رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


وغاب ضمير المُغَنْيِ .. سيد حجاب

14-2-2017 | 20:18


كتب : أحمد إبراهيم أحمد – عدسة : حسام عبد المنعم

منين بيجي الشجن؟

من اختلاف الزمن.

ومنين بيجي الهوى؟

من ائتلاف الهوى.

ومنين بيجي السواد؟

من الطمع والعناد.

ومنين بيجي الرضا؟

من الإيمان بالقضا...

من انكسار الروح في دوح الوطن...

من احتضار الشوق في سجن البدن...

من اختمار الحلم يجي النهار...

يعود غريب الدار لأهل وسكن.

كتب سيد حجاب أشعاره بالعامية المصرية، وأسس مع آخرين (بنصيب الأسد) مفهوماً فنياً راقياً لمقدمة الدراما التليفزيونية والأغنية المفسرة للمواقف الدرامية والداعمة للمعنى في الدراما المصرية؛ هذا الأسلوب الذي انتقل من الدراما المصرية للعربية.

نشأة وموهبة

ولد سيد حجاب في المطرية بمحافظة الدقهلية يوم 23 سبتمبر 1940 م وترك دنيانا الفانية يوم 25 يناير 2017 م كما لو كان قد اختار يوم موته احتجاجاً على عدم نجاح ثورة 25 يناير في تحقيق أهداف العيش والحرية والكرامة الإنسانية، وكان لنشأته في المطرية مدينة الصيادين الواقعة على ضفاف بحيرة المنزلة تأثير كبير على كتاباته الشعرية فقد كان مثقفاً منتمياً، وبدا ذلك واضحاً منذ ديوانه الأول (صياد وجنيه) وكان من اصدقائه الفنان التشكيلي عبد المنعم السحراوي، وأنتجت هذه الصداقة أعمالاً فنية مشتركة منها كتاب عن المطرية بعنوان (بلدنا بحيرة ومدنة) كتب أشعاره سيد حجاب، ورسمه السحراوي.

أنا ابن بحر... ابن بحر

ابن اللى رضع حليب النجمة حنية وفجر وبعدها جه واترمى فى حضن أبويا وأمى وأخواتى الكتار

خَلاَ شماريخ فكرنا تطول السما

ومهما أقول ما ينتهي لى بحر...

قول دا البحر جنبى...

البحر يوماتى بتنعس شمس فيه...

أقدر أجيب الشمس تملينى الكلام...

كلام بيتنفس سلام.

بدأ دراسته الجامعية عام 1956 م بقسم العمارة في كلية هندسة جامعة الإسكندرية، ثم انتقل عام 1958 م لجامعة القاهرة ودرس هندسة التعدين، وبدأت تظهر موهبته الشعرية على يد والده ومعلمه الأول الذي كان يشاهده يلقى الشعر للصيادين حول الموقد في ليالى الشتاء الباردة في جلسات المصطبة ويستمع لهم حيث يلقي كل صياد ما تجود به قريحته من زجل، فكان يدون ما يقوله الصيادون ويحاول تقليده دون أن يعرف أحد حتى أطلع أباه على قصيدة كتبها عن شهيد اسمه نبيل منصور فشجعه على المضى في كتابة الشعر، ثم دخل المدرسة وصادق معلمه الثاني مدرس الرسم والمشرف على النشاط الرياضي بالمدرسة الأستاذ شحاتة سليم نصر الذي علمه الكتابة عن مشاعر الناس، وتعرف حين انتقل للقاهرة على أستاذه الثالث صلاح جاهين الذي تنبأ بأنه سيكون صوتاً مؤثراً في الحركة الشعرية المصرية، ثم التقى حجاب بعبد الرحمن الأبنودى في إحدى الندوات، وأصبحا من الأصدقاء المقربين، وكتب للأطفال في مجلتي سمير وميكي من إصدارات دار الهلال خلال الفترة من 1964 إلى 1967 م وشارك في إصدار مجلة من أهم المجلات الثقافية المصرية مجلة (جاليرى 68) ونشر بها بعض الدراسات والأشعار.

يـارب ليه البكـا عشش علي دارنـا؟

والحزن مال واتكا وحّش اخضرنا؟

هو والمطربون

احتفى المثقفون فى منتصف ستينيات القرن الماضي بأول دواوينه (صياد وجنية) وبدأ انتشاره الشعري عبر برامج إذاعية شعرية مثل (بعد التحية والسلام - عمار يا مصر - أوركسترا) وكان يقدم عبد الرحمن الأبنودي معه البرنامج الأول بالتناوب، يقدمه كل منهما خمسة عشر يوماً ثم بدأ كل منهما بعد فترة في تقديم برنامج منفصل، وبدأ تواجد حجاب في الندوات والأمسيات الشعرية والأعمال التليفزيونية والسينمائية، وقدمه صلاح جاهين لكرم مطاوع فكتب له مسرحية (حدث في أكتوبر).

غنى له كبار المطربين حين كتب الأغنية فغنت له عفاف راضي، وسميرة سعيد، وصفاء أبو السعود، وفريق الأصدقاء (المكون من علي عبد الخالق وحنان ومنى عبد الغني) ثم غنى له علي الحجار بعضاً من أنجح أعماله؛ كذلك غنى له محمد منير في أول ألبوماته أغنية آه يا بلاد يا غريبة، ثم كتب له أربع أغنيات في ألبومه الثاني؛ كما كتب الأغاني الدرامية التي غناها ممثلون كبار كعبد المنعم مدبولي، ولحن له كبار الملحنين مثل بليغ حمدي وعمار الشريعي وهاني شنودة، وكتب أشعار فوازير شريهان وغيرها فقد كتب أربعة أدعية دينية للإذاعة غنتها عفاف راضي، وتميزت علاقته بالملحن المبدع عمار الشريعي والمطرب علي الحجار حيث نجح هذا الثلاثي في تحقيق انزياح فني حقيقي وإيجابي للأغنية المصرية نجح في نقلها من خانة الزجل البسيط الذي لا يتجاوز البكاء أو التباكي على الحبيب المجافي لأبعاد شعرية وجمالية جديدة ذات خصائص بداعية ودرامية.

