رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


"حيّ الله أمه"

26-4-2023 | 02:33


داليا الحديدي
دواعي الغربة، كان هناك ضرورة لاستخراج بطاقة رقم قومي لابني من سفارة مصر في البلد التي أقيم فيها. -ذهبت مع ولدي للسفارة لانشغال زوجي، فأفادني الموظف المسؤول بحتمية حضور الأب، أما وجودي من عدمه، فلن يؤخر أو يقدم، فأنا "حيّ الله أمه". إذ لا يشترط ولو وجود شكلي للأمهات مع الآباء لحفظ ماء الوجه من منطلق الشراكة، فنحن "حيّ الله أمهاتهم". صدمتني العبارة واعتقدت أن الموضوع له صلة بالانحياز الذكوري، فاستوضحت من الموظف الذي أكد بدوره أن الأمر لا علاقة له بذكورة أو أنوثة، فأي أنثى من قرابات الأب تحل محلي، سواء أم الأب، أخته، أو حتى بنات عمومته، أما أنا "فحيّ الله أمه"! وقد افادتني محامية مصرية أن الأمر ذاته سيتكرر في حال إحتاج الأبناء لإستخراج جوازات سفر، إذ لا يخول القانون المصري للأمهات الحق في إستخراج جوازات سفر لأبنائهن لو هناك "منع سفر" من الأب. بالمقابل، لا يمنح القانون المصري الأمهات الحق في إجراء "منع السفر" للأبناء -أسوة بالأباء- في حالات الإنفصال عن الأب .. وعليه، يتمكن بعض المطلقين من نزع الأبناء من حضانة أمهاتهم وتهريبهم للخارج. - كذلك، لا يسمح القانون للأمهات بمتابعة الحسابات المصرفية التي فتحوها من مالهن بأسماء أبنائهن، إذ تُحرم الأم من حق سَحب أي مبلغ من الحساب الذي أودعت فيه من مالها، بينما يسمح للأب بسحب أي مبلغ من الحساب الذي فتحته الأم بمالها لإبنها! -بالمثل، لا يُخَوِّل القانون المصري للأم الحق في الولاية التعليمية على أبنائها في حال حياة الأب أو وفاته ولا في حالات إنفصالها عنه، فهي تظل "حيّ الله أمهم" ولا تستطيع مجرد سحب ملفات أبنائها من المدرسة أو الجامعة. - كذلك، لا يَسْمَح القانون المصري للأم بتسجيل أولادها فى سجل المواليد أو إستخراج أي أوراق ثبوتية لأبنائها. - يَحرم القانون المصري الأمهات من القيام بعمليات البيع أو الشراء أو الإستثمار لأبنائها، في حين يُخَوِّل تلك الحقوق للأباء. - لا يعطي القانون المصري حق الولاية العلاجية للأم في حياة الأب أو عقب وفاته، إذ تُمنع الأم من الموافقة على إجراء أي جراحة للأبناء بينما يسمح للعّمة أو الَعمّ، أو الجِدّة أو الجَدّ بالتوقيع بالنيابة عن الأب، بينما يتساهل القانون مع الأم فيجيز لها القيام بدور الممرضة. -لا تستطيع الأم إستخراج تأشيرة سفر للأبناء وإن صاحبتهم لزيارة والدهم، وإن أرسل هو لإستقدمها مع الأبناء لمصاحبته فى الغربة. - تُمنع الأم المصرية كذلك من إستخراج قيد عائلى من الأحوال المدنية. المشاكل تتفاقم في حالة وفاة الأباء، إذ يمنع القانون المصري الأم من حق الوصايا على الأبناء، فيحول دون تصرفها فى شئونهم المادية، التعليمية والعلاجية دون الرجوع إلى، أو إستئذان، وأحيانًا -بل كثيرًا- التذلل للجَد من ناحية الأب، أو للأعمام، أوقرابات العصب من الإناث كما وللعاملين في المجلس الحسبى .. فهي"حيّ الله أمهم". على أن القانون يسمح للأمهات بالخدمة والرعاية والسهر والتمريض كما يجيز لهن التدريس للأبناء أو توصيلهم للمدارس، الجامعات أو للنوادي بشكل حبي، دون تخويلهن الحقوق المتعلقة بإختيار مدارسهم أو دفع مصروفاتهم أو كل ما يتعلق بدراستهم، صحتهم أو إستخراج أوراقهم الثبوتية، فنحن "حيّ الله أمهاتهم". بالمقابل، لا يعفي القانون الأمهات من محاسبتهن إن تعرض الأبناء للضرر، إذ يُنزل عليهن العقوبات لإقترافهن جريمة الإهمال. .. أيرتضي القانون للمصريات أن يُعَاملن كمراحيض بشرية للإنجاب أو كقطاع خدمي غير مأجور دنيوياً، أمّا الأباء وقراباتهم، فيُخَوّل لهم وحدهم إستخراج الأوراق الثبوتية والمعاملات القانوية والصحية؟ .. لقد طالبت من قبل بتخصيص أجر "لربات البيوت" كونهن يعملن بلا أجر في بيوتهن "كالعضاريط"، وليس لهن مصدر رزق من وظائف أخرى، ولقد جاءت مطالبتي لحماية الأسرة في حال تعرض الأبناء لعنف أسري شَرِس أو لتحرشات جنسية من جهة الأب أو قراباته، إذ أن عدم وجود دخل مادي لربات البيوت يُضِعف قدراتهن على التخلص من تلك الزيجات المدمرة، بل يفرض إنصياعهن لأوضاع معيشية مذلة ومهينة عدا أنها تمثل خطر على مستقبل الأبناء. .. واليوم وقد استند المُشَرِّع بفتوى "الكد والسعاية" لتعديل قوانين الأحوال الشخصية، فأنا من منبري هذا، أدعو المُشَرِّع لإدراج عمل ربات البيوت -بقوائم الكدّ والسِعاية- فما تبذله الأمهات من جهود أرقى وأثمن وأقيم من أن يتم تجاهله أوغض الطرف عنه سيما أن إضعاف مركز الأم ليس فقط مهين لكنه محرض لقبول أوضاع معيشية مدمرة للأبناء كما سبق وأسلفنا. لقد شاهد المواطن المصري منذ سنوات قليلة على شاشات التلفزة، رفض شيخ الأزهر مطلب رئيس الجمهورية المصري بضرورة إلغاء الطلاق الشفهي، وها نحن اليوم على يقين أن التغيير نافذ لا محالة. لذا، نرفع لسيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي مطالبنا بإعادة النظر بعين العدل في القوانين التي تتلاعب بحقوق المرأة رغم إقرار الشرع لتلك الحقوق. - فبينما خوّل الشرع للزوجة "حق الخلع" بمجرد ردّ مهرها، إلا أن القانون يُضلع الزوجات في تنفيذ هذا الحق. فحين نتزوج، نفتح لهم القلوب والبيوت، أما حين تضطر المصرية لطلب الطلاق أو الخلع الذي أقره الشرع لها بإجماع الفقهاء، فإن الأزواج يفتحون لقريناتهم أبواب محاكم الأسرة. نفتح لهم أبواب القلوب فيفتحون لنا أبواب المحاكم بعدما تكون الزوجة قد تنازلت لطليقها عن مُجْمَل مستحقاتها المادية لتعيش ما تبقى لها بكرامة .. كما قد تكون فقدت ثلثي عمرها وكامل صحتها عدا مالها من عمل أو إرث، فمن أين لنساء مصر دفع أكلاف وأتعاب المحاماه؟ .. كيف يُقِر القانون للرجل التخلص من علاقة زوجية بكلمة أو مشوار لمأذون وكأنه يتخلص من منديل ورقي مستعمل، بينما تُعضَل المرأة للحصول على الطلاق أو الخلع وكأنها عبدة تطوق للعتاق ولو ببتر قدميها، ومع هذا، فعليها أن تلف "كعب داير" على محاكم الأسرة ومكاتب المحاماة، فيستغلها هذا ويستنزفها ذاك إلى أن يضنيها الفقر ويشلّها العجز ويقتلها القهر، فتتلاشى كزمن مضى. - يلحق القانون الأسباني إسم أسرة الأم سواء بسواء مع إسم أسرة الأب في نسب الأبناء كي لا يتم تجاهل أحد الشريكين في عملية النسب. بالمقابل، نجد أنه لا زال يقال للأمهات المصريات بوضوح "أنتن حيّ الله أمهاتهم" وكأننا نعترض على أن يُدْعَى الإبناء لأبائهم، بينما في الحقيقة، إنما نطالب بالمثل. وإن كان المشرع قد طالب بأن يُدْعَى الأبناء للأباء، فذلك ليحول دون تهرب بعض الأباء من الإقرار بنسب أبنائهم. لذلك من المهم التأكيد على أن الدعوة لإدراج أسماء عائلات الأمهات في نسب الأبناء لا تعني سحب هذا الحق الأصيل من الأباء أو إقصائهم للحلول محلهم، بل تعني المشاركة فيه وعدم تجاهل أسماء الأمهات، فلكم يؤذينا التهميش والإقصاء. .. أما آن للقانون المصري أن يحفظ لنصف المجتمع البقية المتبقية من فراطة الكرامة أم أن امتهان حقوق الزوجات مستساغ؟ التغيير آتٍ لا محالة، فليكن في عهدكم سيادة الرئيس.