قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن عنوان محاضرة مجلس الشيخ محمد بن زايد والتي جاءت بعنوان"الإنسان والمستقبل والتحديات المعاصرة" في جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي، يعكس رؤية مُبشرة ووعيا ضروريا لدى دولة الإمارات، حيث إن التفكير بهذه المنهجية لا يقف عند الماضي وحده ولا الحاضر وحده، إنما ينظر لآفاق المستقبل، مقدرا دور الإمارات في استشرافها للمستقبل، والمبادرة باطلاق مبادرات من شأنها لم الشمل الإسلامي، والقضاء على فتيل التعصب والصراعات، وذلك من خلال مجلس حكماء المسلمين الذي يسعى إلى تعزيز قيم الأخوة والسلام العالمي، وترسيخ ثقافة التقارب والتعايش، وتحمل مبادراته استراتيجة واضحة لتمكين المرأة، وتأهيل النشء والشباب من للقيادة وحمل راية السلام في المستقبل.
وأكد وكيل الأزهر أن كل ما يتطلبه العالم من قيم دينية وأخلاق حضارية؛ موجود في وثيقة ترجمة جهود الرمزين الدينيين الأبرز في العالم فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، اللذين قدما للعالم وثيقة أبوظبي التاريخية للأخوة الإنسانية برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان-حفظه الله- بهدف تعزيز قيم التعارف والتعايش، والتواصل والحوار، موضحا أن إقرار مبادئ الوثيقة لا يعني أبدا أننا نفرط في عقيدتنا، وإنما ننادي على الإنسانية بالأخوة انطلاقا من ديننا وعقيدتنا التي نتمسك بها.
وبيّن الدكتور محمد الضويني، أنه في ضوء ما يشهده الواقع من تحديات في مجالات الحياة كافة، أصبح الإنسان يعيش حالة غريبة، يُسميها علماء الصحة النفسية «قلق المستقبل»، وانطلاقا من عقيدتنا وإيماننا فإن الواجب علينا ألا نخاف من المستقبل، بل إن نخطط له في ضوء تجارب الماضي والحاضر، وأن نتبنى من القيم الإيمانية ما يدفع إلى العمل واكتشاف كنوز الكون، وحسن إدارة موارده، مضيفا أن النبي صلى الله عليه وسلم وجّه الأمة إلى التخطيط للمستقبل، وبيّن حق الأجيال المتعاقبة في الموارد، وذلك حين أراد سعد بن أبي وقاصٍ أن يتصدق بماله فظل يفاوضه حتَّى قال له: (إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ).
وأوضح وكيل الأزهر أن التخطيط للمستقبل ليس شعارا براقا، ولا رجما بالغيب، وإنما هو علم له مناهجه وأسسه وأدواته، يستخدم الماضي المدروس والحاضر الملموس لبناء مستقبل أفضل، فلا يجوز في عُرف الإسلام الذي أمر بالعلم أن يتخلف المسلمون عن علوم المستقبل، وأن يعيشوا بمعزل عنها، خاصة أنها تتطور يوما بعد يوم، وتخدمها عقول كبيرة ومؤسسات ضخمة في أنحاء العالم، وليس من التدين أن نعيش الحياة حاضرا ومستقبلا بلا خطة ولا منهجٍ ولا نظام، بل إن من التدين أن نخطط لحياتنا، وأن فكرة الدين ذاتها وفي جوهرها قائمة على أساس التخطيط للمستقبل.
وتابع وكيل الأزهر أن المتدين مجبور أن يأخذ من يومه لغده، ومن دنياه لآخرته، بل إن الجنة ونعيمها مشروع مستقبلي يجب على المؤمنين أن يخططوا له، وإن كان المستقبل قد يحمل للإنسان ما يؤدي به إلى قلق منه، فإنه يحمل من فرص التقارب والتواصل ما يدفع للتفاؤل، ويجب علينا مواجهة المستقبل بالعلم والتخطيط والقيم الدينية والأخلاق الحضارية، مشيدا بجهود الإمارات وقيادتها الحكيمة ورؤيتها السديدة في التخطيط للمستقبل، لتقدم بذلك أنموذجاً متقدماً ومشرفاً.
وأكد الدكتور الضويني أن علاج ما يحمله الواقع من تحديات، ومواجهة ما يحمله المستقبل من أخطار يوجب على الإنسانية كلها أن تتبنى مجموعةً من القيم الدينية والأخلاق الحضارية، حيث إن تلك القيم والأخلاق التي يؤمن بها الفرد ويسلك طريقه طبقاً لها، تلعب دورا بارزا في ترشيد قراراته وانتقاء اختياراته، وتنظيم سلوكياته، وتحصينه من المغريات والتحديات، فضلا عن كونها سبباً في إطلاق طاقات الإبداع الخيرية في النفس، وتجيب عن التساؤلات المصيرية التي لم تستطع النظريات ولا الفلسفات أن تجيب عنها.
وأردف فضيلته أن حضارة الإسلام تعد حضارة تعارف وتواصل، وليست حضارة استعباد أو إقصاء، وأن الناس في عرف حضارة الإسلام، أبناء أب واحد وأم واحدة فهم إخوة متساوون، فقبل 1400 عام، وفي ظل ما كانت تعانيه البشرية من ممارسات تمييز ضد المرأة والعبيد والفقراء والضعفاء، سُمع حينها في ذلك الوقت لأول مرة هذا الإعلان القرآني الذي زلزل واقتلع التمييز من جذوره، بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
واختتم وكيل الأزهر محاضرته؛ بأن هناك مجموعة من القيم الإنسانية تكاد تتفق عليها البشرية، وتراها ضمانة حقيقة لإنقاذ البشرية مما هي فيه وحماية مستقبلها من أية أزمات محتملة، وهي تلك القيم العامة التي تتعلق بكرامة الإنسان وتربط بين البشر في إطار من الحقوق والحريات، والتراحم، والإخاء، والعدالة، وترسم صورة الحياة المُثلى التي يسعى إليها الأفراد والمجتمعات، مشددا أن القيم العالمية تفتقر إلى معايير شرعية، وأن بعض الممارسات المرتكزة إلى قيم تعارض خصوصيتنا العقدية والإيمانية، وهذا لا يعني قطعاً أن الإنسانية يصعب عليها أن تحتكم إلى قيم عالمية بمعايير متفق عليها، لأن القيم الإنسانية من رحم الدين إن أُحسن فهمها وتطبيقها.