الأغنية الدرامية

لعب سيد حجاب دوراً مهماً في تطوير ما يمكن تسميته الأغنية الدرامية حين ألف العديد من مقدمات وأغاني المسلسلات، وقد شهد عام 2006 م نشاطاً مميزاً له فقد كتب وحده في هذا العام المقدمة والنهاية لست مسلسلات هي (أحلام لا تنام - بنت بنوت - القاهرة ترحب بكم - القاهرة 2000 - نعمة - حارة الزعفراني) إضافة لحوالي خمس عشرة أغنية درامية داخل الدراما.

وأشهر مقدمات لمسلسلات التليفزيونية التي كتبها سيد حجاب هي مقدمة مسلسلات (أرابيسك - العائلة - المرسى والبحار - الأيام - عصفور النار - وقال البحر - البحار مندى - الوسية - أميرة في عابدين - بوابة الحلواني - ليالي الحلمية - المال والبنون -كناريا وشركاه - شرف فتح الباب - الحقيقة والسراب) تميز منها مقدمة مسلسل ليالي الحلمية التي مازالت عالقة بالأذهان، تُجسد حالة الشجن والحنين إلى مرحلة تاريخية هي الأهم في تاريخ مصر الحديث، كذلك مسلسل بوابة الحلواني التي أبدع في كتابة كلمات مقدمتها مستغلاً المثل الشعبي الشهير "اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني" ومقدمة مسلسل الشهد والدموع التي كانت حمولتها الشعورية كلمات مليئة بالشجن والحنين، ومسلسل أرابيسك الذي حظيت مقدمته بنجاح كبير خلدها في ذاكرة المشاهدين، وكانت مقدمة مسلسل المال والبنون من الأشهر إطلاقاً لتناغم المقدمة مع الأحداث الدرامية بالمسلسل وصراع الخير والشر الذي لا ينتهي، ونالت اللهجة الصعيدية قسطاً كبيراً من العناية في مقدمة مسلسل الليل وآخره الذي حصد انتشارًا كبيرًا مازال صداه حتى الآن، وجاءت مقدمة مسلسل أوبرا عايدة "الشهرة سيد أوبرا... فن الأوبرا هوايته الكبرى... والمهنة إنسان أفوكاتو... المحاماة والأوبــرا حياته." كمنافستو للشخصية الرئيسية في المسلسل، يذكر بهويته مع كل حلقة، وكانت مقدمة مسلسل مين ما يحب فاطمة سؤالاً وجهه سيد حجاب للمشاهدين "مين ده اللى ما يحبش فاطنة؟" معبراً عن هوية البطلة منذ اللحظة الأولى للمشاهدة، وجاء مسلسل أميرة في عابدين ليعبر عن التحول في أخلاقيات الطبقة المتوسطة ودور الرغبة في الصعود الاقتصادي والاجتماعي في تدمير هذه الطبقة وأخلاقياتها التي تمثل العامود الفقري للمجتمع، ثم كتب مقدمة مسلسل العائلة كتحذير مرير للمجتمع من صعود الفكر المتطرف وخطره على بنية المجتمع المصري كأداة لتفكيك هذا المجتمع، ومسلسل حدائق الشيطان الذي كتب له حجاب أيضاً إضافة لأغنيتي المقدمة والنهاية خمس عشرة أغنية درامية.

هو والسياسة

ورغم اشتغاله بالفن لم يبتعد حجاب عن عالم السياسة فقد كان مؤمناً بالدور العضوي للمثقف والفنان، فكان محملاً بهموم المجتمع باحثاً عن الحل الأمثل لدفع المجتمع المصري للأمام، فالتحق في شبابه بأشبال دعاة الإخوان المسلمين حيث اكتشف عدم توافق أفكاره وأفكارهم، فتركهم لينضم لحزب مصر الفتاة، واعتقل خمسة أشهر في ستينات القرن الماضي، وبقي مخلصاً للكتابة الشعرية، ومن أشهر قصائده قصيدة الطوفان، وقصيدة سلوا قلبي، وقصيدة السلم والكرسي، ومن أهم إصداراته الشعرية ديوان صياد وجنية الصادر عن دار ابن عروس بالقاهرة 1964 م والأعمال الشعرية الكاملة، الجزء الأول الصادرة عن دار الفكر بالقاهرة عام 1986 م ومختارات سيد حجاب إصدار مكتبة الأسرة بالهيئة المصرية للكتاب عام 2005 م فحصل على جائزة كفافيس الدولية عن مجمل أعماله، وكان عضواً في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة.

الشمس فاكهة الشتا والحب فاكهة الربيع

مين يشتري حكمة حياتي الميتة، ويردني رضيع؟

حجاب والمرض

أُصيب سيد حجاب بسرطان الرئة، وفي المراحل الأخيرة من المرض كان يتلقى العلاج الكيماوي القاسي في فرنسا إلا أن حالته الصحية تدهورت فجأة وتم نقله لمستشفى القوات المسلحة بالمعادي حيث وافته المنية يوم الخامس والعشرين من يناير عام 2017 م عن عمر يناهز السبعة والسبعين عاماً بعد صراع مرير مع سرطان الرئة.