رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الكرامة والتنمية المستدامة بصنع أجدادي الملوك

18-2-2023 | 21:18


مها محسن

ذهبت بالأمس للمرة الثانية بصحبة بعض أصدقاء غير مصريين إلى المتحف القومي للحضارة المصرية، تلك المرة اصطَحَبَ أصدقائي الأم والخالة اللتين تخطتا عمر الثمانين، قاطعين في ذلك عرض المحيط الأطلنطي لبلوغ الأرض المصرية بعد طول تمني، ومن جانبي وكعادتي استنشقت عبق هويتي من رائحة الأماكن وتفاصيل القطع، وارتسمت على وجهي لإرادياً ملامح الفخر والمباهاة المبررة، فهناك أشحن طاقتي من جديد عبر الزمن.

لا أبالغ حين أقول أن هذا الصرح بالأخص يمنحني تلك الخواص بقدر أكبر لأنه مزيج بين الماضي الذي يحتضنه المستقبل، ويحفظه ويحسن عرضه أمام الملايين من السائحين القادمين من أقاصي الكوكب شرقاً وغرباً لرؤية الملوك ومتعلقاتهم بمصر القديمة، وآثار مصر الرومانية والقبطية، ومنسوجات ومخطوطات مصر الإسلامية، حيث تم نقل متحف المنسوجات الذي كان قابعاً بشارع المعز لسنوات وكاد أن يتعرض للسرقة إبان فترات الفوضى منذ سنوات.

كنت فخورة إلى القدر الذي كاد فيها لساني أن ينطق أننا قادرون على صنع الإبهار بخطوات تفوق صنع الجميع مهما بلغ تقدمه، ولا أدل على ذلك من كافة تفاصيل موكب المومياوات الملكية، فتلك الميزة الممنوحة لنا هي أننا لسنا فقط حققنا عناصر الإبهار في القدرة على حسن العرض، بل إننا مازلنا نستكمل طريق الإبهار فيما نعرضه من الأساس، الذي هو مصرياً أصيلاً، لا مسروقاً ولا مستعاراً، وأقل أعمار أصغر قطعة معروضة يتخطي أعمار دولاً بأكملها، بل لا أبالغ حين أقول قارات بأكملها ظهرت منذ بضعة مئات من السنوات لا الآلاف من السنوات كما كنوزنا.

كنت أعاني في داخلي في كل مرة تسوقني الأقدار لزيارة أحد المتاحف بالخارج، وأنا العاشقة لتلك الطبيعة من النزهات، فما من متحف خطته قدماي إلا واحتوى على عدداً من القطع الأثرية المصرية، وكأنه دستور عمل أي متحف أو جواز سفره أمام العوام من الزائرين، كانت المعاناة تبلغ مداها في نفسي حين يمتد الصراع لأقول لنفسي كيف جرأ سكان هذا الكوكب على سرقة وتهريب كل تلك الآثار المصرية إلى الخارج!! وكيف بلغوا من الوقاحة أن يجبروني على أن أدفع هذا القدر من الأموال مقابل أن أدخل لأرى آثار وطني المسروقة!! هي أصعب اختبارات ضبط النفس التي أتعرض لها كلما واجهت نفس الموقف.

وعلى الرغم من كل تلك المشاعر المتضاربة، يتسلل عادة ذلك الصوت من داخلي فيهمس لي أنهم فقراء بائسون خاليون من الحضارة والتاريخ، فيسرقونه كما سرقوا الأوطان والجغرافيا، فيشحذون الإعجاب لما لا يملكون ولم يصنعوا تماماً كما المثل الشعبي "القرعة تتباهى بشعر بنت اختها" ...

وعلى الرغم من هول الآثار المصرية المسروقة في الخارج، فإنه مانزال نمتلك ما يحفظ لنا تاريخنا وحضارتنا على الأرض المصرية، تماماً داخل نفس الحدود التي صنعت فيها وانتمت إليها، وإنني على يقين أن ما يحتويه جوف الأرض المصرية يفوق ما نمتلكه فوق الأرض.

فالأجداد بلغوا من العبقرية ما يحفظ عليهم أسرارهم، ومن الكرم والجود والحكمة ما يحفظ لنا كرامتنا عملاً بمبدأ التنمية المستدامة والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة... ولكن على طريقة الأجداد العظماء.