رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


فنجان الشيخة وداد

3-4-2023 | 22:06


وفاء أنور,

لعل أغلبنا من هذا الجيل الذي كان يستمع للفنانة ملك الجمل وهى تقوم بتقديم حلقات برنامجها اليومي في الإذاعة المصرية والمعروف باسم  "مغامرات خالتي بمبة" ولأن حلقات هذا البرنامج كانت عبارة عن رسائل مهمة ترسل بها الإذاعة لكل ربات البيوت ليتعلمن منها كيفية إدارة شئون حياتهن ويعدلن سلوكياتهن في قالب كوميدي لطيف ، فقد كنت أتعمد الجلوس إلى جوار جدتي وهى تستمع إلى هذه الحلقات برفقة أمي رحمة الله عليهما، فقد كانتا تضعا الراديو بجوارهما أثناء إعداد الطعام أو غسيل الملابس وتنظيف المكان ويستمعا يوميًا لحلقات خالتي بمبة، وفي إحدى الحلقات التي كانت تتحدث فيها خالتي بمبة مع زوجها الفنان " رأفت فهيم "في دور" أبو سيد" دار الحوار بينهما عن فنجان الشيخة تفيدة التي وصفتها خالتي بمبة قائلة" الشيخة تفيدة دي ست مبروكة سرها باتع وكلامها مابينزلش الأرض ، ربطت بينه وبين موقف مشابه له قد حدث لي بالفعل ، واقعًا وليس تمثيلًا .

فبعد أن أكملت العشرين من عمري تمت خطبتي الأولى وأنا مازلت طالبة على شاب كان يكبرني بخمسة أعوام، شاب مثقف، عاشق لعلم المصريات برغم دراسته التي كانت في كلية التجارة إلا أن الحوار معه في هذا الجانب كان ينال إعجابي للغاية كعاشقة لتاريخ بلدي، مرت الأيام وبدأ الصدام بيننا واكتشفت غيرته الشديدة التي كانت تتأهب للحكم على بالسجن داخل نفسي مدى الحياة.

وكان يتفنن في وضع الحواجز في طريقي ليمنعني من الاستمتاع بحياتي، ولهذا لم تدم خطبتي له طويلًا لأني قد مللت كلماته التي كان يلقيها كطلقات الرصاص في وجهي وهو يتوعدني بأنه سوف يحبسني في المنزل بعد زواجه مني.

آثرت فسخ الخطبة وأتممت هذه الخطوة وأنا أقول لنفسي على الالتفات لدراستي أولًا، مرت الأعوام وأتممت دراستي ثم بدأت بعدها أولى خطواتي في ميدان الحياة العملية، وتكررت تجربة الارتباط مرة أخرى لشاب يعمل بالمحاماة كان يمتلك حسًا فكاهيًا عاليًا ، بسيط للغاية كلماته خالية من أي عقد نفسية.

وجاء الاختبار الإلهي على هيئة مرض أصابني تم تشخيص حالتي وقتها على أنها "نزلة شعبية حادة" أراد الله بها أن يخرجني من حياته بسلام بعد أن ارتاب في أمر مرضي، كان كلما رآني عند زيارته لي في المنزل تقفز عشرات الأسئلة لأقرأها في نظرات عينيه وقد قمت بتفسيرها بإحساسي الذي أخبرني بأنه لم يأت للاطمئنان على بقدر ما تمنى أن تكون زيارته هي الأخيرة لي، كنت حينها أقول بجهالة لولا مياه الأمطار التي أغرقتني ورياح الشتاء الباردة التي لفحتني ما كان حدث لي شيئًا من هذا، لكني سبقته بخطوة وخلعت خاتم خطبتي بيدي لأضع نهاية قصة حب لم يتبقى لي منها سوى جرح غائر مازال صداه يتردد في قلبي.

وبعد مرور ستة أشهر من هذه القصة المؤلمة كنت قد قررت عدم الارتباط مجددًا بأي إنسان لكن الله أراد شيئًا آخر حين تقدم لخطبتي شقيق صديقتي وهو الذي أصبح زوجي فيما بعد، وجدت نفسي لا أبحث هنا عن العاطفة وإن كنت حاولت استحضارها بنفسي، وجئت ذات يوم لأخبر أمي بأنني لا أشعر نحو هذا الإنسان بمشاعر الحب التي كنت أشعر بها مع سابقيه.

نظرت أمي إلى وقد تجسد الغضب فيها وسلبها من روحها فتبدلت ملامح وجهها البريء وهى تصرخ في وجهي قائلة: " لا ده كده بقى مش طبيعي أنا تعبت منك والناس مش بتسيب حد في حاله تعالي معايا نروح لجارتنا الشيخة وداد نشرب معاها القهوة وتقرا لك الفنجان رفضت بشدة وقلت لها: "من إمتى بتثقي في الناس دي ؟ تجاهلتني وأصرت على اصطحابي معها، أثق بأن أمي لم تعتقد في هذا، لكنها أقدمت على تلك الخطوة لكي تستدعي سببًا لإعراضي، وعدم ارتياحي لقرار الزواج.

ذهبنا معًا، وجلست بجوار السيدة وقد ابتلعت الصمت، وبعد أن شربت فنجان القهوة تناولته  من يدي، ووضعت الطبق عليه ثم قلبته وبعد أن حركته بيديها، قالت لي "إنتي كل يوم بتحسي بضيق قبل ما تنامي، ما بتعرفيش تنامي، وإن نمتي بتباتي ودموعك بتغرق مخدتك صح ؟ فأجيبها "لا ما حصلش".

وكلما قالت شيئًا تتمنى من خلاله إثبات جدارتها تجد إجابتي الصادمة وهى الرد بكلمة واحدة  "لا"، تنظر أمي نحوي وكأنها تستعطفني بأن أجامل تلك السيدة، ولكني أصررت على رأيي وجعلتها تصل لحالة من اليأس تستحق علاجًا نفسيًا مطولًا بعدها.

توجهت بحديثها لأمي وأعطتها ورقة صغيرة  قالت لها: "هاتي الحاجات دي من عند العطار وخليها تتبخر بيها وبإذن الله هاتبقي زي الفل.

رجعت للمنزل وذهبت أمي لتشتري لي الوصفة ثم وضعتها في كيس من البلاستيك الشفاف وعلقته في حجرتي، بقى في مكانه حتى تزوجت وأنجبت طفلي، تخلصت منه عندما تذكرت حكايته وربطت هذا بموقف خالتي بمبة مع الشيخة تفيدة حينما حدثتها عن أشياء تسببت في ضرر كبير لها ولأفراد أسرتها، وعندما ذهبت إليها لتعاتبها ردت عليها وهى بين يدي رجال البوليس: "أنا ماليش ذنب ياختي أصل البن كان مغشوش"، الأغرب أن خالتي بمبة في النهاية كانت مازالت تحسن الظن بالشيخة تفيدة وراحت تصب اللعنات على تجار البن المغشوش.