محلب فى مهمة وطنية..
لا يطربنى سوى صوت هدير المكن، ولا يغبطنى إلا صورة العمال الشغالة، ويؤرقنى استمرارية إغلاق المصانع وهم البطالة، وقلة الرزق، بيوت مغلقة على ما فيها من ألم.
بلى ولكن ليطمئن قلبى، متعجلا فتح أبواب الرزق، أسأل المهندس إبراهيم محلب أين أنت من فتح المصانع المغلقة؟، منذ تلقى محلب التكليف الرئاسى برئاسة لجنة دراسة أوضاع المصانع المتعثرة وهو صامت تماما، أعرف عن محلب أنه لا يتكلم إلا إذا أنجز، رجل أفعال، إذا تحدث فعل، ولكنه فى هذا الملف تحديدا طال صمته.
أخشى أنه ملف ملغوم ومعقد ومأزوم، المصانع المغلقة أم المشاكل، ولكن محلب قدها وقدود، وليس غريبا عن هذا الملف، كان تحت رعايته أثناء رئاسته لمجلس الوزراء، ولم يسعفه الوقت لفتح الأبواب المغلقة.
التكليف الرئاسى لمساعده النشيط محلب نقلة نوعية فى محاولة جادة لتفكيك هذه المشكلة التى كلفتنا كثيرا، الرئيس كلف «البلدوزر» بإزاحة الركام المتخلف عن السنوات السبع العجاف التى كلفتنا كثيرا، القرار الرئاسى بتكليف محلب يعنى عزما رئاسيا أكيدا على حلحلة هذه المشكلة الأزلية.
ربنا معاه، معلوم محلب إذا تولى ملف أولاه العناية الكافية، وسابقة أعماله فى لجنة استرداد أراضى الدولة (حق الشعب)، والأرقام المليارية المتحققة بالقانون حلحلت أعقد قضايا الاستيلاء على أراضى الدولة بعدل وحكمة مع الحفاظ على كامل حق الشعب فى ثروته العقارية.
ويقينى أن محلب منشغل تماما بهذا الملف، ولن يهدا له بال محلب ولن يرتاح له جنب، حتى يعيد المصانع التى تملك فرصا حقيقية للإنتاج إلى مسارها الطبيعى، محلب يملك صبرا هائلا، وإلحاحا دؤوبا على المصلحة العامة، وقدرة منجزة على الإنجاز، فضلا عن تشكيلة من حوله من كبار المسئولين والمتخصصين قادرين على تهيئة المناخ الصحى لإعادة تشغيل هذه المصانع التى طال تعثرها دون أمل فى إعادتها إلى عجلة الإنتاج، ونحن فى أمس الحاجة إلى الإنتاج.. الإنتاج هو كلمة السر فى حل مشكلات الاقتصاد الوطنى.
اختيار محلب أراه صائبا، فالرجل على دراية كافية بجوانب القضية، وملف المصانع المتعثرة كان تحت نظره حتى وقت قريب عندما كان رئيسًا للوزراء، ولكن الوقت لم يسعفه، وها هو الملف يعود إليه مجددا لإنجاز ما لم يستطع إنجازه فى ملف متضخم ومعقد وملتبس، وهو لها كما يقولون.
التعقيد فى هذا الملف محزن، يكفى أن المشاكل الإدارية تقف وراء تعثر المصانع بنسبة لا تقل عن ٩٠ فى المائة بينما تقف المشاكل التمويلية وراء النسبة الباقية، القضية مش قروض القضية إدارة، ومشكلة الإدارة فى مصر أم المشكلات، «ومنين نجيب ناس لمعناة الكلام يفهموه.»
