رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مخاطر التكنولوجيا على المجتمع

8-4-2023 | 11:20


د. غادة عامر ,

لقد أصبح وجود التكنولوجيا في حياتنا أمر لا مفر منه،  بل أصبحت حاسمة في حياتنا اليومية وتلعب دورًا حيويًا في وجودنا العقلي والجسدي، فلم يعد الموضوع "أنا أفكر، إذن أنا موجود" ولكن "أنا متصل عبر الإنترنت، لذلك أنا موجود". وبالرغم من أن التكنولوجيا تعتبر مصدر ووسيلة جديدة وغير محدودة للمعلومات والمعرفة لجميع البشر، كما إنها ووسيلة اتصال عابرة للحدود، إلا إنها لها آثار سلبية خطيرة جدا على جميع المجتمعات وخاصة المجتمعات الاستهلاكية التي لا تنتج المعرفة والتي لا تتبنى فكر العلم والتعلم ولا تدعم القراءة، لذلك نجد أن أوّل ما نزل من رسالة الإسلام الأمر بالقراءة، حتى يدللّ على أهميّة القراءة ومكانتها في هذه الرسالة العظيمة، فالقراءة هي الأساس الذي يقوم عليه تقدّم الشعوب والأمم ونهضتها، وصعودها على سُلّم الرّقي، والمعرفة، والازدهار. وأيضا بالقراءة والمعرفة يمكن صد جميع المخاطر والأفكار التي تنتجها التكنولوجيا أو أي فكر جديد.  

إن التأثيرات السلبية للتكنولوجيا كثيرة فمنها على سبيل المثال لا الحصر: التأثيرات الجسدية للتكنولوجيا – وهي كثيرة- والتي تعد هي أوضح قياس كمي بين جميع السلبيات، فمثلا لا يؤدي الجلوس بجهاز رقمي إلى تقليل مقدار الحركة البدنية المطلوبة للبقاء في صحة جيدة فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى تحفيز تناول المزيد من الوجبات الخفيفة، والتي تؤدي جميعها إلى الإصابة بالسمنة من بين العديد من الأمراض. كما يؤدي الجلوس المستمر أيضًا إلى مشاكل في الظهر والرقبة، والتي تفاقمت الآن من خلال الانحناء لمشاهدة الجهاز المحمول باليد طوال الوقت، مما يؤدي إلى مرض جديد تمامًا يسمى Text Neck،كذلك تتسبب التكنولوجيا في التهاب الأوتار في الإبهام الناجم عن الاستخدام المتكرر له للضغط على أزرار الأجهزة. ومرض متلازمة نفق كاربيل" وهو عبارة عن مشاكل جسدية أخرى ناتجة عن الإفراط في استخدام الرسغ والأصابع للكتابة على الأجهزة. كذلك التحديق المستمر في الشاشة يمكن أن يؤدي إلى صداع مزمن وضعف البصر. وحسب الأبحاث العلمية من المحتمل أن تسبب الموسيقى الصاخبة والمتواصلة في سماعات الرأس فقدان السمع ورنين الأذنين.

وهناك التأثيرات التكنولوجيا على الصحة النفسية، فيُعد إدمان التكنولوجيا مشكلة عقلية خطيرة تنجم عن استخدام / الإفراط في استخدام الأدوات الرقمية، والتي يمكن أن تؤدي إلى تدمير الروابط الاجتماعية والأسرية. كذلك الإجهاد المزمن النتاج من استخدام الهواتف الذكية، هو مشكلة تم اكتشافها حديثًا للاستخدام الرقمي ، حيث تعمل الإشعارات والتفاعلات المستمرة مع الأدوات الرقمية على إنشاء مسارات ذاكرة جديدة للتوتر والخوف في الدماغ. إن الجزء من أدمغتنا الذي يتعامل عادة مع مستوى التفكير الأعلى يتوقف عن العمل في ظل حالات التوتر والقلق والحزن والخوف، وهذا يسبب تقليل قدرتنا على التفكير الحرج.

أما عن تأثير التكنولوجيا على الصحة الاجتماعية إن الإفراط في استخدام التكنولوجيا يحرم البشر من المهارات الاجتماعية. لأن الجميع أصبح يفضل الدردشة على منصات الإنترنت عن مقابلة الأشخاص واقعيا، وهذا يؤدي إلى فقدان القدرة على قراءة الإشارات مثل تعابير الوجه ولغة الجسد ونبرة الصوت.  وهناك بحوث تؤكد أنه كلما كثر استعمالنا للتكنولوجيا، كلما تضاءلت علاقاتنا الإنسانية وتدهورت.

كما إن للتكنولوجيا تأثيرات سلبية على الخصوصية والأمان فيمكن أن يؤدي سوء استخدام التكنولوجيا إلى تعريض الاشخاص لعدد من المخاطر، منها التنمر والتحرش والاستغلال. فلقد أدت سهولة الوصول إلى المعلومات إلى طمس حدود الخصوصية. كما يمكن للمتسللين استخدام المعلومات الشخصية لأغراض شائنة، مما يعرض الشخص للخطر.

والأخطر إن للتكنولوجيا دور بارز في زيادة شراسة وسهولة الحروب، فقد أدى الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا في الحروب إلى جعل المجتمع ضارًا للأشخاص الذين يعيشون فيه. دعنا نلقي نظرة سريعة على كيف أن التكنولوجيا المستخدمة في الحرب لها آثار سلبية على المجتمع : مثلا لقد زادت الأسلحة المدمرة التي تم تطويرها في العقود القليلة الماضية من حدة الحروب. كما تستخدم تكنولوجيا الأسلحة لأعمال إرهابية مختلفة، فمنذ القرن التاسع عشر حتى الآن، أودت تكنولوجيا الأسلحة بحياة الملايين من الأبرياء. كما تم تطوير الآلاف من الأنواع المختلفة من الأسلحة التدميرية الحديثة من خلال التقدم التكنولوجي. بداية من القنابل الذرية، إلى الصواريخ الباليستية، ثم الذكاء الاصطناعي الآن.

الخلاصة أن التكنولوجيا مهمة جدا حقًا لبقاء البشر في المجتمع ولتسهيل حياتهم، ولكن في نفس الوقت، لها العديد من الآثار الضارة على الإنسان الذي يعيش في ذلك المجتمع. فالتكنولوجيا التي تجعل مجتمعنا مزدهر ومحمي. يمكنها هي نفسها أن تصبح تهديدًا لحياتنا أيضًا بشكل لا يتصوره انسان عادي. هذا التحول من الإيجابي إلى السلبي يتوقف على الطريقة التي نستخدمها بها. فاستخدامنا يجعل التكنولوجيا مفيدة أو ضارة، لذلك علينا أن نتعلم كيف نستفيد منها عن طريق تعلمها، والاستمرار في التعلم كل جديد فيها.

أ.د. غادة محمد عامر

عميد كلية الهندسة جامعة مصر للعلوم والتكنلوجيا

زميل ومحاضر – كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا