«الوزراء»: التحول نحو الصناعات الخضراء يتطلب نهجًا تشاركيًا بين الحكومات وأصحاب المصالح
أكد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، أن التحول نحو الصناعات الخضراء يتطلب نهجًا تشاركيًا، ما بين الحكومات والمؤسسات الصناعية ومختلف أصحاب المصالح.
جاء ذلك في إصدار مركز المعلومات لورقة سياسات جديدة بعنوان "الصناعات الخضراء".
وأشار المركز إلى أن ذلك التحول يشمل العديد من جهود صنع السياسات، وتحسين عمليات الإنتاج الصناعي، وتعزيز الإنتاجية، إلى جانب تحقيق الكفاءة في استخدام الموارد، ويبرز التحول نحو الصناعات الخضراء كطوق نجاة عالميًا على مختلف الأصعدة؛ لتحقيق التوازن بين استمرارية التنمية الاقتصادية والصناعية من جهة، واستدامة الموارد والحفاظ على البيئة في مواجهة تغير المناخ من جهة أخرى.
ولفت إلى أن مفهوم الصناعة الخضراء ازداد الحديث عنه في ظل التحول العالمي نحو التنمية المستدامة، وسعي الاقتصادات للتحول نحو مسار نمو أكثر استدامة من خلال هذه الصناعات عن طريق القيام باستثمارات عامة خضراء، وتنفيذ مبادرات السياسة العامة التي تشجع الاستثمارات الخاصة المسؤولة بيئيًا.
واستعرضت الورقة أبرز دوافع التوجه نحو الصناعات الخضراء، فعلى الصعيد البيئي تعمل الصناعة الخضراء على تقليل استهلاك الطاقة وزيادة كفاءتها، وتقليل النفايات الناتجة عن الإنتاج عبر إعادة تدويرها، وتقليل التكاليف البيئية الإجمالية من استخراج المعادن البكر، وتوظيف التكنولوجيا بما يتوافق مع المعايير البيئية العالمية، واستبدال المواد الخطرة السامة الداخلة في الصناعة بمواد أقل سمية.
أما على الصعيد الاقتصادي، تعد الصناعات الخضراء إحدى أهم مقومات الاقتصاد الأخضر، كما أنها تسهم في تجنب تكاليف التخلص من النفايات وتقليل تكاليف شراء المواد الخام وتكاليف الطاقة والمياه، وفتح مجالات جديدة للاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة وفتح مجالات جديدة لتقديم الخدمات ذات الصلة بالإنتاج النظيف، وكفاءة استخدام المواد الخام، بما يحد من اضطرابات سلاسل توريد المواد الخام.
وأشار مركز المعلومات إلى متطلبات التحول نحو الصناعة الخضراء، حيث تعد عملية التحول طويلة وتستلزم تكثيف الجهود من مختلف الأطراف على كافة المستويات، وذلك عبر عدد من الجهود أبرزها تقييم انعكاسات سياسات تغير المناخ على العمالة لمساعدة الدول على تبني خيارات تتلاءم مع ظروفها وخططها الوطنية، واعتماد المعايير البيئة في البناء والتشييد والتصدي لمشكلة النفايات وتدويرها، بما هو مفيد وصديق للبيئة، ومراجعة السياسات وتحسين التشريعات والقوانين واللوائح وتغيير آليات أسواق العمل والتدريب والتأهيل.
وتضمنت الورقة كذلك أبرز الخبرات الدولية في مجال التحول نحو الصناعة الخضراء والسياسات والأطر والقوانين والبروتوكولات التي اتخذتها تلك الدول في هذا الشأن، وذلك من خلال استعراض تجارب دول الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والصين، والهند، وألمانيا التي تُعد من أكثر الدول طموحًا في محاولات تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ حيث نجحت عام 2020 بالفعل في تقليل الانبعاثات بنسبة 40.8%، وأعلنت ألمانيا عن خطتها للوصول للحياد المناخي عام 2045، ولتنفيذ تعهدها التزمت الحكومة الألمانية بحزمة من الإجراءات العملية منها استعمال الفحم الحجري كليًا سنة 2030، كما التزمت بإنتاج 80% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2030.
