د. علي عبد النبي,
تعد محطات الطاقة النووية من بين أكثر محطات توليد الكهرباء أمنا وأمانا فى العالم. لكن الحوادث يمكن أن تحدث وتؤثر سلبا على الناس والبيئة. لذلك، فهناك تدابير أمان زائدة عن الحاجة للحفاظ على التشغيل الآمن للمفاعلات النووية، ومنع الحوادث النووية أو تخفيف عواقب الحوادث، مما يؤدى إلى حماية العاملين فى المحطة؛ وحماية المجتمعات السكنية المتواجدة حول المحطة النووية؛ وحماية البيئة المحيطة بالمحطة، من مخاطر الإشعاع فى جميع الأوقات. يتم تحقيق ذلك من خلال مجموعة من التدابير الوقائية وتدابير التخفيف. التدابير الوقائية هى تلك التى يتم اتخاذها لتجنب الحوادث، وتدابير التخفيف هى تلك التى تقلل من العواقب السلبية.
لتقليل احتمالية وقوع حادث فى محطات الطاقة النووية، لابد من تطبيق تدابير معايير الأمان الصارمة. ومنها تدابير واجب اتخاذها من أجل ضمان الأمان أثناء الأحداث غير العادية، وهى الإغلاق الآمن للمفاعل النووى، أى إيقاف تفاعل الانشطار المتسلسل؛ وتبريد المفاعل لإزالة الحرارة من الوقود النووى؛ واحتواء المواد المشعة، ومنع إطلاقها فى المحيط الحيوى.
هناك خبرات مكتسبة فى صناعة وتشغيل وصيانة المحطات النووية لأكثر من 60 سنة، وخلال هذه الفترة حدثت حوادث وكوارث نووية شديدة. كل ذلك أدى إلى ادخال تعديلات جوهرية فى معايير الأمان النووى للمحطات النووية. بعد حادثة محطة "فوكوشيما" فى اليابان عام 2011، كانت هناك تعديلات جديدة فى معايير الأمان النووى.
أنظمة الأمان فى المحطة النووية مصممة خصيصا للتحكم فى الحوادث المألوفة طبقا لأسس التصميم، ولتحمّل مجموعة من الحوادث غير الطبيعية والحوادث المحتملة.
مفهوم الأمان فى المحطات النووية يعتمد على مبدأ "الدفاع فى العمق". تشير استراتيجية الدفاع فى العمق، إلى فلسفة الأمان النووى التى تنطوى على استخدام تدابير تعويضية متتالية، تسمى غالبا الحواجز، أو طبقات الحماية، أو خطوط الدفاع، أى تستخدم طبقات متعددة من الأمان للحماية الشاملة. يساعد الدفاع متعدد الطبقات فى منع الحوادث أو تقليل الضرر فى حالة حدوث عطل أو حادث فى المحطة النووية.
يتم تصميم وتشييد المحطة النووية لتحمل بعض الحوادث، ومع الحفاظ على التشغيل الآمن للمحطة، وتسمى حوادث "أسس التصميم". أما حوادث "ما وراء أسس التصميم"، هى حوادث تقع خارج نطاق ما تم تصميم المحطة لتحمله، ومن الصعب التنبؤ بحوادث "ما وراء أسس التصميم"، إما لأنها لم تحدث مطلقا أو لأنها ذات احتمالية منخفضة لحدوثها، ويشمل حادث "ما وراء أسس التصميم" على ظروف حادث أكثر خطورة من حادث "أسس التصميم"، وقد يتضمن ضررا لقلب المفاعل أو لا يتضمن ضررا لقلب المفاعل، وتسمى هذه الحوادث حوادث خطيرة، ويمكن أن تؤدى إلى كارثة.
