رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


سلوك الآباء وإنتاج معاول الهدم

22-2-2023 | 17:32


سارة طالب السهيل

سارة طالب السهيل،

من هم الأيادي الخفية التي تسحبنا للأسفل دوما وتسعى لطمس نجاحاتنا سواء كانت هذه الأيدي ناجحة أو فاشلة؟ مَن تكون هذه الشخصية؟ ولماذا نجدها أكثر في شرقنا هذا؟ ربما هم من كان يقصدهم شاعرنا الكبير مصطفى وهبي التل (عرار) حين قال في قصيدته
كمْ حاولت هدمي معاولهم
وأبى الإله فزادني دفعا
أصبحت فرداً لا يناصرني
غير البيان وأصبحوا جمعا
ومناهم أن يحطموا بيدي
قلماً أثار عليهم النقع
ولرب حر عابه نفر
لا يصلحون لنعله شاسعا
هكذا شخصهم عرار وبثقته بنفسه وبنصر الله الحق استمر في نجاحاته وعطائه، «ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط» هذه المقولة لمصطفى كامل لكنها تبدو وكأنها قد خرجت من رحم  الخير التي استودعها الله قلوب عباده بني البشر، وترجمتها الأديان السماوية بصيغ تعكس قيم الأخلاق الرفيعة كنجدة الملهوف، وإنقاذ الغرقى ومساعدة المحتاج والضعيف وإيثار الآخرين وقت الشدة ونصرة الضعيف.

هذه القيم الجميلة نولد بها على الفطرة، وسرعان ما يخف شعاعها مع طريقة التربية التنشئة الأولى التي تكرس للأنانية وحب الذات، فتظهر لاحقا الشخصيات النرجسية والأخرى غير سوية فتدمر نفسها ومجتمعها ولا تحظى بصفاء القلب والروح والراحة النفسية.  

شاهدت فيديو لطفل ابن أربعة أعوام في أحد البلدان الأوروبية وهو يتلقى تدريبه للعبة الكونغوفو، وبينما الطفل يشعر بالخوف من الفشل ويغالب دموعه وإذا بزميل له يسرع لنجدته ورفعه من على الأرض كلما وقع ويتكرر فشل الصغير وفي كل مرة يقوم زميله برفعه من على الأرض، ويتناوب مع زملائه على تشجيع زميلهم الصغير حتى يحقق الهدف، بينما المدرب يتحلى بآيات الصبر وهو يعيد المحاولة للطفل مرارا وتكرارا حتى ينجح في الاختبار.

وكما أبهرني المدرب في صبره على الطفل، فقد أبهرني الطفل الآخر الذي يرفعه عن الأرض كلما سقط، غير أن الذي جعل دموعي تنهمر تأثرا هو مشهد جميع الأطفال وهم يهتفون باسم الطفل الصغير لتشجيعه ودعمه حتى  ينجح.

إنها الفطرة والتربية السليمة وحب الخير التي للأسف تقلصت كثيرا في عالمنا العربي، فقد أعادني هذا الفيديو بالذاكرة للوراء وجعلني استذكر بعض الأمهات في طفولتي، وكيف كانوا يغضبون إذا بناتهن ساعدن زميلاتهن بالشرح أو يوضحن لهن أي شيء بالمدرسة؟؟ يعني زرع الأنانية وحب الذات وعدم المشاركة مع الآخرين منذ الصغر، ناهيك عن المقارنات التي تزرع الحقد والغيرة بين الأطفال ليكبروا ويكبروا معهم أنانيتهم وغيرتهم، وهذا يفسر لنا الكثير من علامات الاستفهام التي تحيط بالإنسان عندما ينجح في عمله أو دراسته بأي مجال، وكيف يسبب نجاحه إحراجا لأصحاب النفوس الضعيفة هذه، وخاصة ممن يربطهم معك رابط معين زمالة أو صلة دم.

هل سألنا أنفسنا عن السبب؟ أنها التربية ولنواجه أنفسنا كخطوة لتتغير وللنعم بالسلام الاجتماعي والنفسي، فأنانية الطفل ترجع دائماً إلى سوء تربية الوالدين من خلال المبالغة في التدليل، واستحسان ومدح تصرفات الطفل دون تمييز بين الصواب والخطأ، وتلبية كل احتياجاته، وعدم تدريبه على مساعدة نفسه والآخرين بشكل عام، وبشكل خاص سبب هذا السلوك تحديدا هو أن أهل الطفل مقفولان على ذواتهم قلوبهم جامدة لا يستطيعون العطاء فينقلون هذه السلبية إلى الطفل بأن يبقى أناني يريد أن يستحوذ على كل شيء لنفسه فقط لا يطيق رؤية دمية جميلة أو دراجة جديدة في يد زميله ويبكي قهرا لو زميله كان الأول على الصف من هنا تكون البداية، بداية إنتاج رجال وسيدات المستقبل سلبيين لا يقبلون مشاركة النجاح والأفراح والأتراح منغلقين لا يمكنهم العمل الجماعي وهذه الشخصية هي نفسها التي عندما تكبر تعمل على تحطيم المبدعين ومحاربتهم سواء كانوا سياسيين أو علماء وأطباء أو مبدعين وهو نفسهم الذين سيسرقون تعب المجتهد وأفكار المبدع وعطاء الخيرين لينسبوه لأنفسهم وهو نفسهم خرابات البيوت العامرة إذا رأت صديقتها مستقرة وسعيدة تحاول بشتى الطرق تدمير حياتها وهو نفسهم من يطلقون الإشاعات الصفراء الكاذبة على الناجحين لتغطية فشلهم

هل نريد هذه النماذج في المجتمع؟

إذا انتبهوا على تربية أطفالكم لأن المجتمع نواته تبدأ من البيت الصغير، لذلك علينا علاج هذا الخلل بالإسراع في دفع الأطفال للمشاركة ببعض الأنشطة الرياضية الجماعية كمفتاح في التغلب على الأنانية، وكذلك الأنشطة الفنية الجماعية كالرسم والموسيقى وسط الأصحاب والأصدقاء وتعليم الطفل أن العالم لا يدور حوله وأنه ليس مركز الكون وأن هناك مثله أطفال شاطرون وناجحون وحلوين إلى آخره من الصفات.

على الآباء ضرورة اكتساب خبرة التربية أما من الخبراء المتخصصين في مجالات التربية أو القراءة في فنون سيكولوجية الطفل وتنشئته بحيث يتعلم الآباء كيف يعبرون عن حبهم لطفلهم دونما تدليل زائد، ورفض تسلط الطفل برأيه أو أن يكون هو محور الكون حتى لا تتولد لديه الأنانية والغرور، مع تجنب أيضا التعنيف الزائد للطفل على أخطائه لأنه أيضا يولد شخصا أنانيا يريد أن ينجو بنفسه.

فالاعتدال في التربية هي أساس الحفاظ على فطرة الأطفال سليمة، فعلى الوالدين إظهار الحب ومدح صغيرهما دون إفراط حتى يشعر بتقدير ذاته، لكن في الوقت نفسه يجب عدم إظهار الأبوين للطفل أنه مميز طول الوقت على أقرانه أو أنه أفضل من غيره، وأن الأفضلية بالنجاح ومساعدة الآخرين والصبر على تحقيق الأهداف، وحب الخير للغير واحترام رغباتهم.