ومن الخبرات العربية.. تم استعراض تجربة دولتي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث بلورت الإمارات هدفًا استراتيجيًا لاستخدام الموارد المالية المتولدة من صناعتها النفطية لدعم تطوير اقتصاد أخضر مستدام ودعم التحول نحو الصناعة الخضراء، أما المملكة العربية السعودية فهي تعتزم تأسيس أكبر مشروع هيدروجين أخضر في العالم بمدينة (نيوم)، كما تستهدف تصدير الهيدروجين الأخضر بحلول 2026، ومن المخطط أن يبلغ الإنتاج اليومي لهذا المشروع نحو 650 طنًا من الهيدروجين الأخضر و1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء.
واستعرضت الورقة تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2022، والذي ينظر نظرة متفائلة للمنطقة العربية بموجب تحولها عن الاقتصاد القائم على الوقود الأحفوري نحو اقتصاد يعتمد على الطاقة المتجددة والاستخدام الكفء للطاقة، وبناء اقتصاد قائم على المعرفة والتكنولوجيا الفائقة مع خلق فرص لتوظيف الشباب، وأكد التقرير أن الطاقة الشمسية تلعب دورًا استراتيجيًا في الجهود العربية لتنويع استهلاك الطاقة وتعزيز أمن الطاقة بالمنطقة.
كما استعرض مركز المعلومات، الصناعات الخضراء في مصر، حيث توقعت إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية أن مصر ستكون من بين أفضل 20 دولة عالميًا في إزالة انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، ويعد استضافة مصر للدورة الـ 27 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27) تتويجا للجهود المصرية المبذولة على مدار السنوات الماضية، لمواكبة الأهداف المناخية عبر التحول نحو الاقتصاد الأخضر، فالجهود المصرية في هذا الصدد تعكس انتقال الدولة من التعهدات المناخية إلى مرحلة التنفيذ الفعلي على أرض الواقع.
وأوضح المركز الحقائق والأرقام المتعلقة بالآثار البيئية لقطاع الصناعة في مصر، حيث وصلت كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المُنتجة خلال عام 2020 إلى 325 ألف طن مكافئ، كما ساهمت مصر بنسبة 0.61% في الانبعاثات العالمية خلال 2020، كما تناولت الورقة المؤشرات الرئيسة للصناعات الخضراء في مصر، حيث بلغ عدد مصانع تدوير القمامة 51 مصنعًا في 2020، وبلغ عدد المصانع التي تطبق مفهوم الاقتصاد الأخضر خلال العام ذاته 24 مصنعًا، ووصل عدد محطات معالجة الصرف الصحي خلال 2020 إلى 421 محطة، فيما وصلت عدد الخدمات التي قدمها مركز تحديث الصناعة إلى 836 خدمة في مجال الاقتصاد الأخضر منذ يونيو 2014 وحتى 2022، ومن المستهدف تدشين 14 مشروعًا أخضر في 5 قطاعات بتمويل متوقع يبلغ 844 مليار جنيه خلال الفترة من (2023 /2024) إلى 2030.
ووصلت تكلفت إدارة المخلفات الصلبة بطريقة صحية آمنة إلى 12 مليار جنيه، وتم تطوير البنية الأساسية لمنظومة النظافة بإنشاء 94 محطة وسيطة ثابتة ومتحركة، و52 خلايا دفن صحي، ورفع كفاءة وإنشاء 63 مصنع تدوير، وإغلاق المقالب العشوائية، ورفع التراكمات التاريخية، وإصلاح معدات النظافة، وبلغت تكلفة توليد الطاقة الشمسية والرياح 5.6 مليار جنيه، وتم زيادة مساهمة الطاقة الجديدة والمتجددة إلى 42% من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة، وذلك من خلال تخصيص نحو 1.6 مليار جنيه لتوليد الطاقة الشمسية، و4 مليارات جنيه لتوليد طاقة الرياح.
