رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


«نظرة على علم الميثولوجيا»

24-2-2023 | 13:43


د. شيرين الملواني,

عند طلب تفسير كلمة الأساطير مُعجميًا؛ نجدها تُعرَّف بالأباطيل، يُقابلها في اليونانية مُصطلح "ميثولوجيا"MYTHOLOGY ، حيث الشق الأول من الكلمة "ميثو" ( MYTHO) مأخوذة من الكلمة اليونانية  (MUTHO)؛ وتعنى حكاية تقليدية عن الآلهة والأبطال، والشق الثاني (LOGY) وتعنى العلم.

وأجمع المتخصصون كَون الأساطير بالمفهوم الكلاسيكي؛ هي مجموعة خُرافات وأقاصيص عن الأبطال في غابر الزمان، تعكس تخيلات وثقافة العصر الذي صيغت فيه؛ لذا نجد فيها مشاعر إنسانية جياشة أو أحاسيس، وتصوُّرات ومواقف، تُطلعنا على فلسفة الإنسان في الوجود، وعلى محاولاته الفكرية الأولى، كمردود لخلاصة تجاربه وماضيه؛ وعليه فنحن نرى الأسطورة تسجيلًا للوعي الإنساني واللاوعي في آنٍ واحد.

 يمكننا المجازفة بالقول أن الأسطورة وإن اشتملت على أحلام وانفعالات وتصوُّرات وأخيلة، فإنها اشتملت أيضًا على حقائق يمكن أن تنكشف بوضوح إذا عرفنا كيف نفسرها؛ حيث تعتبر الأسطورة السجل الأمثل للفكر وواقعة في مراحله الابتدائية.

الأسطورة لا يمكن لأحد أن يدَّعى حق تأليفها، فهي مجهولة الأصل والمؤلف -بل وأحيانًا- المنشأ والتاريخ، لذا فهي تختلف عن الخرافة، فنجدها معالجة شعرية خيالية لمادة تاريخية، بينما لا ترتبط الخرافة بالتاريخ، فالأسطورة تظهر في نص أدبي جذاب، وغالبًا في أبيات شعرية، وقد قام "هوميروس" الشاعر اليوناني بتدوين معظم أساطير عصره في الإلياذة والأوديسة.

وتختلف نظرة تأويل الأسطورة من فكر لآخر؛ فهناك من يعتبر الأسطورة خرافة ووهم، حملت جانب فكرى وروحي ضئيل.

و هناك من يظن أنها تمثل أعمق منجزات الروح الإنسانية، والعقل الإنساني البكر، الذي لم يخضع للفحص العلمي ولا للعقلية التحليلية.

وأجمع الغالبية على كونها "علوم عصر ما قبل العلوم ".

وظن البعض أن الأسطورة هي تعبير عن الواقع الذي يعيشه الإنسان، فمثلًا الأسطورة البابلية "أينوما إيليش " تظهر الكون على هيئة دولة يحكمها الآلهة، وتُتخذ فيها القرارات عن طريق الاقتراع، وبالتدقيق نستخلص كون علم "الميثولوجيا" له كافة خصائص العلم وسماته التي تميّزه عن غيره، وتحدد له مساره، وتُقيم له كيانه.

يعتبر "E.B.Taylar" من أشهر مؤسسي المدرسة الأنثرويولوجية والتي تتكل على الميثولوجيا من أجل التحقق؛ لذا سعت لجمع الأساطير المتشابهة في مجموعات للوصول إلى علم حقيقي لهذه الأساطير، وأعتبر "هربرت سبنسر " Herbert Spencer صاحب فلسفة التطور أن الأساطير نصوص من عبادات الأسلاف، وقامت تلك المدارس في مجملها على عدة مناهج محددة.

 المنهج اليوهيمري؛ الذي يعد أقدم تلك المناهج، ويرى الأسطورة قصة لأمجاد أبطال أو فضلاء غابرين.

و المنهج الطبيعي؛ الذي يعتبر أبطال الأساطير ظواهر طبيعية تم تشخيصها في أسطورة اعتبرت بعد ذلك قصة لشخصيات مقدسة.

يليهما المنهج المجازي؛ والذي يعتبر الأسطورة قصة مجازية تخفى أعمق معاني الثقافة.

ثم يأتي المنهج الرمزي؛ والذي تبنى رمزيتها؛ حيث رآها تُعبّر عن فلسفة كاملة لعصرها، لذلك يجب دراسة العصور نفسها لفك رموز الأسطورة.

وأخيرًا وليس آخرًا المنهج العقلي؛ الذي يذهب إلى نشوء الأسطورة نتيجة سوء فهم أو خطأ أرتكبه مجموعة من أفراد في تفسيرهم أو قراءتهم أو سردهم لراوية أو حادثة أقدم. وهذا يقودنا للمنهج الشائع وهو منهج التحليل النفسي؛ الذي يحتسب الأسطورة رموزًا لرغبات غريزية وانفعالات نفسية تعكس واقع عصرها.

ونأتي للسؤال عن علاقة الأدب بالأساطير، هل تبادلا الخدمات فيما بينهما ؟ هل كان للأسطورة أثراً على الأدب وتم توظيفها لخدمة الهدف منه؟.

من وجهة نظري كأكاديمية؛ لم يستطع الأدب التخلي عن توظيف الأسطورة، ولا تزال الأسطورة تحيا طيلة هذه الأزمنة بفضل توظيف الأدب لها، فالعلاقة التي تربط الأدب بالأسطورة هي علاقة جدلية يشوبها مدّ وجزر، فالأدب ترعرع في أحضان الأسطورة، وكانت مُلهمة الأدباء والشعراء بل أصبحت من أهم رموز الحداثة الأدبية. غير أن إغراق الأدب في جانبه الأسطوري أدخله إلى عوالم الغموض والإبهام، ووصل إلى حد إفساد المعنى. لهذا فالعلاقة التي تربط الأدب بالأسطورة هي في حقيقتها علاقة يشوبها التوتر والارتباك، فهي قد تكون مادة الأدب الخام، وقد تكون أيضاً نصًا أدبياً بامتياز، وبين هذا وذاك يبقى النقد يبحث في هذه العلاقة الجدلية والمرتبكة، وتستمر الدراسات والأطروحات عن جدوى وتأثير كل منهما على الآخر.