د. علي عبد النبي,
تلوث الهواء عموما، إما يكون كيميائيا أو فيزيائيا أو بيولوجيا، ويؤدى إلى تعديل الخصائص الطبيعية للهواء، أى يؤثر على جودة الهواء بالسلب.
تلوث الهواء يطلق عليه أسم القاتل الغير مرئى، هذا القاتل له قبضة خانقة على أجزاء كثيرة من كوكب الأرض. من كل 10 أفراد يتنفس 9 منهم هواء ملوثا، بمستوى تلوث تتجاوز الحدود المحددة من منظمة الصحة العالمية. فى كل عام، يموت حوالى 7 ملايين شخصا بسبب الأمراض والالتهابات المتعلقة بتلوث الهواء ... أى أكثر من خمسة أضعاف عدد القتلى فى حوادث الطرق.
يأتى معظم تلوث الهواء من استخدام الطاقة وإنتاجها. حرق الوقود الأحفورى يطلق الغازات والمواد الكيميائية في الهواء. لا يساهم تلوث الهواء فى تغير المناخ فحسب، بل يتفاقم أيضا بسببه. تلوث الهواء من ثانى أكسيد الكربون والميثان يرفع درجة حرارة الأرض. الضباب الدخانى، هو نوع آخر من تلوث الهواء، ويزداد سوءا بسبب الحرارة المتزايدة، ويتشكل عندما يكون الطقس أكثر دفئا ويكون هناك المزيد من الأشعة فوق البنفسجية.
الضباب الدخانى والسخام، هما أكثر أنواع تلوث الهواء انتشارا. يحدث الضباب الدخانى (يشار إليه أحيانا باسم الأوزون على مستوى سطح الأرض) عندما تتفاعل الانبعاثات الناتجة عن احتراق الوقود الأحفورى مع ضوء الشمس. يتكون السخام، من جزيئات صغيرة من المواد الكيميائية أو التربة أو الدخان أو الغبار أو المواد المسببة للحساسية - على شكل غاز أو مواد صلبة - التى يحملها الهواء.
الغبار أحد ملوثات الهواء، والغبار عبارة عن "جسيمات" صلبة دقيقة، قطرها أقل من 50 ميكرون، ويحدث الغبار فى غلاف الأرض الجوى لأسباب عديدة، منها غبار التربة الذى تحمله الرياح وغيرها، وحبوب اللقاح تعتبر أيضا غبارا.
ثلث مساحة اليابسة العالمية مغطاة بأسطح منتجة للغبار، وهى تتكون من المناطق القاحلة للغاية مثل الصحراء التى تغطى 0.009 مليار كيلومتر مربع، والأراضى الجافة التى تشغل 0.052 مليار كيلومتر مربع. معظم الغبار الذى تحمله الرياح، يأتى من هذه المناطق، وذلك نتيجة سرعة الرياح العالية، والقادرة على إزالة مواد بحجم الطمى من سطح اليابسة.
الجسيمات التى يحملها الهواء عبارة عن خليط معقد من الجسيمات والقطرات السائلة المكونة من الأحماض (مثل النترات والكبريتات)، والأمونيوم، والماء، والكربون الأسود، والمواد الكيميائية العضوية، والمعادن، وجزيئات التربة، والمواد المسببة للحساسية (مثل حبوب اللقاح أو جراثيم العفن). يرتبط حجم الجسيمات ارتباطا مباشرا بإمكانية تسببها فى مشاكل صحية، ويقاس قطر هذه الجسيمات بالميكرون.
تم تقسيم الجسيمات إلى نوعين، وهى الجسيمات الخشنة والجسيمات الدقيقة. يتراوح قطر "الجسيمات الخشنة" من 2.5 إلى 10 ميكرون، مثل تلك الموجودة بالقرب من الطرق والصناعات المتربة. ويشمل معيار الجسيمات "الخشنة" الحالى (المعروف باسم PM10) جميع الجسيمات التى يقل حجمها عن 10 ميكرون. ويتراوح قطر "الجسيمات الدقيقة" (أو PM2.5) أقل من 2.5 ميكرون، مثل تلك الموجودة فى الدخان والضباب. ويشار إلى PM2.5 على أنها "أولية" إذا انبعثت مباشرة فى الهواء كجسيمات صلبة أو سائلة، وتسمى "ثانوية" إذا تشكلت عن طريق تفاعلات كيميائية للغازات فى الغلاف الجوى.