وأشار المركز إلى بعض قيم المشروعات الخضراء المستهدفة في الموازنة العامة للدولة المصرية خلال (2022 /2023)، حيث بلغت النسبة المستهدفة من الاستثمارات العامة الخضراء من جملة الاستثمارات العامة 40%، وبلغت تكلفة المشروعات الخضراء المستهدفة في خطة الموازنة 336.1 مليار جنيه، كما بلغت تكلفة المشروعات الخضراء في قطاع الكهرباء 2.4 مليار جنيه، بالإضافة إلى 2.8 مليار جنيه تكلفة المشروعات الخضراء في قطاع التنمية المحلية، و4.5 مليار جنيه تكلفة المشروعات في قطاع الإسكان، و26.4 مليار جنيه تكلفة المشروعات الخضراء في قطاع الري.
وأوضحت الورقة دور المنظمات الدولية في دعم الجهود المصرية للتحول الأخضر، حيث أطلق البنك الأوروبي مبادرة "التحول نحو الطاقة الخضراء" في مصر، وقدم "الصندوق الدولي للتنمية الزراعية" مجموعة من المقترحات لدعم رئاسة مصر لمؤتمر (COP 27) ومنها توجيه التمويل المتعلق بالمناخ والبيئة إلى صغار المزارعين، من خلال برنامج "التكيف من أجل زراعة أصحاب الحيازات الصغيرة"، وقدمت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية مجموعة من المشروعات المقترحة مثل "مشروعات النقل الكهربائي وكيفية خفض الانبعاثات الكربونية من الصناعات وتعزيز ريادة مصر في ابتكارات التكنولوجيا النظيفة للعمل المناخي وتحول الطاقة".
وعقدت المفوضية الأوربية شراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي من خلال برنامج "NDICI" للفترة بين (2021-2027)، وتتضمن تقديم الدعم المادي في مجموعة من المجالات ذات الأولوية مثل التنمية الخضراء المستدامة وتنمية القدرات البشرية، وتم اعتماد ما قيمته 240 مليون يورو للفترة الأولى من البرنامج "2021-2024" لدعم مجموعة من القطاعات مثل التعليم والصحة وتنمية الريف والحضر والطاقة وإدارة المخلفات، وذلك في ضوء رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030.
وأشارت الورقة إلى التمويل والاستثمارات الداعمة للتحول نحو الصناعة الخضراء، حيث اتخذت الدولة المصرية العديد من الإجراءات المحفزة للتحول في مختلف القطاعات، عبر توفير المزيد من التمويل، إلى جانب العمل على جذب المزيد من الاستثمارات الخضراء، ومن أبرز تلك الإجراءات الإعداد لحزمة تمويل مبتكرة من خلال صندوق لدعم الطاقة في الصناعة بالتعاون مع العديد من شركاء التنمية، وإطلاق مشروع التحول الأخضر للإنتاج والاستهلاك المستدام، والتنسيق مع مصلحة الجمارك بحظر تصدير خام الكوارتز وخام الرمال البيضاء ذي النقاء الأعلى من 98%، مع حظر استخدامها على الصناعات التكنولوجية والاستراتيجية السيليكونية، بالإضافة إلى التفاوض مع مجموعة من الشركاء الأجانب لإنشاء "المجمع الصناعي لإنتاج الألواح الشمسية، ومصنع لإنتاج الخلايا الشمسية من رمال السيلكا المصرية بطاقة 1 جيجا وات سنويًا".
كما تم تناول جهود الدولة المصرية لتمويل المشرعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، حيث تم إطلاق مشروع النمو الأخضر الشامل بالتعاون مع (اليونيدو) والوكالة السويسرية للتنمية، ويستهدف تعزيز مساهمة المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في تحقيق الأهداف البيئية وجعلها أكثر مواتاة لريادة الأعمال والنمو وخلق فرص عمل في مجال الاقتصاد الأخضر، بالإضافة لذلك تم تدشين مشروع المصنع المفتوح، والذي يسعى لتطوير الصناعة المصرية، من خلال خلق بيئة تخيلية باستخدام تكنولوجيا المعلومات لاحتضان الابتكارات والأفكار، من أجل إنشاء نظام بيئي تحولي وتعاوني قادر على تطوير القدرات الصناعية المصرية في قطاعي المنسوجات والجلود مع إعطاء أولوية لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وتم إطلاق المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية بمحافظات جمهورية مصر العربية كمبادرة رائدة في مجال التنمية المستدامة والذكية والتعامل مع البعد البيئي وآثار التغيرات المناخية على مستوى المحافظات للمشروعات الخضراء وجذب الاستثمارات اللازمة لها، وتم إطلاق المنصة الوطنية لبرنامج "نوفي" للمشروعات الإنمائية الخضراء الخاصة بمصر، وتم تصميم تلك المنصة لتكون نموذجًا مصريًا يمكن تكراره في مختلف أنحاء العالم وبصفة خاصة في الدول الإفريقية النامية والأقل نموًا.
