رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


شهر رمضان والتنمية البشرية

8-4-2023 | 14:52


سارة السهيل,

في هذا المقال سأتناول شهر رمضان المبارك من زاوية مختلف وهي زاوية كبت النفس وتعلم الصبر والتحكم في الغرائز وكيف تكون أنت أقوى من نفسك 
النفس التي هي أحيانا أمارة بالسوء.. كيف يمكننا أن نقوى عليها ونهذبها ونشذبها ونجعلها طواعة لنا لا مسيطرة علينا. 

لن تحصل على كل هذا إلا لو عملت كل شيء بحب واقتناع بينما الواجب المفروض أو الإجبار والإكراه لن يؤتي بالنتائج كاملة ولهذا يجب أن نكون على يقين بأن الإيمان الداخلي أهم خطوة وأول خطوة لغرس قيم وفضائل جديدة وتغيير أنماط حياة غير متوازنة أو غير صحيحة؛ فالعطاء بتضحية يعطي لك مشاعر إيجابية لا يمكن شراؤها بكنوز الأرض فالعطاء نعمة كون المعطي مليء والذي لا يعطي فارغ وكما قال الله تعالى في كتابه اليد العليا خير من اليد السفلى بإشارة العطاء. 

ولكن العطاء بحب الغير مشروط وهو أحد نماذج تدريب النفس على التفاعل والإيثار ونبذ الأنانية وعدم التركيز طوال الوقت فقط مع الذات ولا أقول أبدا لا تحب نفسك بل على العكس حبك لنفسك سيشع حبا لمن حولك لأن كاره نفسه هو نفسه الناقم على الحياة والناس.

فالعطاء التطوعي هو قريب من تطويع النفس وهو نفسه عندما تشعر الأم بالسعادة إذا أعطت من صحتها ووقتها وسهرت على تمريض ابنتها تطوعا وعطاء لأنها تفعل هذا بحب وإيمان وهو نفسه عندما تضحي المرأة وتعطي لزوجها من الحب والاهتمام وربما تعطيه قطعة الشوكولاتة المفضلة لديها وتحرم نفسها منها فتشعر هي بالسعادة أكثر منه ذلك لأنه ليس إجبارا ولو كان هذا إجبارا ستشعر بالحزن والبؤس والانكسار كونها لم تستطع أن ترفض ما لا ترغبه لاعتبارات اجتماعية وعائلية وغيرها. 

وهذه الأمثلة ليست بعيدة عن فكرة التقشف والزهد فعطاء ما لديك والاكتفاء بالقليل أو بلا شيء هو الزهد والتقشف نفسه وهو نفسه ما تضحي به أنت حين تصوم فالصيام هو الامتناع عن متع من متع الحياة بل الامتناع عن مصادر مهمه من مصادر العيش؛ الأكل و الشرب والملذات كلها. 

فأنت تحرم نفسك من الطعام الذي حين تجوع ربما تأكل أي شيءٍ حتى لو طعمه غير محبب بالنسبة لك لأن غريزة الجوع قوية أما العطش فبالنسبة لي أقوى بكثير من الطعام لأنه سر الحياة 
ومع ذلك فنحن نصبر ساعات طويلة تصل احيانا الى ١٢ ساعه أو ١٥ ساعه حسب البلد و الجغرافيا  فهذا التدريب والتمرين لم يكن المقصود به تجويعك وتعطيشك وإنما تعويدك على كبح جماح نفسك 
و السيطرة عليها و تعزيز التحكم بنفسك و ذاتك و هو ما يحقق الكفاءة الذاتية و هي قدرة الانسان على التحكم بذاته و سلوكه و رغباته و من هنا تأني ثقته بنفسه انه هو الذي يأمر نفسه و ليس نفسه التي تأمره.

ومن هنا نجد أن شخصا لا يستطيع الإقلاع عن التدخين وشخص آخر يستطيع ونجد أن شخصا يستطيع أن لا يدمن على الأرجيلة وآخر إذا دخنها مرة أن يتركها طوال عمره لأنه أسير نفسه وهواها وعاداتها التي اكتسبتها بالتجارب واستمرار الرغبة. 

ومن هنا نجد أن أشخاص كثيرون يستطيعون التوبه عن الذنب والرجوع إلى الله وآخرون يبقون طوال أعمارهم أسرى لهوى النفس وحتى وإن بلغوا من العمر عتيا وبالعودة إلى الصوم وكبت مكابح النفس وتعلم الصبر وتحمّل المسؤولية التي تؤدي الى الراحة النفسية وكظم الغيظ والسيطره على الانفعالات العصبية و رفض المغريات و النزوات حيث ان الصائم لا يجوز له السب او الشتم او التعدي على الاخرين و من هنا يأتي التأقلم و تعويد النفس على الانضباط العصبي و الانفعالي فغضبك لن يعود هو الذي يسحبك للخطأ او العنف او النزول الى مستويات وضيعه بالرد على الكلام او الضرب مثلا و ايضا عدم المثول امام الرغبات من المنكرات و الممنوعات التي منعها الله من عباده حتى يحافظ على كرامتهم و صحتهم و شكلهم الاجتماعي و كيانهم و احترام الناس لهم مثل تعاطي المخدرات او العلاقات الغير سوية و الغير اخلاقية و غيرها مما يبدد كرامة الانسان ويجعله مهانا في نظر نفسه و الآخرين. 
انها (الإرادة) تقوية الارادة 
فكل هذا تدريب النفس اثناء الصيام دون ان يدرك الانسان هذا لان هناك اجزاء في العقل البشري تدعى بالزاحف و لربما المقصود بها الباطن وهو المسؤول عن التفكير البسيط و هو الذي يبعث هذه المخزونات الى العقل او القشرة المخية التي من وظيفتها انها تعدل السلوك الاجتماعي و تصنع الوعي و الخبرة و تعطي الاوامر بأخذ القرار و هذا من شروطه الصحة النفسيه حتى تعمل بشكل صحيح دون خلل فحين تفكر في نفسك و تحاول ان تقيم ادائك و سلوكك و تفكر في اعماق نفسك فأنت تتيح لنفسك الفرصة للتغير و هذا الوقت يكون متاح بشكل اكبر اثناء الصيام حيث لا طعام تلهو به ولا شراب ولا مغريات الدنيا كلها ومن هنا انت تلتقي مع نفسك و تتعرف بها و تعقد معها صداقة جديدة و تحدث معها معاهدات و اتفاقيات و عقود جديدة لتنمية نفسك و قدراتها.

وربما هذا هو السبب في أنخفاض نسبة الجريمة في رمضان ليس بسبب الجوع و قلة الحيلة بسبب العطش او انخفاض السكر بالدم و انما ايضا بسبب مراجعة النفس و حسابها لان حسب دراسة قرائتها مرة بأن الصيام يزيد التركيز و يقوي الذاكرة فأنا عن نفسي قبل اي ندوة او محاضرة لي اتجنب الطعام لانه يقلل من تركيزي و هذه تجربة شخصية وذلك بسبب زيادة تدفق الدم على المخ و الدم المحمل بالأكسجين يعمل على زيادة الانتباه و التركيز كما ان الجوع يقلل من زيادة نسبة هورمون الكورتيزول الذي يسبب التوتر وبالمقابل يزيد افراز هورمون الاندروفين الذي يؤدي للشعور بالسعادة 
إذا نستخلص أن في الصوم فوائد كثيرة جدا ومن ضمنها السعادة.