وإذا كانت اللجنة ستباشر اجتماعاتها لدراسة نحو ٧ آلاف مصنع متعثر، فإن محلب يحتاج دعما عاجلا من الحكومة عبر تفاهمات مصرفية مع رؤساء البنوك العامة فى جدولة القروض المزمنة، وإتاحة تمويلات جديدة بفوائد ميسرة لتمكين هذه المصانع من العودة إلى ملعب الإنتاج بما يضمن توفير فرص عمل حقيقية تمتص نسبة لا بأس بها من المتعطلين، وتسهم فى خفض معدلات الاستيراد، وتتيح فرصا تصديرية ماثلة فى الأسواق التى يفتحها الرئيس فى جولاته الإفريقية والآسيوية، جولات الرئيس الإفريقية تفتح أسواقا، وجولاته الآسيوية توفر احتكاكا بالنمور الاقتصادية، «قمة البريكس» نموذج ومثال على الجهود الرئاسية فى تهيئة المناخات للنهوض الاقتصادى.
القضية حقيقة تحتاج إلى شجاعة من رؤساء البنوك التى تتحفظ على تمويل المصانع المتعثرة حتى ساعته وتاريخه لأسباب مصرفية، وقبلا لم تستجب لمبادرة الرئيس بتمويلات استثنائية للمصانع المتعثرة، البنوك تخشى، ولسان حالها لن نزيد مبلة القروض المتعثرة بقروض جديدة، والخسارة القريبة أفضل جدًا من المكسب البعيد، ومحفظة المصانع المتعثرة فى البنوك تضخمت كثيرا وصارت تشكل عبئا على كاهل البنوك، سيما أنه لا أمل فى حل المشكلة إلا بتمويلات جديدة، وهذا ما لم تطق عليه البنوك صبرا.
معلوم من جانب حكومة شريف إسماعيل أنها بصدد تأسيس صندوق لدعم المصانع المتعثرة بميزانية تقدر ب١٥٠ مليون جنيه، وهذا جيد وحسن ويسهم فى حلحلة القضية ويوفر على محلب مرحلة من الحل وهى التمويلات العاجلة، ولكن هذا ليس كل الحل، الحل يتطلب جهودا إضافية، كل مصنع متعثر وحده قضية لابد وأن تدرس من كافة جوانبها وبحث حالات التعثر حالة حالة، وأرجو إعلان حل كل حالة وفور إعادتها إلى الإنتاج هذا يعطى أملا وينشر روحا إيجابية.
نعم ليس كل المصانع المتعثرة جاهزة للعودة أو أصحابها جادون، بل هناك من أشهر إفلاسه وطلق الصناعة، وبعضهم يستعد لإشهار إفلاسه فعليا، وتحول إلى الاستيراد والتصدير هذا أيسر وأربح.
القضية ليست قروضًا وتمويلات فحسب، هناك مشاكل بيروقراطية إجرامية، يكفى أن تعرف أن نسبة لا تقل عن ٢٠ فى المائة من مشكلات التعثر وراءها إجراءات الحصول على التراخيص، وهذه قضية يجب أن يتولاها محلب برعايته وبقرارات من حكومة شريف إسماعيل، خاصة أن البيروقراطية تقوم بفروضها المعتادة فى تعويق العملية الإنتاجية، وهذا يتطلب اقتحامًا لقضية الروتين التى تكلفنا كثيرا من توليد فرص الإنتاج الواعدة.
وفى الأخير قضية الإنتاج حياة، يكفى أن تشغيل المصانع المتعثرة فى القطاع الطبى وحده توفر حال تشغيلها نحو ٤.٥ مليار جنيه كلفة استيراد المستحضرات الحيوية التى تستحوذ الشركات الأجنبية على ٥٥ فى المائة من السوق المصرى مقابل ٢.٢ لشركات قطاع الأعمال التى تملك إمكانات ضخمة لكنها سقطت من حالق عاجزة عن مجاراة السوق.
هذا فى قطاع واحد من عشرات القطاعات التى استمرأت الاستيراد وأهدرت القليل المتوافر من النقد الأجنبى، قضية المصانع المتعثرة فى تصورى قضية حياة أو موت، كل مصنع يفتح يوفر فرص الحياة الكريمة لعشرات، ٧ آلاف مصنع مغلق هذا رقم كارثى، يحتاج إلى عزيمة رجل حمول صبور مثل محلب، موفق إن شاء الله.