رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الأزمة السودانية والأزمة الأخلاقية

26-4-2023 | 12:58


محمود البدوى,

منذ بدء أحداث الحراك الشعبي في السودان الشقيق في أبريل ٢٠١٩ وما تبعه من الإطاحة بالرئيس البشير بموجب ثورة شعبية، ثم ما تلاها من تصاعد الخلافات بين جبهتين ، الأولي تتزعهما القوى المدنية التي قادت الثورة وشاركت فيها ، والثانية بقيادة المجلس العسكري ، والذي كانت له مطالب محددة حينها بإجراء انتخابات مبكرة، وهو الأمر الذي قوبل بالرفض من جانب القوى المدنية تخوفًا من عودة النظام السابق ، وفي ظل عدم استعداد القوى الثورية لخوض الانتخابات أنذاك. 

ووصولًا إلى ارتفاع حدة المواجهات بين فصائل ومكونات الشعب السوداني والتي كانت لها انعكاسات خطيرة جدا علي كافة المقيمين علي الأرض السودانية، والتي نتج عنها إصابات وكذا سقوط شهداء من المواطنين المصريين المتواجدين بالأراضي السودانية إما بحكم العمل كممثلي البعثة الدبلوماسية أو بحكم الدراسة أو التجارة أيضًا ، وهو ما تزامن مع تداول عدد من الاخبار وكذا  الاستغاثات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لسقوط شهداء لمواطنين مصريين ، وكان ابرز تلك الاستغاثات هي استغاثة خاصة بأب مصري، استشهد نجله الطالب بكلية طب الأسنان وفشل في استعادة جثمانه بسبب الاحداث المتلاحقة هناك ، ما دعا زميل له الي اتخاذ اجراءات مواراة جثمانه الثرى وتشييعه الي مثواه الأخير بالأراضي السودانية، وما خلفه هذا الأمر من ألم شديد لدينا جميعًا حزنًا علي هذا الشاب الواعد ، وهو الم لا يقارن بحزن وبث اهله وذويه الذين فارقوا قرة عينهم بالغربة فحرموا من القاء نظره الوداع الأخير عليه قبل تشييع جثمانه ، ثم خبر جديد بسقوط شهيد اخر (مساعد الملحق الإداري) بالسفارة المصرية ، ثم اخبار متلاحقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بإصابات واستغاثات. 

كل هذا طبيعى ومتوقع في مثل تلك الظروف الاستثنائية التي يخوضها السودان الشقيق ، ولكن الغير طبيعي والغير متوقع هو ما انتشر بذات مواقع التواصل الاجتماعي من منشورات لم تراعي حرمة الموت ولم تراعي الظروف النفسية لأهل وذوي الشهداء او المصابين ، او حتى اهل المتوجدين بداخل الأراضي السودانية ، والتي تئن من الصراعات الداخلية والتناحر بين ابناء الشعب الواحد ، لا استطيع أن أتخيل للحظات ان هناك من يكرس من وقته ولو ثواني معدوده ليفكر في صياغة (نُكته) تسخر من الأوضاع بدولة السودان الشقيق، والغريب في الأمر هو سرعه انتشار مثل تلك المنشورات السلبية والتي لا تراعي حرمة موت او تراعي ظروف نفسية لذوي الشهداء والمصابين يصعب علي اي شخص احتمالها او حتي مجرد التعبير عنها، اللهم إلا من كان يملك قلب سليم به بقايا من انسانية ورحمة فيرفع اكُف الضراعة الي المولي عز وجل أن يخفف عن ابناء السودان ما هم فيه ، وأن يرد ابناء مصر هناك الي وطنهم سالمين معافين بإذن الله. 

فالصراعات والتناحر وتبدل الاحوال من الأمن الي الخوف والفزع ليس ببعيد عن احد ، لا ضمانه حقيقية لتبدل الاحوال ، فكم من بلد أمن عصفت به رياح التغيير ، وكم من شعوب مسالمة مزقتها الصراعات السياسية ، انظر الي العالم من حولك بنظره متأنية واعلم أن تبدل الاحوال ليس ببعيد عن احد ، وابتهل اللي الله عز وجل ان يحفظ علينا أمننا وأمن بلادنا وأن يبارك لنا في مصرنا شعبًا وجيشًا وقيادة رشيدة استطاعت العبور بسفينة الوطن عبر امواج عاتية من الأطماع الخارجية واحلام تقسيم البلاد وتحديات الإرهاب الممول والمدعوم من اعداء الوطن الي شاطئ الأمن والاستقرار والبناء والتنمية والحفاظ على وحدة الوطن وسلامة أراضية . 

وفي الختام اقول أنه على الرغم من التباس المشهد السياسي في السودان ، جراء الانقسامات الواضحة في تحديد أولوليات القوى السياسية المتناحرة ، وتأزم الأوضاع الاقتصادية جراء هذا التناحر، إلا انه مازالت هناك بادرة أمل تلوح ظلالها في الأفق وهو ما تمثل في إبداء المكون العسكري رغبته في الانسحاب من العملية السياسية وتسليم السلطة للمدنيين ، وترحيب قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بمشروع الدستور الانتقالي الذي تبنته نقابة المحامين بالسودان في سبتمبر ٢٠٢٢م. 

إلا أن هذا الأمل مرهون بمدى قدرة قوى الثورة على توحيد صفوفها والاتفاق على ملامح المرحلة المقبلة، من ناحية، وضع الجيش بعد تسليم السلطة للمدنيين من ناحية أخرى، 
وفي ظل حالة من التربص من جانب فلول نظام البشير وجماعة الإخوان المسلمين، الذين سيسعون بكل السبل إلى تعطيل هذه التسوية بالإضافة لذلك، وستظل الإشكالية الاهم هي كيفية معالجة آثار   انعدام الثقة بين المكون المدني والعسكري بالداخل السوداني، وما هي ضمانات التزام كل طرف بالبنود التي سيتم الاتفاق عليها مستقبلًا، وهو ما نري وبشكل شخصي انه سيكون التحدي الأهم في طريق نزع فتيل الأزمة السودانية واستعادة الأمن والاستقرار هناك من جديد، وهو ما نأمل في تحققه بالايام المقبلة.