أعياد النيل.. أبرز الأعياد عند المصريين القدماء
احتوت السنة المصرية على العديد من الأعياد وأيام العطلات، والتي منها ما ارتبط بتقويم السنة وبداية الفصول، ومنها ما ارتبط بالزراعة من حصاد وفيضان، وما ارتبط بالملك وتتوجيه وعيد ميلاده، ومنها ما ارتبط بالحياة الجنائزية، إلى جانب أعياد الموتى والأعياد الدينية.
ولقد كانت الأعياد منذ القدم محل اهتمام وتقدير كبيرين عند المصري القديم، حيث خصص لها أياما احتفالا بأعياد بعض الآلهة مثل: عيد حورس، أنوبيس، وسشات، إلى جانب عيد ولادة الآلهة وغيرها من الأعياد.
ونستعرض معكم عبر بوابة دار خلال احتفالات عيد الفطر المبارك أبرز الأعياد التي احتفل بها المصري القديم.
فمن بين الأعياد التي احتفل المصري القديم هي أعياد النيل ومظاهر الاحتفال بها والتي تناولها كتاب "النيل في عهد الفراعنة والعرب" لـ أنطوان زكري، والتي من بينها ما يلي:-
عرف من الآثار التي استكشفت أن المصريين كانوا يقيمون للنيل احتفالات تشبه الأعياد، ولم يذكر المؤرخون عنها إلا شيء قليلا، فمن ذلك ما قاله «بلين» المؤرخ الشهير: «إن المصريين في عصره كانوا يقدمون الغذاء للتماسيح ويلبسونها بعض الثياب في وقت الفيضان ويلقونها في النيل فتبدو ألوان الثياب الناصعة في منظر بهيج يروق الناظرين.»
والذي لا شك فيه أن كل الاحتفالات الخاصة بالمهرجانات التي تُقام لفيضان النيل سنويٍّا كانت بمنزلة فريضة دينية يحترمها الناس كاحترامهم للنيل، وكان رؤساء النيل يقيمون لها الزينات المعتادة للأعياد العامة.
وجاء أيضا ما نصه: «يستقبل الشعب المصري بالفرح والسرور ظهور مياه السلسلة المقدسة فابتهاج النفوس. وفرحها بمجيء النيل أمر طبيعي، ويجب أن يعد فيضانه في مقدمة الأعياد التي بحلولها يهنئ المصريون بعضهم بعضا.»
وجاء في أنشودة النيل المكتوبة في ورقة أنسطاسي البردية ما نصه: «أيها الفيضان المبارك، قدمت لك القرابين والذبائح، وأقيمت لك الأعياد العظيمة، وذبحت لك الطيور واقتنصت لتحيتك الغزلان من الجبال، وأعدت لك النار الطاهرة، وقدم لك البخور والنعم السماوية والعجول والثيران، فتقبلها هدية شكر واعتراف بفضلك".
وجاء ذكر أعياد النيل في مائدة للقرابين محفوظة في متحف فلورانس، ويرجع تاريخها إلى ملوك الأسر الثلاث الأولى.
وقال ماسبرو في هذا الموضوع: «عندما يصل الماء المقدس إلى جدران مدينة «سين» يقدم الكهنة أو الحاكم أو أحد نوابه ثورا أو بطا، ويلقيه في الماء في حرز من البردي مختوم عليه، ويكتب في الحرز الأمر الملكي الخاص بنظام الفيضان، ومتى ترأس الملك نفس هذا الاحتفال نقشوا في الصحراء وسجلوا هذا الحادث تذكارا تاريخيٍّا، وإذا تغيب الملك عن الاحتفال ناب عنه الكهنة باحتفال عظيم، حاملين تمثال المعبود سائرين به على ضفاف النيل والجسور مرتلين الأناشيد.»
ومن المستندات الرسمية الباقية عندنا الآن شواهد السلاسل الثلاث، ويرجع تاريخها إلى عهد الملوك رعمسيس الثاني، ومنفتاح ابنه، ورعمسيس الثالث، وهي تنقسم إلى جملة أجزاء، فبعد مقدمة رعمسيس الثاني تقرأ أنشودة النيل وخطاب الملك بالتهليل للمعبود، ثم القرار الذي يحدد تاريخ الأعياد، ويلحق به كشف القرابين.
وقد أمر الملك بتقديم القرابين لأبيه آمون رع ملك الآلهة مرتني في السنة؛ في زمن مياه السلسلة المقدسة وفي مكانه المكرم الذي لم تكن قبله مياه، حياة وسلام وقوة.
فتقدم القرابين في اليوم الأول من شهر سايت، وفي الخامس عشر من شهر توت، وفي الثالث من فصل الفيضان والخامس من شهر أبيب كضريبة سنوية.
ويلقى في النيل عجل أبيض وثلاث أوزات وهدايا ثمينة (لا بنت عذراء كما يزعمون)، ثم الكتاب الشامل لتفصيلات المهرجان، وأنواع الهدايا للإله آمون رع ملك الآلهة ورب مدينة طيبة.
ومهما اختلف المؤرخون في تواريخ أعياد النيل ونماذج احتفالاتها فلا تخرج عباراتهم عن قول واحد، وهو بذل جهدهم في مظاهر الأفراح عند مبادئ الفيضان، وإلى ذلك أشار العالم الأثري «دي روجيه»؛ إذ قال: «في اليوم الخامس عشر من شهر توت جاء فيضان النيل في سلسلة، وفي ١٥ أبيب صعد النيل فقدمت القرابين والهدايا للمعبود «حعبي»، وفي ذاك اليوم كانوا يلقون له ميثاقًا مكتوبًا من ديوان الملك، فيقبل النيل هذا العهد ولا يتخلف عن وعوده فيمنح مواهبه أرض عبيده المؤمنين.»
وفي نتيجة «مدينة هابو» تاريخ أعياد يحتفلون بها، ويظهر أن قدماء المصريين كانوا يحتفلون في يوم 30 من شهر كيهك بعيد الصليب، قال «بروكش باشا»: إنهم كانوا يحتفلون بهذا العيد في جملة مدائن مثل أدفو ودندرة وإسنا.
وكانوا يجعلون مقياس النيل عيدا خاصا، فيحمل مقياس النيل في معبد سريابيس.
وروى «سنيك» الفيلسوف الروماني أن المصريين في عهد الرومان كانوا يلقون في نهر بيلاق القرابين، ويُلقي الحكام بعدها هداياهم من الذهب وأنواع الحليِّ.
ولا زال تقليد الاحتفال بأعياد النيل باقيًا إلى يومنا هذا، ولا نعثر على نص مصري يؤيد ما نُسب إلى قدماء المصريين عن تقديمهم ذبيحة بشرية في حفلة فيضان، أو لأجل أن يجود النيل على البلاد بفيضه السنوي.
ويعد ازدهار العبادات المحلية من أهم سمات الديانة المصرية القديمة، ويرجع ذلك لتباعد المسافات والذي فرض عزلة على الأماكن المأهولة بالسكان، وقد كانت مصر قديما مقسمة إداريا إلى اثنين وأربعين إقليما، وكان كل إله يرتبط باسم إقليمه الأصلي حيث يوجد مركز عبادته.
وبالرغم من انتهاء حكم الفراعنة ودخول مصر في العهد اليوناني الروماني منذ 332 ق.م، إلا أن الديانة المصرية ظلت محل احترام وتقديس من الأوروبيين، وظلت عبادة الإلهة إيزيس سائدة أوروبا حتى استقرار الديانة المسيحية بها.