على مستوى الدول المصنعة للمحطات النووية، وابتداءً من الجيل الثالث من المفاعلات النووية، أصبحت السمات العامة لمعايير وأنظمة الأمان النووى موحدة فى جميع المفاعلات النووية، سواء كانت مفاعلات شرقية أوغربية. وأصبحت نظم الأمان تعتمد إلى حد ما على الأنظمة السلبية، والتى لا تحتاج لطاقة كهربائية لتشغيلها؛ وكذلك وجود "وعاء احتواء"، لحماية الجزيرة النووية من الزلازل والسونامى وسقوط الطائرات والفيضانات والعواصف الشديدة، وما إلى ذلك؛ كذلك وجود "مصيدة قلب المفاعل"، والتى توضع تحت "وعاء ضغط المفاعل" فى تجويف من الخرسانة، والتى تؤدى وظيفتها فى حالة حدوث حادثة "فقد مياه التبريد" للدائرة الابتدائية التى تحتوى على الوقود النووى داخل وعاء ضغط المفاعل، هذه الحادثة تؤدى إلى "أنصهار قلب المفاعل".
فلسفة الدفاع فى العمق لمحطات الطاقة النووية الروسية من نوع VVER، تتكون من خمسة مستويات. المستوى الأول، فى حالة "التشغيل العادى"، بهدف منع التشغيل الغير طبيعى ومنع الأعطال؛ المستوى الثانى، فى حالة "الحوادث التشغيلية"، بهدف التحكم فى التشغيل غير الطبيعى والأعطال؛ المستوى الثالث، فى حالة "حوادث أسس التصميم"، بهدف السيطرة على الحادث ضمن أسس التصميم، وتستخدم نظم وقاية المفاعل، وأنظمة الأمان؛ المستوى الرابع، "حوادث ما وراء أسس التصميم"، بهدف السيطرة على الحادثة، والحفاظ الآمن على قلب المفاعل المنصهر للحد من إنطلاق المواد المشعة خارج وعاء احتواء المفاعل النووى وانتشارها فى البيئة المحيط والجو وباطن الأرض؛ المستوى الخامس، "التخطيط للطوارئ"، بهدف التخفيف من الآثار الإشعاعية الناتجة من الإنطلاقات الكبيرة للمواد المشعة خارج وعاء احتواء المفاعل النووى.
تم اقتراح مفهوم معدات وأجهزة "مصيدة قلب المفاعل" للمفاعلات الروسية من نوع الـ VVER، كحاجز لمنع انتشار المواد المشعة فى البيئة المحيطة، وحصرها فى حالة حرارية وحالة طور محكومة حتى اكتمال التبلور.
مصيدة قلب المفاعل، تعتبر أحد الأجزاء الرئيسية فى المحطات النووية، وهى إحدى التكنولوجيات المتطورة، والمصممة خصيصا للتحكم فى الحوادث التى تتجاوز أسس التصميم، وتعبر عن اتباع أعلى معايير الأمان النووى فى نظم الأمان "السلبى"، والتى تعتبر فى المستوى الرابع من فلسفة الدفاع فى العمق. فهى تمتلك أعلى معايير الأمان النووى، مثل مقاومة الزلازل والقدرة على الصمود فى مجابهة الأحمال الهيدروديناميكية والصدمات "الأحمال الديناميكية".
فى حالة فقد مياه تبريد الدائرة الابتدائية لمدة طويلة، يحدث تدمير لقلب المفاعل، ويحدث انصهار لقاع وعاء ضغط المفاعل. ويعد تزايد الضغط فى وعاء الاحتواء وانبعاث الغازات الانشطارية أثناء وقوع الحادث أمرا بالغ الأهمية لضمان السلامة العامة، فضلاً عن السماح للمشغلين بأداء الإجراءات اللازمة للحفاظ على سلامة وعاء الاحتواء وتخفيف عواقب الحادث. لذلك فقد تم تصميم "مصيدة قلب المفاعل" لتقليل عواقب هذه الحادثة الخطيرة، والوصول إلى مستوى آمن من الإشعاع.
يتم تحقيق مستوى عالى من الأمان نتيجة منع انبعاث المواد المشعة السائلة والصلبة خارج مصيدة قلب المفاعل، مما يقلل من تأثير المواد المنصهرة على وعاء الاحتواء إلى مستوى مقبول، ويمنع وقوع ضرر على أنظمة وهياكل وعاء الاحتواء، المصصم ليكون محكم الاغلاق لمنع تسرب المواد المشعة إلى البيئة المحيطة.
