رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


«تلك آثارنا» (4) الهرم الأكبر

21-3-2023 | 14:02


د. محمد أبو الفتوح,

الهرم الأكبر، أحد عجائب الدنيا السبع، والعجيبة الوحيدة الباقية منها حتى يومنا هذا، أعظم بناء حجري بناه الإنسان في التاريخ، وأهم أعمال الملك "خوفو"، وأخلدها، وأبقاها ذكراً، وقد بناه ليكون قبراً له، واستغرق بناؤه نحو عشرين سنةً.

والملك خوفو، ثاني ملوك الأسرة الرابعة، تولى حكم مصر حوالي عام 2580 ق.م. خلفاً لوالده الملك "سنفرو". أمه الملكة "حُتب حرس"، التي عثر في مقبرتها بالجيزة على أثاث جنائزي راقٍ، وأوان وحُلي فاخرة تدل على مكانة الملكة العظيمة، ومدى الرقي الحضاري التي بلغته مصر في ذلك التاريخ القديم.

اختلف المؤرخون حول مدة حكم الملك خوفو، فبينما يذكر المؤرخ الإغريقي "هيرودوت"، الذي عاش في القرن الخامس ق.م.، إنه حكم 50 سنة، يذكر الكاهن المصري "مانيتون السمنودي"، الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد، إنه حكم 63 سنة، في حين تذكر بردية تورين، التي تؤرخ لحكم الملوك المصريين وتقسِّم ملوك مصر  في أسر حاكمة، وتعدُّ أفضل المصادر التى اعتمد عليها المؤرخون فى ترتيب أسماء ملوك مصر وفترات حكم كل منهم بالسنين والشهور والأيام، والموجودة في المتحف المصري بمدينة تورينو بإيطاليا، تذكر أن مدة حكمه كانت 23 سنة.

وبعيداً عن مدة حكمه، التي طالت أو قصرت، يظل الهرم الأكبر أهم أعماله فيها، ويصل ارتفاع الهرم 148 متراً، وهو أعلى  بناء أتمَّه الإنسان على الأرض على مدى 3800 سنة، ويبلغ محيط قاعدة الهرم 922 متر، بينما تبلغ مساحته الكلية 53056 م2.

اقتطعت أحجار الهرم من الهضاب المجاورة لموقعه وهي هضاب: الجيزة، وطره، والمعصرة، وبلغ عددها ما يقرب من 2 مليون و600 ألف قطعة حجرية، يصل ارتفاعها نحو  متر أو متر ونص، مقطوعة على أشكال مكعبات، أو مستطيلات، وكانت تُرص أففيًا، ويوجد منها اليوم 203 طبقة، بينما يبلغ وزن القطعة الحجرية منها في الطبقات العليا نحو طن تقريباً، وفي الطبقات السفلية نحو 2 - 3 طن، بينما قطعة الجرانيت الواحدة في سقف غرفة الملك خوفو وزنها 70 طناً.

وهناك خلاف كبير حول طريقة بناء الهرم، لكن الذي ليس عليه خلاف أن الهرم كان مكسواً بطبقة من الحجر الجيري ناصع البياض، جلبت من محاجر طره عن طريق مراكب تصل حتى الهرم، عندما كان النيل يصل للهرم، لكن أغلب هذه الطبقة قد سقطت بفعل عوامل التعرية، وبفعل زلزال عنيف حدث عام 1300م أو عام 1301م.

ويضم الهرم من الداخل ثلاث حجرات، واحدة أسفل الصخر الأسفل من الهرم، وحجرتين على ارتفاع داخل الهرم نفسه. ويمكن للزائر رؤية التابوت، الذي كان يرقد فيه الملك خوفو بالحجرة العلوية المعروفة باسم حجرة الملك، التي يمكن الوصول إليها من خلال ممر ذي سقف متدرج مهيب الحجم يعدُّ تحفة في الهندسة المعمارية القديمة.

أطلق على الهرم اسم (آخت خوفو)، بمعنى "أفق خوفو" أو "مشرق خوفو"؛ لأن الملك كان يعتبر نفسه الإله "رع" إله الشمس على الأرض، وهذه المقبرة أو الهرم، تمثل الأفق اللي يستقل منه الإله "رع" مراكب الشمس كي يبحر بها وتجدِّف له النجوم، ويقتل بمجاديفها الأرواح الشريرة في العالم الآخر ويقضي بها على الشر ويقدسه شعبه. ولهذا عثر عام 1954 على مركب كبيرة في حفرة عند قاعدة الهرم الأكبر سميت مركب الشمس، كما على مركب ثانية كاملة ومفككة في حفرة تانية عام 1987.

الذي صمم هذا العمل الاعجازي، وأشرف على بنائه، الوزير والمهدنس المصري العبقري "حم إيون"، وله تمثال رائع في متحف مدينة هلدسهايم في ألمانيا.

ومن العجيب أن هذا الملك صاحب هذا البناء الإعجازي في التاريخ، لم يعثر على تماثيل له، صغيرة أو كبيرة، إلَّا تمثال وحيد عُثر عليه في منطقة أبيدوس غرب البَلينا في سوهاج، وهو تمثال من العاج صغير جداً طوله 7.5سم يمثله جالساً على كرسي العرش ونقش اسمه عليه. والغريب أن هذا التمثال عندما تم اكتشافه لأول مرة، كانت الرأس مفقودة، ولاحظ المكتشف الإنجليزي "السير فليندرز بيتري" أن الكسر كان حديثاً، وأدرك أهمية هذا الاكتشاف، فأمر عُمّاله بالبحث عن الرأس المفقود، وتم العثور عليها بعد ثلاثة أسابيع من البحث في الرمال والركام في موقع الحفر، وتم لصقها ليكون في صورته النهائية المعروضة اليوم بالمتحف المصري بالقاهرة.