رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الرئيس السيسى فى واحدة من أهم جولاته الخارجية فى الصين وفيتنام: الحصاد العظيم لرحلة الشرق

11-9-2017 | 20:59


من مدينة «شيامن» الصينية، ومن «هو شى منه» - هانوى سابقاً - فى فيتنام، يمكنك قراءة المشهد بوضوح إذا تحليت بشيء من ترتيب الأفكار: ليست المرة الأولى التى يذهب فيها الرئيس السيسى إلى الصين بل المرة الثالثة، أما فيتنام.. فهو أول رئيس مصرى على الإطلاق يزورها.. وليست قمة «البريكس» أولى القمم الاقتصادية التى يدعى إليها الرئيس السيسى، وليست المرة الأولى التى يلتقى فيها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، لكن الجديد الذى تقدمه رحلة الرئيس السيسى إلى الشرق - هذه المرة - كثير وشديد الأهمية والتنوع، يكفى «السطر الأول» من هذا «الجديد» الذى تقدمه الرحلة: مصر حاضرة - بقوة - فى اقتصاديات الشرق، حاضرة - بقوة - فى التلاحم السياسى مع دول الشرق، العالم لا يبدأ عند الولايات المتحدة والحياة لا تتوقف بدونها، مصر أكبر - كثيراً - فى عصر السيسى من أن يتم تضييق الخناق عليها..!

ربما لم يسمع كثيرون من المصريين عن دول «البريكس» التى عقدت قمتها هذا الأسبوع فى «شيامن» الصينية، والتى طار الرئيس إليها بصحبة عدد من الوزراء وكبار المسئولين الأحد الماضى.. مدعواً من الرئيس الصينى «شى جين بينج».. هذه الدول عددها خمس دول: روسيا، الصين، الهند، جنوب إفريقيا، البرازيل.. وتملك هذه الدول الخمس وحدها ٢٢ فى المائة من الناتج العالمى، وترتفع احتياطياتها إلى ٤ تريليونات من الدولارات.. والدول الخمس تهيمن على أسواق واسعة، وتقدم منتجات لا يقوى على تقديمها سوى أكبر الدول امتلاكاً للتكنولوجيا فى التصنيع والزراعة، واثنتان منها عضوان دائمان فى مجلس الأمن «روسيا والصين» وتملك الدول الخمس قوات مسلحة من أهم تشكيلات القوات المسلحة فى العالم وأكثرها تطوراً.. فضلاً عن كونها تشكل نحو ثلث سكان العالم..!

إذا حين تدعى مصر إلى المشاركة فى قمة كهذه، أعضاؤها كهؤلاء، فإنها لا تدعى لالتقاط الصور الفوتوغرافية أو الإسهام الإعلامى فى تلميع هذه القمة، فهذه الدول لا تمزح ولا تجامل.. ولكنها تدعو مصر التى تستحق - بجدارة - أن تدعى إلى هذه القمة!

والرئيس السيسى حين ذهب إلى قمة «البريكس» ذهب ومعه إنجازات اقتصادية ملموسة، تؤهل مصر للحضور والمشاركة الفاعلة: ارتفاع الناتج المحلى لمصر، وكذلك ارتفاع الاحتياطى النقدى إلى ٣٦ مليارا من الدولارات، وتقدم مركز مصر فى التصنيفات الاقتصادية العالمية، وتحقيق مصر لحجم تجارة يبلغ ٢٠ مليار دولار مع دول «البريكس» الخمس، فضلاً عن ثقة بكين فى اقتصاد القاهرة الراهن.

هذا ما ذهب به الرئيس السيسى ضيفاً عزيزاً مرحباً به من دول البريكس الخمس، هذا ما كان فى جعبته.. أما ما كان فى ذهن الرئيس وهو يتوجه إلى هذه القمة، فنعتقد أنه البحث المتصل لدى الرئيس السيسى عن حلول جذرية لمواجهة المصاعب الاقتصادية فى مصر، فليست الحلول قاصرة على تحرير أسعار العملة، ولا على المشروعات القومية الكبرى، بل بفتح الأبواب على اقتصاديات الدول المؤثرة فى الاقتصاد العالمى.. وتوسيع الآفاق التى يرتادها اقتصادنا الوطنى، وتعظيم المجالات التى يساهم فيها هذا الاقتصاد سواء متلقياً أو صانعاً، استيراداً أو تصديراً، ليس للسلع بمنطق الاستيراد والتصدير القديم فقط.. بل استيراد التكنولوجيا، واستلهام التجارب الناهضة فى الاقتصاد، والجملة الأخيرة - تحديداً - تتعلق بزيارة الرئيس إلى «فيتنام» التى سنأتى على ذكرها فى سياق قريب من هذه السطور..!

لقد ألقى الرئيس السيسى أول أمس الثلاثاء كلمة دالة ومؤثرة وفاعلة حول «الأسواق البازغة والدول النامية» عرض فيها للتجربة المصرية التى قطعت شوطاً على الطريق ولا يزال أمامها المزيد لكى تقطعه، عارضاً فيها دور مصر فى تعزيز دور الدول النامية فى النظام الاقتصادى العالمى، وتطوير علاقات مصر مع دول «البريكس» التى صارت رقماً شديد الأهمية عالمياً..!

وفى لقائه مع الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» قبل إلقائه هذه الكلمة بيوم - الاثنين الماضى تحديداً - بحث سبل تعزيز التعاون فى مجالات الطاقة واستعادة الرحلات الجوية الروسية إلى مصر والتى جرى قطع طريق طويل لاستعادتها، ودعا الرئيس السيسى نظيره الروسى «بوتين» إلى حفل وضع حجر أساس المفاعل المصرى فى «الضبعة» قريباً.. لقاء السيسى - بوتين جاء كضربة قاسية لكل من تصور أن العلاقات المصرية - الروسية فترت فى المدة الماضية، اللقاء الذى أعلن فيه عن دعوة الرئيس السيسى للرئيس بوتين لحضور وضع حجر أساس «الضبعة»، بدا لقاء ودودا دافئاً، ظهرت فيه - واضحة - ملامح الصداقة المصرية الروسية العميقة، وظهرت فيه - واضحاً أيضاً - قوة العلاقة بين الرئيس السيسى والرئيس بوتين.. وتلاقى وجهات نظرهما حول قضايا وملفات متعددة لاسيما الملف السورى والملف الليبى، نتصور أن المزيد من التقارب والمزيد من الرصيد قد أضيف إلى العلاقات المصرية - الروسية فى لقاء الرئيسين السيسى وبوتين فى «شيامن» الصينية.

أما الرئيس الصينى - شى جين بينج - الذى دعا الرئيس السيسى إلى حضور هذه القمة بالأساس، فقد جاء لقاؤه مع الرئيس السيسى مثمراً لاتفاقيات بالغة الأهمية: مشروع القطار المكهرب من العاشر من رمضان إلى العاصمة الإدارية الجديدة، ومشروع الأوبرا الجديدة فى الأقصر بتكلفة ١٨٠ مليون دولار من الصين، والقمر الصناعى الجديد الذى تقيمه الصين لصالح مصر بقيمة ٤٥ مليون دولار، ومشروع زيادة الطاقة الكهربائية الذى يدخل عامه الثالث، واتفاقية لتنمية المهارات والقدرات وقيمته ٢٠٠ مليون دولار من الصين.. إذن جاء لقاء السيسى - شى جين بينج مثمراً للغاية، ولاسيما فى الجوانب الاقتصادية التى ذهبت مصر إلى قمة «البريكس» لتحقق فيها تقدماً بالأساس.. لا نبالغ إذا قلنا إن اتفاقيات التعاون المصرى - الصينى هذه رفعت سقف تعاون القاهرة - بكين إلى درجة أعلى بكثير مما كانت عليه.

ولم تقل أهمية عن لقائى السيسى ببوتين وشى جين بينج لقاءات الرئيس السيسى برئيس جنوب إفريقيا «جاكوب زومبا» ورئيس وزراء الهند «ناريندرا مودي» ورئيس غينيا «ألفاكوندي» التى دعيت كضيفة أيضاً إلى قمة البريكس.

ولم تقتصر لقاءات الرئيس السيسى على زعماء الدول المشاركة فى القمة، بل التقى كذلك وروساء كبريات الشركات الصينية التى يعمل بعضها فى تنفيذ مشروعات اقتصادية مهمة فى مصر فى مختلف المجالات، واستعرض معهم مدى التقدم الذى تم إحرازه فى هذه المشروعات.

