بعد فترة غياب بسبب جائحة" كورونا" وتفرغها لتكوين بيت وأسرة، وبعد أن رزفها الله بطفلتين جميلتين، عادت المطربة جنات، في حفل "عيد الحب" بدار الأوبرا أكثر تألقا وحضورا، ونقلتنا بمشاعرها من برودة الجو إلى دفء الأحاسيس.
فقد غنت في الحفل أغنية "اوعى" كلمات وألحان عزيز الشافعي وتوزيع هاني يعقوب، حيث ينساب اللحن في نقلاته القصيرة ليدخل الى شغاف القلب مازجا بين الموسيقى الشرقية والغربية ، فبعد المقدمة الكلاسيكية بالناي والقانون، تنطلق جنات مغردة بصوتها الصافي، وأدائها المؤثر، والذي تفاعلت معه جموع الحاضرين.
وهذا ما جعلني أقول إن صوت جنات كفيل بأن يثبت حضوره القوي في الغناء "اللايف" عكس مطربات أخريات لا يغنين الا خلف محسنات الصوت، فهي توصل احساسها من خلال طريقة أدائها الحي، وهذا ما ظهر بوضوح أيضا من خلال تقديمها لأغنية "اللي بيني وبينك"، كلمات خالد منير ونادر عبدالله ولحن محمد رحيم، وهى من أقوى الأغنيات التي تعكس أداء المطربة وتمكنها.
بل إن أغنية "واحشني" كلمات وألحان عزيز الشافعي أسرت قلوب المستمعين، فهي أغنية درامية حالمة يعزف عزيز الشافعي لحنها على أوتار القلوب، وتغنيها جنات باحساس نابع من القلب، وأعتقد أن عبقرية هذه الأغنية تتمثل في اكتمالها من حيث انسجام الكلمات مع اللحن والتوزيع، فكل عنصر فيها يقوم بدوره على أكمل وجه.
وبعيدا عن الشجن الحزين، واللمحة الدرامية قدمت جنات في الحفل لونا مختلفا من خلال أغنية "مسا الجمال"، حيث الايقاع السريع الراقص، وما فيه من حيوية وانطلاق، فاللحن خال من التكلف ومناسب لموضوع الأغنية الداعي للبهجة، وهو لحن سهل ممتنع بتعبيراته الجريئة ومعانيه التي تدور خارج نطاق المألوف.
أما أغنية "خيط ضعيف" كلمات الشاعر بهاء الدين محمد وألحان خالد عز فهي أغنية تحمل قصة حب توشك على الانتهاء حيث تمتزج روعة الشعر بنغمات اللحن الجميل، في جمل رومانسية مليئة بالشجن فالحبيب هو الشمس لكنها توشك أن تغيب.
وأشعلت جنات الحفل أيضا بأغنيات أخرى، مثل أغنية "على فكرة " كلمات أيمن بهجت قمر ولحن محمد رحيم كما أثبتت تألقها في غناء أغنيات أخرى قديمة مثل "موعود" و"انا بعشقك" الحان بليغ حمدي، و"روحي وروحك" ألحان فريد الأطرش.
ربما لا يتسع المقام للإبحار في رحلة نقدية طويلة مع كل أغنيات الحفل، لأن المطربة أسعدتنا ب ١٤ أغنية متنوعة، تعكس مشاعرها، وحسها المرهف، وهي أغان في مجملها تعبر عن الخط العام لتجربتها الغنائية.
لكن يمكن أن نقول ان جنات تميزت في هذا الحفل وغيره باحتلال منطقة نفوذ خاصة، في عالم الغناء العربي، حيث ارتبط اسمها بالرومانسية، فصارت لا تذكر جنات إلا ومعها أغنيات الحب، ولا يمر الاحتفال بـ"الفلانتين" حتى تكون نجمته الأولى.
وسبب تألقها هو تفوقها، فهي دائما مدعومة بجمهورها العريض، ومدير أعمالها الناجح ناصر بجاتو، صاحب الرؤية الثاقبة، والحس الفني، والعمل الدءوب، فهو يسعى لأن يضع مطربته الموهوبة في مكانها الصحيح، ومكانتها التي تليق بها.
فمن خلال مشوارها الفني القصير استطاعت أن تضيف اسمها الى سجل المطربات الأكثر تأثيرا في الوجدان المصري والعربي، فارضة ذلك بخامة صوتها الطاغي وكذلك بابداعها المستمر، فأغانيها تعبر عن نبضات القلوب ومفردات التجارب العاطفية.
ولا أكون مبالغة إذا قلت انها الوريثة الشرعية لفن الطرب النسائي وتطوره عبر الزمن فهي أولا تمتلك شخصية فنية فريدة تجمع بين شقاوة سميرة سعيد، في تمردها، ورصانة رجاء بلمليح، ورقة نجاة الصغيرة وحضور فايزة أحمد، علاوة على أنها لم تهدر موهبتها، وتلهث وراء التقاليع الغنائية الجديدة، فظلت محتفظة بمكانتها الفنية، كـ "ماسة" للغناء العربي، وساعد على ذلك تميزها، وندرة صوتها ودقة اختياراتها وإحساسها العالي.