاية لا تحصل على ميراثها كاملاً، فى حين أن قضايا الميراث لا تكمل للنهاية، وإذا استمرت للنهاية يصعب تنفيذها.
وأكد «زناتي» أن عدد القضايا الخاصة بالميراث تشير إلى أن المرأة لا تحصل على حقها، ومصير الدعاوى تصالحًا فى النهاية أو صعوبة فى التنفيذ، ودائما ما يبعد الزوج نفسه عن المطالبة بميراث زوجته من إخوتها؛ لكن يضع الزوجة أو الأبناء فى وجههم.
والحل يكمن هنا فى تطبيق القانون، ولابد أن يُجرم الحرمان من الميراث، وهناك قانون فى المجلس القومى للمرأة، ولم يتم مناقشته بالبرلمان، ولابد أن يكون هناك عقوبة جنائية بقانون الميراث، بأن تحصل المرأة على الميراث خلال عام من الوفاة، ولابد أن توقع كل الأطراف بأنها حصلت على الميراث، وفى حالة عدم تقديم بيان بتقسيم التركة تكون هناك عقوبة جنائية.
من جهتها، أكدت الدكتورة حنان الحلبى رئيس اتحاد المرأة للتنمية، أن المرأة فى محافظات الوجه القبلى لا زالت محرومة من حقها، وينظر للميراث نظرة معنوية وليست مادية فقط، خاصة إذا تزوجت من رجل لا ينتمى لنفس العائلة.. ومرفوض أن تورث المرأة أراض، ويمكن أن تورث أراض فى حالة زواجها من ابن عمها أو أحد أفراد العائلة، فلا يمكن أن يتقبل الصعيدى أن تذهب أرضه لعائلة أخرى.
وهذه معضلة اجتماعية، ويعانى الصعيد كله من هذه المعضلة، فالقصة فى مالك الأرض وليست فى المرأة، ومن هنا تأتى ظاهرة زواج الأقارب، والتى انتشرت جدا، حتى لا يخرج الميراث، فيترتب عليه تشوهات أو إعاقات فى الأطفال نتيجة العوامل الوراثية من زواج الأقارب، ونسبة الإعاقة ارتفعت نتيجة ذلك، فالحفاظ على الميراث يكون على حساب العوامل الفسيولوجية للإنسان نفسه، وهو ما يسمى زواجًا تعسفيًا.
«الحلبي» تقول إن هناك ما يسمى بالترضية المادية، بأن تحصل المرأة على بعض المال لتوقع وتتنازل عن ميراثها، والعائلات تتخلص من فكرة تقسيم الأرض على النساء بترضيتهن بجزء من حقهن، وكثيرا نرى فتيات تجبرن على الزواج من أحد أقاربهن من أجل الحفاظ على الميراث، ونادرا ما نرى امرأة تأخذ ميراثها كاملاً.
ونسبة ضعيفة تلجأ إلى المحاكم للحصول على ميراثهن، لأن الصعيد يعتبر هذا قطيعة بين المتخاصمين، فلا يقبل الصعيدى أن ترفع سيدة ضده قضية للحصول على الميراث، ونحن نعتبر ذلك أزمة حقيقية، وهذا يضر بالقبيلة أو العائلة.
أما الدكتور ضاحى حمدان أستاذ بمعهد الخدمة الاجتماعية بقنا، فلم يختلف معهم كثيرا، فهو أيضا يرى أن المرأة تأخذ ميراثها عن طريق الترضية، وإذا كان ميراثها أرضًا وإخوتها رجال، يأخذون الأرض وتأخذ مالاً، وما يقرب من ٩٠٪ يأخذن ترضية، إذا مات الأب والفتاة لم تكن متزوجة لا ترفع دعوى قضائية وتتقبل ما تأخذه أو أن يتم تجهيزها للزواج، لكن إذا كانت متزوجة تلجأ للقضاء أو تقبل بالترضية، كما يحدث ثأر ونزاع بين الأطراف بسبب الميراث، وهناك حالات كثيرة راحت ضحية الميراث.
فى ذات السياق، تقول نجلاء رمضان، محامية ومتخصصة فى محاكم الأسرة، إن هناك قضايا متعددة لحصول المرأة على الميراث، وفى الغالب لا تستطيع المرأة الحصول على ميراثها كاملا.
مضيفة: هناك أيضا من يرى أن المرأة ليس لها حق ميراثى بحكم العادات والتقاليد التى تربى عليها وينسى شرع الله، وعندما تذهب المرأة للمحكمة للحصول على حقها، تظل القضية عدة سنوات، مما يدفعها إلى اليأس وترك القضية وحقها الميراثى.