رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أمين البحوث الإسلامية : تراثنا العريق كان سباقًا بفلسفته لمراعاة المقام

18-3-2023 | 14:32


جانب من الفعالية

نعمات مدحت

شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية د. نظير عياد في فعاليات الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العلميّ الدوليّ الخامس لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية، والذي عقد بعنوان: "مراعاة المقام وأبعاده التداولية في الفكر العربيّ والإسلاميّ"، بحضور د. سلامة داود رئيس جامعة الأزهر ود. حسن الصغير أمين عام هيئة كبار العلماء وعدد من العمداء وأعضاء هيئة التدريس والطلاب. 

وقال الأمين العام: إنّ تراثنا الإسلاميّ العريق، كان سباقًا بفلسفته نحو  مراعاة المقام، حتى صار قانونًا كليًا معرفيًا عامًا في حضارتنا وعلومنا، مشيرا إلى طبيعة بناء النظام ((المعرفيّ والعلميّ)) في الإسلام، تؤسس لفلسفةٍ واضحةٍ حول فقه الواقع ومراعاة الحال والمقام. ولإبراز معالم تلك الفلسفة؛ دعونا نتأمل معًا، في طبيعة الربط بين النصّ  والواقع، وبين الاجتهاد والواقع، أما عن طبيعة الربط بين النصّ بالواقع، فإننا كثيرًا ما نجد النصّ الشرعيّ الواحد، متضمنًا لدلالاتٍ عديدةٍ. أضاف عياد في كلمته: كان الله -تعالى- قادرًا على أن يجعل نصوص الشريعة كلّها قاطعةً في ثبوتها ودلالاتها، مقيدةً ومخصصةً في معانيها وأحكامها، كمعادلات الرياضة والحساب. لكن الله سبحانه وتعالى لم يرد ذلك  رحمةً بنا.وهكذا صارت نصوص الشريعة على مرّ العصور، معينًا معصومًا لا ينضب من (الحكم والأفكار والأحكام والمعاني)؛ التي تتناسب مع تغيرات الواقع، وتطورات الزمن، وأما عن طبيعة الربط بين الاجتهاد والواقع، فمعلومٌ لنا جميعًا أنّ الحكمة التي من أجلها اعتمد الفقهاء الاجتهاد كمصدرٍ من مصادر التشريع؛ هي أنّ نصوص الشريعة محدودةٌ، والأحداث في الواقع غير محدودةٍ، والاجتهاد هو أداة التوفيق بين النصّ المحدود والواقع اللا محدود. والفقيه الحقّ هو من يعرف الواقع، ويراعي المقام فيه، ولذلك قال علماء الأصول: ((الفقيه من يطبّق بين الواجب والواقع، فلكلّ زمانٍ حكمٌ، والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم)).

أوضح الأمين العام أن لمراعاة المقام مظاهر عديدةً في تراثنا وعلومنا: فعلم أصول الدين والتصوف، اشتمل على نظرياتٍ عديدةٍ، تم صياغتها انطلاقًا من فهم طبيعة الواقع ومراعاة المقام فيه، مثل فكرة تقسيم الناس إلى (عوامٍ وخواصٍ)، ومراعاة المقام بين العقل والنقل، ومراعاة المقام بين الحكمة والشريعة، ومراعاة المقام بين الحقيقة والشريعة، وصياغة العديد من الحجج والبراهين الإيمانية، من واقع الناس المشاهد والملموس، وكذلك علوم اللغة والبلاغة، فقد اشتملت على تنظيراتٍ عديدةٍ انطلقت من فكرة ضرورة مراعاة المقام، ويكفي أن أذكّر حضراتكم أنّ بعض علماء البلاغة، قد عرفوا البلاغة بأنها: ((مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته))، وعلماء الفقه والأصول، قد وضعوا لنا قواعد فقهيةً محكمةً مبناها على الفهم الدقيق للواقع، من ذلك قولهم: ((المشقة تجلب التيسير))، وقولهم: ((الأمور بمقاصدها))، وقولهم: ((درء المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح))، وكلها قواعد فقهية كليةٌ عامةٌ، تم استنباطها من نصوص الشريعة، لمراعاة الواقع والمقام بما يصلح حال البلاد والعباد.

كما بيّن أنّه إذا كانت مراعاة المقام ضرورةً دينيةً واجتماعيةً، فإنّ عدم مراعاة المقام جريمةٌ عظيمةٌ، تسبب آثارًا وخيمةً على الفرد والمجتمع، موضحا أن من بين هذه الآثار: انتشار ظاهرة التشدد الدينيّ، وتعزيز الانقسامات والنزاعات الطائفية والمذهبية، وتعطيل التجديد والابتكار في شتى مناحي الحياة، وتعزيز ظاهرة الارتباك والقلق والعزلة عن المجتمع. وأخطر هذه الآثار الوخيمة شيوع فقدان الثقة بالعلماء والفقهاء بين الجماهير، الذين يظهرون في أعين الناس وكأنهم يعيشون في أبراجٍ عاجيةٍ منفصلةٍ عن مشكلات الواقع، وتغيرات الزمان.

وختم عياد كلمته بالتأكيد على أهمية هذا المؤتمر الذي يتناول قضايا مهمةً، تحتاجها أمتنا الإسلامية في وقتنا الراهن، حيث إننا في أمسّ الحاجة إلى صياغة فلسفةٍ تشريعيةٍ معاصرةٍ، تتناول الواقع بموضوعيةٍ، وتبحث آليات مراعاة المقام فيه، مشيرا إلى بعض الأفكار اليسيرة التي يمكن أن تسهم في إثراء نتائج وتوصيات المؤتمر أهمها: أولًا: التأكيد على أهمية مراعاة الواقع في إصدار الفتاوى والقوانين التشريعية، وذلك لتجنب الإرهاق والتعقيد في فهم الشريعة والقانون، وتسهيل الحياة اليومية للناس. ثانيًا: تحديد الأسس الشرعية التي يمكن استنباطها لتفسير الواقع، وذلك من خلال التعاون بين العلماء والخبراء في العلوم الإنسانية والاجتماعية. ثالثًا: ضرورة التركيز على التوعية بأنّ الشريعة تتميز بالمرونة والتكيف مع الزمان والمكان، وأنها لا تجمد في زمنٍ معينٍ، بل تتجدد باستمرارٍ لتتناسب مع الواقع والتحديات الجديدة. رابعًا:  أهمية تحفيز العلماء والمفتين على اتخاذ مواقف إيجابيةٍ وتحمل المسؤولية الاجتماعية، وذلك بإصدار فتاوى وقرارات تتوافق مع المصلحة العامة وحقوق الإنسان، وتسهم في الحفاظ على السلم والأمن والاستقرار في المجتمع. خامسًا: تشجيع العلماء والمفتين على التعاون مع الجهات الحكومية والمؤسسات الدولية في تطوير القوانين والسياسات التشريعية، وتحديثها لتتناسب مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية.

وتابع: اسمحو لي أن أختم كلمتي بالتأكيد على أنّ الشريعة الإسلامية وإن راعت (بيسرها وكمالها)،  مقام (الإنسان والمجتمع والحياة)، فإنه يتحتم على المسلم من ناحيةٍ أخرى أن يحفظ هو (مقام الدين والشريعة)، بحيث لا تكون فكرة (مراعاة المقام) مطيةً لتمييع الدين، والعبث بثوابته وأصوله، أو تحليل الحرام، أو تحريم الحلال، أو خدمةٍ لمصالح طائفيةٍ أو حزبيةٍ أوشخصيةٍ.