مصيدة قلب المفاعل تعمل على استقبال المواد المنصهرة "الكوريوم" فى جوفها وتحتفظ بها، وهى مكونات سائلة وصلبة وهى شبيه بالحمم البركانية، أى فى صورة مصهور يتكون من الوقود النووى، درجة حرارته فى حدود 1070 درجة مئوية؛ وقضبان التحكم؛ وشظايا قلب المفاعل؛ ونواتج الانشطار؛ والمواد الهيكلية من الأجزاء المدمرة من المفاعل، ونواتج تفاعلها الكيميائى مع الهواء والماء والبخار؛ وفى حالة اختراق وعاء ضغط المفاعل، تكون أيضا الخرسانة المنصهرة من أرضية غرفة المفاعل ضمن مكونات الكوريوم.
بعد انتقال الكوريوم لجوف مصيدة قلب المفاعل، تقوم مصيدة قلب المفاعل بأداء مهامها، وهى عمليات تبريد للكوريوم من خلال توفير ظروف إزالة الحرارة على المدى القصير والطويل من مواد الكوريوم المنصهر، وذلك بانتقال ثابت للحرارة من الكوريوم إلى ماء التبريد، وتبريد مستمر ومضمون للكوريوم، يضمن تجنب الحروجية النيوترونية للكوريوم داخل مصيدة قلب المفاعل أثناء تبريده؛ ومنع انتشار الكوريوم خارج حدود مصيدة قلب المفاعل؛ يضمن الحد الأدنى من انبعاث المواد المشعة والهيدروجين فى فضاء وعاء الاحتواء؛ يحمى عناصر التجويف الخرسانى ويمنعها من التأثيرات الحرارية الميكانيكية الناتجة من الكوريوم.
إذا لم يبرد الكوريوم المنصهر جيدا وعلى النحو المنشود، فسيحدث تفاعل بين الكوريوم والجدار الداخلى لخرسانة التجويف، وتُعرف بظاهرة "تفاعل الخرسانة ومصهور الكوريوم"، والذى ينتج عنها انبعاث غازات مختلفة، من بينها الهيدروجين وأول أكسيد الكربون وثانى أكسيد الكربون، وسيزداد ضغط وعاء احتواء المفاعل، مما يؤدى إلى تشتت أكبر للمواد المشعة، وسوف يعجز وعاء احتواء المفاعل عن احتواء الكوريوم المنصهر، مما يؤدى إلى إطلاق مواد مشعة خطرة فى البيئة وفى جوف الأرض.
من الأجزاء الرئيسية لمصيدة قلب المفاعل، وعاء مصيدة قلب المفاعل، وهو حلة من الفولاذ بدون غطاء، وزنها حوالى 169 طن، وارتفاعه حوالى 6 متر، وقطره حوالى 6 متر، وكذلك هناك 5 طبقات بلوكات من الحشو، التى تتكون من معادن أكثر نشاطا من الهياكل المعدنية الأساسية التى تحميها. ونتيجة لذلك، تتفاعل بمعدل أسرع من وعاء مصيدة قلب المفاعل الموجودة بداخله.
كتل الحشو فى "مصيدة قلب المفاعل" عبارة عن معادن، مثل أكسيد الحديد الثلاثى (المكون الأساسى للصدأ)، وأكسيد الألومنيوم (الألومينا)، وثانى أكسيد السيليكون (السيليكا)، أكسيد الجادولينيوم الثلاثى (الجادولينيا)، والتى، عندما تمتزج بالكوريوم، تقلل الحرارة النوعية للكوريوم. كما يضاف الجادولينيوم إلى كتل الحشو لمنع التفاعل النووى المتسلسل داخل الكوريوم بسبب خاصية امتصاصه للنيوترونات. يتم تبريد الوعاء الفولاذى لمصيدة قلب المفاعل من الخارج بماء، مضاف اليه بورون للمساعدة على امتصاص النيوترونات.
يراعى عند تصميم "مصيدة قلب المفاعل" ظروف موقع المحطة النووية، ومتطلبات الأمان النووى. يتم تصميم "مصيدة قلب المفاعل" طبقا لكود الزلازل لتتحمل وتقاوم الزلازل الشديدة، وللحصول على خصائص محسنة للديناميكية المائية وتحمل الصدمات القوية. "مصيدة قلب المفاعل" مجهزة أيضا بميزات الحماية من الفيضانات، كم أنها تمتلك تكنولوجيا التركيب والتجميع المبسطة، وسهولة صيانتها.