لقد ذهب الرئيس إلى قمة «البريكس» ومعه أربعة وزراء: الخارجية «سامح شكري»، والاستثمار والتعاون الدولى «سحر نصر»، والصناعة والتجارة «طارق قابيل» والنقل «هشام عرفات» وعدد من كبار رجال الدولة.. أى أن الرئيس ذهب إلى «شيامن» الصينية مستهدفاً إبرام اتفاقيات اقتصادية ذات طابع استراتيجى، لصالح مصر والمصريين.. وإذا تأملنا تركيز الرئيس مع الجانب الصينى على اتفاقيات تتعلق بالنقل والكهرباء والطاقة وتنمية المهارات والقدرات، لعرفنا - مباشرة - أن الرئيس استهدف بهذه الاتفاقيات تعزيز الرؤية التى تعمل مصر وفقاً لها الآن، والتى تتأسس على تدعيم البنية الأساسية للبلاد، فى مجالات الطرق والنقل والطاقة، وهو ما يعنى تعزيز فرص مصر على خارطة الاستثمار العالمية.. وبالتالى نقل مصر إلى المرحلة الثانية من عملية الإصلاح الاقتصادى، تلك المرحلة التى سيبدأ فيها المصريون جنى الثمار المرحلة الأولى للإصلاح الذى دفعوا ثمنه راضين ومقتنعين فى السنتين الماضيتين.. وهى أيضاً المرحلة التى سنخوضها فى الفترة القادمة وصولاً إلى مركز اقتصادى أفضل عالمياً، إذن فقمة «البريكس» لا نبالغ لو قلنا إنها خطوة أساسية وكبيرة على طريق تحول مصر إلى دولة «ذات سوق بازغة»، ومن ثم التحول بعد ذلك إلى دولة مساهمة - بحق - فى الاقتصاد العالمى، وهو الأمر الذى إذا تحقق فإنه يعنى أن المصريين سيعيشون مستقبلاً أفضل بكثير..!

خلاصة الأمر مع هذه الزيارة أن الرئيس يعمل بمنهج علمى وذهن مرتب وتخطيط دقيق من أجل الوصول بمصر إلى ما وعد به المصريين من اقتصاد حقيقى ومنتج وحياة أفضل لهم ولأبنائهم وأحفادهم، إنه - باختصار - قدم خطوة مهمة وحقيقية على طريق إنجاز هذا الوعد بمشاركته الفاعلة هذه فى قمة «البريكس»، ولا ننسى أن الرئيس حريص على التقدم على هذا الطريق.. فقبل شهرين - وليس أكثر - كانت المشاركة الفاعلة فى قمة «فيشجراد» فى المجر، والتى حققت مجموعة من الأهداف المهمة فى مجالات الزراعة والطاقة والتجارة.. من هنا لا نندهش ومصر - السيسى توسع مجال علاقاتها الاستراتيجية مع الصين وروسيا فى قمة «البريكس»، ولا وهى تضع أساساً جديداً لعلاقاتها مع فيتنام بزيارة الرئيس السيسى لها اليوم الأربعاء.