وتبنت الدولة المصرية بالفعل بعض المشروعات من أجل دعم التوجه نحو الصناعة الخضراء من أبرزها، مشروع نظم الخلايا الضوئية الصغيرة المتصلة بالشبكة "EGYPT-PV"، ومشروع استخدام الطاقة الشمسية في عمليات التسخين في الصناعة، ومشروع رفع كفاءة المحركات الكهربائية في العمليات الصناعية بالتعاون مع "اليونيدو".
وفيما يتعلق بتوطين السيارات الكهربائية، اعتمدت الحكومة المصرية حافزًا نقديًا يُقدر بـ 50 ألف جنيه مصري للمستهلك لكل مركبة كهربائية محلية الصنع، بالإضافة إلى الإعفاء من ضريبة الترخيص ورسم تنمية موارد الدولة، أما بالنسبة لقطاع الطاقة، تبنت الدولة المصرية العديد من الإجراءات والاستراتيجيات لتعزيز التحول نحو الاعتماد على مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، وهي إطلاق استراتيجية الطاقة المستدامة المتكاملة "ISE 2035"، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لكفاءة استخدام الطاقة المستدامة المتكاملة (2018-2022)، وإعداد مقترح سياسات واستراتيجية كفاءة الطاقة بالتعاون مع منظمة (اليونيدو) وترشيد استهلاك الطاقة في 1600 مبنى حكومي وإداري بأكثر من 70 ميجاوات، وبدء إقامة محطات طاقة شمسية فوق 65 سطحًا للمباني الوزارية بالحي الحكومي في العاصمة الإدارية.
وفيما يخص قطاع الكهرباء، اتخذت الدولة المصرية مجموعة من الإجراءات لتحسين كفاءة الطاقة في قطاع الكهرباء، وتتضمن برامج الصيانة لمحطات إنتاج الطاقة الكهربائية وأعمال الترقية للمحطات المتواجدة واستبدال المتهالك منها؛ مما ساهم في تخفيض استهلاك الوقود المستخدم في عمليات الإنتاج إلى قيمة 180.4 جيجا متر/ كيلووات في الساعة في العام المالي (2021/2020).
وحول ما يتعلق بالهيدروجين الأخضر.. تحتل مصر الصدارة في إجمالي المشروعات التي تستخدم الهيدروجين الأخضر والأزرق على مستوى الدول العربية، وقد تبنت الدولة العديد من الجهود لتعزيز توطين صناعة الهيدروجين الأخضر، وفيما يخص قطاع النقل فقد تم تدشين مجموعة من المشروعات في قطاع السكك الحديدية في إطار التحول نحو الطاقة النظيفة والمتجددة مثل القطار الكهربائي فائق السرعة، والقطار الكهربائي الخفيف.
وفي الختام، استعرض مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار مجموعة من السياسات المقترحة والتوصيات من أجل مواكبة التوجه نحو الصناعة الخضراء، والتي جاء من أبرزها تعزيز توطين الصناعات محليًا، والعمل على تحديث الأطر التشريعية والقانونية وتطويرها، بما يتسق مع متطلبات الصناعات الخضراء وسن المزيد من القوانين الساعية نحو تقليص معدلات تلوث البيئة وتشجيع التحول نحو الصناعات الخضراء والاقتصاد الدوار، بالإضافة إلى تعزيز الحوافز الضريبية والإعفاءات الجمركية للقطاعات والأنشطة الصناعية، التي تسعى للتحول الأخضر ومراعاة البيئة وتحقيق إعادة التدوير، وتكثيف الشراكة مع القطاع الخاص وتعزيز جهوده في التحول الأخضر، وتعميق دور المستثمرين وشركات القطاع الخاص في مجالات الصناعات الخضراء.