الجسيمات الدقيقة، والأوزون الموجود على مستوى سطح الأرض، وثانى أكسيد النيتروجين، والكربون الأسود، والميثان، وأول أكسيد الكربون، وثانى أكسيد الكبريت، من أخطر أنواع ملوثات الهواء، والتى تسبب أضرارا لصحة الإنسان.
لذلك يرتبط تلوث الهواء ارتباطا وثيقا بتغير المناخ، لأن الملوثات المناخية قصيرة العمر، مثل الميثان والكربون الأسود والأوزون الأرضى، لها تأثير كبير على ظاهرة الاحتباس الحرارى. يمكن أن يؤدى خفضها إلى خفض المعدل الحالى للاحترار. وبالتالى، فإن سياسات الحد من تلوث الهواء تقدم استراتيجية مربحة لكل من المناخ والصحة، وتقلل من عبء المرض الذى يعزى إلى تلوث الهواء، فضلا عن المساهمة فى التخفيف على المدى القريب والطويل من تغير المناخ.
الجسيمات الدقيقة غير مرئية للعين المجردة، على الرغم من أنها تشاهد كضباب دخان فى المناطق شديدة التلوث. هناك نوعان من المصادر التى تنتج هذه الجسيمات وهى، مصادر طبيعية، مثل الغبار الطبيعى الذى تحمله الرياح، ومصادر صناعية من صنع الإنسان. المصادر الصناعية للانبعاثات مثل، المصانع، ومحطات الطاقة الكهربائية التى تعمل بالفحم والمازوت، والمركبات والشاحنات (خاصة محركات الديزل)، وحرق الحطب والفحم فى الهواء الطلق، وحرائق الغابات، والمداخن، ومواقد الحطب، ومراجل الحطب الخارجية (وتسمى أيضا السخانات المائية)، وحرق الوقود غير النظيف لأغراض الطهى أو التدفئة، والغاز الطبيعى لتدفئة المنازل، وحرق النفايات والمخلفات الزراعية، وأنشطة البناء، و الطرق، والأبخرة الناتجة عن الإنتاج الكيميائى، والغلايات التى تعمل بالفحم والبترول، وبعض العمليات الصناعية، بما فى ذلك تكرير البترول وإنتاج اللب والورق. يمكن أن تنبعث هذه الجسيمات مباشرة أو تتشكل فى الغلاف الجوى من العديد من الملوثات المنبعثة المختلفة، مثل الأمونيا والمركبات العضوية المتطايرة.
الجسيمات الدقيقة تعتبر من أكبر المخاطر على صحة العامة، حيث يرتبط حجم الجسيمات ارتباطا مباشرا بإمكانية تسببها فى مشاكل صحية. يمكن أن تتوغل هذه الجسيمات الدقيقة فى عمق الرئتين وقد يصل بعضها إلى مجرى الدم، مما يزيد من خطر الوفاة بسبب أمراض القلب والرئة والسكتة الدماغية والسرطان. التعرض لهذه الجسيمات يؤثر على رئتى الشخص وقلبه. فى المقابل نجد أن الجسيمات الخشنة أقل إثارة للقلق، على الرغم من أنها يمكن أن تهيج عين الشخص وأنفه وحلقه.
تشمل الآثار الصحية طويلة المدى لتلوث الهواء أمراض القلب وسرطان الرئة وأمراض الجهاز التنفسى مثل انتفاخ الرئة. يمكن أن يتسبب تلوث الهواء أيضا فى تلف طويل الأمد للأعصاب والدماغ والكلى والكبد والأعضاء الأخرى. هناك احتمال كبير فى أن ملوثات الهواء تسبب تشوهات خلقية للأجنة.