ولفيتنام قصتها العظيمة فى التاريخ التى نوجزها - بشدة - فى كلمات قليلة فنقول إنها وهى الدولة الفقيرة ألحقت الهزيمة بجيش الولايات المتحدة فى معركة طويلة ومعقدة للغاية فى الستينيات، بعدها دخلت فيتنام فى تجربة اقتصادية تنموية طويلة المدى، تأثرت فيها - جداً - بتجربة الصين فى التنمية.. تجربة فيتنام عمرها يزيد على ٤٠ عاماً من التنمية الذاتية، تخطت فيها «هانوي» التى صار اسمها «هوشى منه» الفقر المدقع والخراب الذى خلفته الحرب الأمريكية على هذا الشعب العظيم، إلى درجة واضحة من التقدم الاقتصادى ارتفع فيه نصيب الفرد من الدخل القومى من ١٠٠ دولار إلى ألفين من الدولارات، وباتت فيتنام تحقق معدل نمو يتراوح سنوياً بين ٥ فى المائة و١٠ فى المائة، وفيتنام تتشابه ظروفها مع مصر فى أمور متعددة أهمها ضخامة عدد السكان «فى فيتنام ٩٠ مليون نسمة» أغلبهم شباب - مثل الخريطة السكانية لمصر - من هنا كان واجباً أن تطلع مصر على هذه التجربة الفريدة فى التنمية الوطنية التى خاضها الشعب الفيتنامى على مدار العقود الماضية، وهى تنمية ذاتية تدريجية تحمل فيها هذا الشعب الكثير، ولم يخضع لآليات الاقتصاد الغربى، ولكنه حين قرر خوض التحول الاقتصادى خاضه على غرار التجربة الصينية، والحزب الشيوعى هو الحزب الحاكم فى «هوشى منه» مثلما هو الحاكم فى «بكين»، وبرغم ذلك فإن الحيوية تتدفق فى شرايين الاقتصاد الفيتنامى بعيداً عن «الجنة الأمريكية» المزعومة، انفتح هذا الاقتصاد بنفس الطريقة التى انفتح بها نظيره الصينى، برغم ذلك لم تبدل فيتنام خياراتها السياسية ولا غيرت فى تجربتها الدستورية ولا فى هيكل الدولة.. تعلمت فيتنام - بتفوق - فى مدرسة التحول الاقتصادى الصينى دون تبديل ولا تفريط فى التجربة السياسية.. السيسى ذاهب إلى «هوشى منه» ليطلع على التجربة الفيتنامية فى التنمية المستقلة والتحول الاقتصادى، فهى تجربة جديرة بالدراسة والأخذ منها لما يناسب الواقع المصرى، فضلاً عن بناء علاقات اقتصادية وطيدة مع قوة فيتنام البازغة ودفع فرص الاستثمار بين القاهرة وهوشى منه قدماً.. وليسجل التاريخ حقيقة أن «عبدالفتاح السيسي» هو أول رئيس مصرى يزور فيتنام.

الحقيقة أن زيارة الرئيس السيسى للصين وفيتنام ومشاركته الفاعلة فى قمة «البريكس» ثم زيارته إلى «هوشى منه»، هى خطوة واضحة على طريق تأكيد استقلال القرار والتوجه المصرى نحو التحرر من «هيمنة الدولار» وآلة الاقتصاد الأمريكى التى ظلت مصر تدور فى فلكها من أواسط السبعينيات - حين تبنت مصر الانفتاح الاقتصادى - وصولاً إلى ٢٠١٤، حين تولى الرئيس السيسى الحكم، ليعلن استقلال القرار المصرى سياسياً واستراتيجياً واقتصادياً، وقد قطع الرئيس شوطاً طويلاً على هذا الطريق - طريق الاستقلال الكامل - فى السنوات الثلاث الماضية من حكمه، ورحلة السيسى إلى الشرق هذه المرة هى حجر زاوية فى تحقيق توازن مع جميع القوى العالمية، وربما رأى فيها البعض رداً على الإجراءات السلبية التى قامت بها أمريكا أخيراً بشأن المعونة المقدمة إلى مصر «عدم تقديمها لنحو ٣٠٠ مليون دولار كجزء من المعونة العسكرية والمدنية»، لكن الرئيس السيسى لا يعمل بمنطق «رد الفعل»، وإنما بمنطق الفعل، ولا نعتقد أن الرئيس كان فى انتظار تصرف مغاير والبحث عن مصالح مصر أينما كانت وبأي ثمن كانت من واشنطن التى يعرفها جيداً.. الرئيس السيسى - باختصار - يعيد رسم خارطة علاقاتنا الدولية على أسس المصالح الحقيقية للمصريين، والتى لا تنتظر معونة من أمريكا ولا عطفاً من الغرب.. مصر الآن قادرة على التحرك الجاد حسب مصالحها ومن أجل مستقبلها لا من أجل مهاترات واشنطن ولا من يحركون فيها الأمور من وراء الستار..! مصر الآن تتحرك بحرية وتبحث عن مصالحها بجدية وتؤسس لعلاقاتها بثوابت وندية ، وهذا هو العنوان الذي يمكن أن نضعه لزيارات الرئيس السيسي.