«لا قيمة للحياة بدون عشق، لا تسأل نفسك ما نوع العشق الذي تريده، روحي أم مادي؟ إلهي أم دنيوي؟ غربي أم شرقي؟ فالانقسامات لا تؤدى إلا إلى مزيد من الانقسامات، ليس للعشق تسميات ولا علامات ولا تعاريف، إنه كما هو نقيّ وبسيط، العشق ماء الحياة والعشيق روح من النار، يصبح الكون مختلفا عندما تعشق النار الماء».
جلس «الدرويش» يطالع تلك السطور من روايته المفضلة قواعد العشق الأربعون للروائية المبدعة إليف شافاق، متنقلا بين سطورها علّه يجد إجابة عن ذلك العشق المسكون به، عن تلك الأسئلة التي تطل من قلب امرأة ملائكية الحسن، سكنه عشقها في ذلك الزمن السرمدي، كيف التحمت تلك الروح الشفافة بروحه دون أن يدري، لقد أصبح «الدرويش» أسيرًا لذلك الطوق من الياسمين، والعبير الذي تفوح به كلماتها ونظرتها الملائكية.
هي امرأة استثنائية، مقطوعة موسيقية من ذلك العصر الكلاسيكي، هي فيض من حنان، كانت لحظة استثنائية في حياة «الدرويش»، كأنها المرأة الأولى والأخيرة على وجه البسيطة، خرجت من بين دفتي كتاب ألف ليلة وليلة، لا لتروي الحكاية، لكنها تعيد كتابة تاريخ العشق والأنوثة، كان «الدرويش» يتعلم منها كل يوم فصلا جديدا من فصول العشق والإنسانية، كان يكتشف معاني أخرى للعشق والرحمة ودين الإنسانية، كانت تصحبه إلى عوالم خفية وإن كانت أمام مقلتيه.
صنعت من «الدرويش» بقلبها النقي عرابًا لعشق الروح، علمته الأبجدية بعد أن خطت خيوط الفجر خصلات شعره، وجعل من قلبها كعبة للعشق يطوف بها مع فجر كل يوم، جعلته يعيد اكتشاف تاريخ الأنوثة، ويدرك أن للعشق وجهًا آخر، لقد أعادت له وهج الحياة ومنحته السعادة وكأنه يستعيد وطنه من جديد، فقد علمته أن للعشق وطنًا وهي عاصمته.
كان «الدرويش» محبًا للترحال والسفر، لم يتمنَ يوما البقاء في مدينة، سوى عاصمة العشق، وإن لم يستطع إليها سبيلا، كان صمتها، أبجدية خاصة جدا، وهو من يدركها ويمكنه فهم رموزها، ويمكنه أن يمسك بريشته ويكتب لها بلغة لا تُقرأ بقدر ما تسمع ألحانها الشرقية الإيقاع.
«هي والدرويش» جمعهما حب قصائد نزار قباني، كانت قصائد نزار دستورهما، ذلك الفهم المختلف لطبيعة المرأة ومشاعرها الحانية، لم يكن الأمر مجرد حفظ تلك الكلمات الرقيقة بقدر فهمها.
كانت قصائد نزار قباني الأبجدية التي تحمل رسائل «الدرويش» إلى تلك المرأة ذات الإطلالة الملائكية، كانت أبيات نزار «أريد أن أحبك
حتى أدخل في دين الياسمين
وأمارس طقوس الشعر
وزرقة البحر
واخضرار الغابات»
كانت كلما قرأت رسائله تزداد حيرتها، وتظل الأسئلة تطرق رأسها بحثا عن إجابات لأسئلة سرمدية، لا يملك «الدرويش» إجابة لها، فهو عاشق مسكون بعشق امرأة ملائكية لم يحلم يوما أن يلتقيها وكأنها دربٌ من خيال الشعراء، تخللت آذان «الدرويش» نغمات الموسيقى الصوفية، ولم يشعر بنفسه إلا وهو طائف في دوائر بحثا عن ذلك الوجه الملائكي.
لا تفقدوا يوما إيمانكم بالعشق، لا تظنوا أن القصائد تحمل الخيال والوهم، يوما ما قد تلتقون بمن يصنع معكم واقع أفضل يشارككم الحياة، أو يحملكم إلى عوالم ساحرة، ويحمل إليكم ذلك الطوق من الياسمين، اجعلوا من قلوبكم واحة من عشق.