الدراسات الصحية أظهرت وجود ارتباط كبير بين التعرض لتلوث الجسيمات والمخاطر الصحية، بما فى ذلك الوفاة المبكرة. قد تشمل الآثار الصحية تأثيرات القلب والأوعية الدموية مثل عدم انتظام ضربات القلب والنوبات القلبية، والآثار التنفسية مثل نوبات الربو والتهاب الشعب الهوائية. يمكن أن يؤدى التعرض لتلوث الجسيمات إلى زيادة دخول المستشفى، وزيادة حالات الطوارئ، والتغيب عن المدرسة أو العمل، وتقييد أيام النشاط، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يعانون من أمراض القلب أو الرئة الموجودة مسبقا، وكبار السن، والأطفال.
كبار السن والأطفال والأشخاص المصابون بأمراض القلب أو الرئة، مثل مرض الشريان التاجى وفشل القلب الاحتقانى والربو أو مرض الانسداد الرئوى المزمن أكثر عرضة لخطر الجسيمات من غيرهم، ويتعرضوا لخطر متزايد لأن الجزيئات يمكن أن تؤدى إلى تفاقم هذه الأمراض.
يؤدى التعرض للجسيمات الدقيقة إلى مجموعة متنوعة من الآثار الصحية، والمشاكل الصحية تعتمد على مدة التعرض للجسيمات إذا كانت مدة التعرض طويلة أو قصيرة.
إذا كانت مدة التعرض طويلة، نجد أن الأشخاص الذين يعيشون فى مناطق بها مستويات عالية من الجسيمات الدقيقة، يعانوا من مشاكل صحية مثل، ضعف وظائف الرئة وتطور التهاب الشعب الهوائية المزمن ... وحتى الموت المبكر.
عندما تكون مستويات الجسيمات الدقيقة عالية، يكون كبار السن أكثر عرضة للدخول إلى المستشفى، وقد يموت البعض منهم بسبب أمراض القلب أو الرئة المتفاقمة. وكذلك الأطفال يكونون فى خطر حيث لا تزال رئاتهم فى طورالنمو، وهم أكثر عرضة للإصابة بالربو أو أمراض الجهاز التنفسى الحادة، والتى يمكن أن تتفاقم. والأشخاص المصابون بداء السكرى أيضا يكونون فى خطر متزايد، ربما لأنهم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وكذلك الأشخاص المصابون بأمراض تزيد من خطر الإصابة بنوبة قلبية، مثل ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع مستويات الكوليسترول، يكونون فى خطر متزايد. كما أن التعرض لمستويات عالية من الجسيمات، قد يرتبط أيضا بانخفاض وزن الأطفال عند الولادة، والولادات المبكرة، وربما وفيات الأجنة والرضع.
إذا كانت مدة التعرض قصيرة "ساعات أو أيام"، يتعرض الأطفال والبالغون الأصحاء لتهيج طفيف ومؤقت، مثل تهيج العين والأنف والحلق، وسعال، وبلغم، وضيق الصدر، وضيق فى التنفس. والأشخاص المصابون بأمراض الرئة، تتسبب فى نوبات الربو والتهاب الشعب الهوائية الحادة، وقد يزيد أيضا من قابلية الإصابة بعدوى الجهاز التنفسى، وقد لا يتمكنوا من التنفس بعمق أو بقوة كالعادة، وقد يعانوا من السعال، وعدم الراحة فى الصدر، والصفير، وضيق التنفس، والتعب غير العادى. والأشخاص المصابون بأمراض القلب، قد يؤدى إلى نوبات قلبية وعدم انتظام ضربات القلب.
نحذر الأشخاص المصابين بأمراض القلب ونقول: التعرض للجسيمات الدقيقة لفترة طويلة يمكن أن يتسبب عنها مشاكل خطيرة فى فترة قصيرة من الوقت، مع عدم وجود علامات تحذيرية. لذلك لا تفترض أنك فى أمان لمجرد عدم ظهور الأعراض عليك. قد تشير الأعراض مثل ألم الصدر أو ضيقه أو خفقان القلب أو ضيق التنفس أو التعب غير المعتاد إلى وجود مشكلة خطيرة.