رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مستقبل الحكومات في ظل التطور التكنولوجي

21-4-2023 | 13:25


د. غادة عامر

نبتكر أو لا نبتكر، لم يعد هذا السؤال مناسب الآن، لأن الجميع في هذا العصر شعر أو بدأ يشعر بأهمية الابتكار المحلي له ولمجتمعه، لقد تنبهت الحكومات العربية -بعد ما أطلق عليه الربيع العربي- إلى أن دعم الابتكار وريادة الأعمال هو الحل الوحيد لقوتها وبقائها، لكن للأسف مازال الكثير من الحكومات لا تفهم سمات العصر الحالي -الثورة الصناعية الرابعة وتكنولوجياتها الفائقة سريعة التطور- لكي تجعل المبادرات والإجراءات التي تدشنها كل يوم  لدعم الابتكار الوطني وريادة الأعمال منظومة متكاملة لخلق الابتكار ولدعم المبتكرين بشكل فعال وذات منتج ملموس.

إن التطور التكنولوجي الذي نعيشه الآن، خلق ضغوطات غير مسبوقة على الحكومات في العالم أجمع، وليس فقط في منطقتنا، لأنه جاء بسمات لا تستطيع الحكومات التقليدية أن تتعامل معها، فمثلا من أهم سمات هذا العصر هي أن المعرفة أصبحت في يد للجميع، فقبل زمن بسيط كانت المعلومات مصدرها واحد ومسيطر عليه. مثل أن يكون مصدرها الحكومة أو الجرائد الرسمية أو القنوات التلفزيونية الحكومية، وكانت في الأغلب مصدر المعلومة واحد ومقنن وبشكل موجه.

أما الآن اصبح مصدر المعلومات متعدد، ومصادرها وتوجهاتها متعددة لدرجة صعب تخيلها. فمثلا هناك معلومات من مصادر رسمية، ومعلومات من الإنترنت، أو من شبكات التواصل الاجتماعي، او الإعلام التجاري الذي يكون عادة خارج سيطرت الحكومات المحلية، أي أن المعرفة الآن موجوده ومصادرها متنوعه ومتاحة للجميع وبشكل سريع، بل ولحظي، وأحيانا تكون المعلومات صحيحة واحيانا تكون موجهه وأحيانا يكون فيها نقص عن الحقيقية والأخطر عندما تكون خاطئة ومثيرة للقلائل وللفتن، وهذا كله بالتأكيد يشكل ضغط كبير على الحكومات التقليدية.

من السمات الأخرى لهذا العصر أنه أصبح بسبب التواصل المفتوح، يشكل ضغط دولي على الحكومات لكي تطور من عملها، حيث إنه في آخر 20 عام، صدر عدد من التقارير للمقارنه بين كل دول العالم في جميع نواحي الحياة، كجودة البنية التحتية، والتعليم، والصحة، وجودة الاتصالات وسهولة ممارسة الأعمال التجارية، والتنافسية و قدرة الدولة على الابتكار و غيرها من تقارير المقارنات، لذلك الآن لم يعد مقبول أن يخرج مسؤول الحكومة ليقول مثلا أن مستوى التعليم ما قبل الجامعي جيد، لأنه سوف يخرج تقرير دولي يبين حقيقة الوضع، أي أن المجتمع العربي يعرف وضع وتقيم حكومته من جهات خارجية، وهذا يشكل أيضا ضغط مستمر لم تتعود حكوماتنا العربية عليه.

كما إن توقعات المجتمع العربي في هذا العصر تغيرت، حيث أن المجتمع قل صبره، وأصبحنا نعيش في عصر "أريده الآن"، لأن هناك خدمات عديدة تقدم بشكل لحظي، فمثلا معظم عمليات البنوك تتم عن طريق ماكينة الصرافة، بل وأصبحت عبر الهاتف المحمول، كذلك يمكننا البيع والشراء في لحظات،  ويمكننا زيارة أي مكان في العالم والتواصل مع من نريد بشكل لحظي وبالتالي يتوقع المجتمع أن تقدم الحكومات الخدمات بنفس مستوى السرعة والكفاءة، لذلك تحتاج الحكومات ليس لأن تتحول إلى حكومة إلكترونية، بل إلى حكومة متنقلة ومتوفرة بشكل رقمي على الهواتف المحمولة وعلى كل المنصات والأجهزة، حتي تناسب العصر الجديد، وهذا أيضا يشكل عبئ على الحكومات العربية التقليدية.

إن أهم سمة من سمات هذا العصر، والعنصر الأكثر تأثيرا وضغطا على الحكومات، هو الشاب العربي الذي عمره الآن تحت 25 سنة، و الذي يشكل أكثر من 50% من المجتمع العربي، هذا الشباب الذي ولد في عصر غير اعتيادي وأصبح يمتلك قدرات تكنولوجية ومعلومات وأفكار جعلته مختلف 100% عن الأجيال السابقة، هذا الجيل الذي يستحيل أن يتقبل أفكار وطريقة الحكومات التقليدية القديمة، لأنه سوف يأخذ المعلومات عن أي موضوع من الإنترنت أو من شبكات التواصل الاجتماعي، وليس من الجهات الحكومية الرسمية، وعندما يقارن لن يقارن دولته إلا مع اليابان وكوريا وأمريكا، هذا الجيل لن يتقبل طرق التعليم التقليدية لأنه عنده معلومات ولدية القدرة على البحث على الإنترنت واستخراج أي معلومات يريدها أكثر من معلميه في كثير من الحالات.

هذا الجيل لديه طموح كبير لتحسين وضعه، ويعي أهمية تطوير مجتمعه وأعتقد أنه سوف يكون أكبر سبب ودافع لتغير أسلوب العمل الحكومي في الفترة القادمة.

لذلك نصيحتي لكل مسؤول وقائد في عالمنا العربي.."غيروا قبل ان تتغيروا".