العلاقات السياسية بين الدول لا تعرف المستحيل، إنما يتم بناؤها وفق المصالح المشتركة، وبحسب الوزن النسبي لتلك الدول ودورها في التفاعلات الإقليمية والدولية، وبحسب التعريف الأكاديمي، هي «علم يلاحظ ويحلل بهدف التفسير والتنبؤ لمسار العلاقات بين الدول».
كما تُعرف أيضاً بأنها «دراسة التفاعلات بين أصناف محددة من الكيانات الاجتماعية وتشمل أيضاً دراسة الظروف المناسبة التي تحيط بهذه التفاعلات»، و«العلاقات الدولية هي علاقات شاملة تنطوي على مختلف الجماعات في مجال العلاقات الدولية سواء كانت هذه العلاقات الدولية رسمية أو علاقات دولية غير رسمية».
وينطوي مفهوم العلاقات الدولية على جميع الاتصالات بين الدول، وتعد صناعة السياحة، أحد الجسور الناعمة في تطوير العلاقات بين البلدان التي تتبادل حركة السياحة، ذلك استهلال لابد منه، قبل الإجابة عن السؤال هل تعيد السياحة ترتيب أوراق العلاقات بين القاهرة وطهران؟!
خلال صيف 2013 ذهبت في رحلة عمل لتغطية فعاليات الملتقي المصري الإيراني الأول للسياحة، وكان لدي صورة ذهنية مسبقة عن المجتمع الإيراني، نتيجة للمطالعة السابقة عن الثورة الإيرانية، وتفاعلات المجتمع الإيراني معها وما تلا ذلك من تحولات اجتماعية وسياسية، لكن الزيارة رغم قصرها لكنها أضافت لي الكثير حول المجتمع وما يموج به من تحولات، وبالرغم من حجم العقوبات الدولية المفروضة علي طهران إلا أنها تمكنت من الصمود إلي الآن، وهي دولة ذات ثقل سياسي في منطقة الشرق الأوسط، وهي فاعل رئيسي فيما يجري حاليا فيما يعرف إعلاميا بـ«إعادة هندسة الشرق الأوسط» وتشكل تحالف جديد مع روسيا و الصين.
وكان من اللافت للانتباه خلال الملتقى رغبة رجال الأعمال الإيرانيين العاملين في قطاع السياحة العمل مع مصر، وبالفعل تم تنظيم رحلة خلال العام 2013 لفوج من السائحين إلي الأقصر وأسوان كان قوامها ما يقرب من 132 سائحا، و كان لديهم إقبال علي زيارة المناطق الأثرية واقتناء الهدايا التذكارية، وعلى خلفية بعض التفاعلات السياسية في الداخل المصري تم تجميد استئناف حركة السياحة الإيرانية إلي المقصد السياحي المصري.
ومنذ أيام قليلة أعلن أحمد عيسي وزير السياحة والآثار، عن تسهيلات لمنح التأشيرات المصرية، ومن بينها منح التأشيرة للسائح الإيراني الراغب في زيارة جنوب سيناء، ومن وجهة نظري أن مؤسسات الدولة المصرية التي صنعت ذلك القرار، تم صناعته بعد دراسة مستفيضه لمتغيرات الواقع الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط.
والمراقب للتطور الأخير يمكنه إدراك أن محدودية التأشيرة بمقصد سياحي محدد، يعني أن الأمر يخضع للتقييم خلال فترة محدد وبناء على النتائج يتم اتخاذ خطوات تالية إما في اتجاه إيجابي، أو التوقف عن استقبال السياحة الإيرانية، بينما عودة العلاقات بين القاهرة وطهران، يتوقف على عدد من الملفات، أبرزها عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول العربية، وهو أمر يبدو أنه بدء في الحلحلة بالفعل بعد الاتفاق بين الرياض وطهران الذي تم مؤخرا برعاية صينية، والاتجاه نحو الاستثمار السعودي في إيران.
ويلي ذلك حلحلة ملفات مثل تغير اسم شارع «خالد الإسلامبولي» في طهران الذي شارك في عملية اغتيال الرئيس المصري أنور السادات، وبعض الملفات الأخرى التي لا مجال لاستعراضها في ذلك المقال، والمراقب للخطوة الأخيرة، يدرك أنها نقطة مضيئة في بداية الجسر الذي يمكنه إعادة ترتيب العلاقات بين القاهرة وطهران.
كلا البلدين يملك وزنا كبيرا في منطقة الشرق الأوسط، واستئناف العلاقات بينهما مهم خلال مرحلة «إعادة هندسة الشرق الأوسط»
وفي اعتقادي أن صناعة السياحة من أفضل جسور التواصل، وفرصة مهمة لبناء الصورة الذهنية لدي الطرفين واختبار حقيقي للنوايا، والسياسة دائما هي فن الممكن، وتحقيق المصالح.. لا توجد ثوابت دائمة في عالم السياسة.