د. سامية حبيب,
ربما يتسأل البعض لماذا ننتج مسلسلات تليفزيونية حول بطولات عسكرية في عصر الفضاء المفتوح على وسائل التواصل الاجتماعي الذي يحمل غالبا الأحداث الحقيقية بوضوح ويمكن لمن يريد الاطلاع عليها بضغط زر صغير.
هناك أكثر من إجابة على هذا التساؤل لكن الإجابة الهامة في تقديري أن مشاهدة الأمجاد الوطنية ضرورية لتأكيد ما هو مؤكد في نفوسنا أي قدسية كل حبة رمل، كل شبر أرض عند المصري، إنها العقيدة التي يؤمن بها المصري بعد الله سبحانه وتعالى ،تتجلى تلك العقيدة أكثر ما تتجلى في نفس الجندي المنتمي للجيش الوطني الواحد منذ عرف تاريخ البشر تكوين الجيوش وإلى اليوم. ولعل ما نراه في عالمنا اليوم من جيوش تعتدي على بلدان الجوار وتدمر وتحرق لأطماع في ثروات أو لبسط نفوذ واستعراض قوى، يؤكد ضرورة معرفة ومشاهدة تلك البطولات، فجيش مصر لم يكن يوما معتدي بل جيش مدافع عن أرضه لرد الطامعين بها.
كما أن من يرى في دول الجوار انقسام جيوشها واستئثار بمناطق وتكوين ميلشيات مسلحة تقتل بعضها بعضا بل وتقتل شعبها وتدمر بلادها في طريق بلا عودة من الخراب، يدرك أن جيشنا الواحد منذ الأزل نعمة من نعم ربنا على وطننا.
من هذين المنطلقين يمكننا أن نحتفي بمسلسل "الكتيبة 101" الذي تناول دراميا أحداث حقيقية شهدتها أرض سيناء الغالية في السنوات من 2014 -2016، من ميلشيات مسلحة لا تعرف شيئا عن العقيدة الوطنية المصرية عبر التاريخ، ميلشيات مرتزقة تصورت أن الدولة المصرية في حالة ضعف بعد ثورات 2011 و2013 وتصورت أن وجود حكم ديني لايرى الوطن بل ينكره، اضعف تلك العقيدة الوطنية بل أنهاها ، فتم حشد المرتزقة في سيناء من أجل احتلالها وتحويلها لدولة دينية تهاجم وتعتدي ليس على مصر بل على دول الجوار أيضا يساعدهم في ذلك من يريدون هدم مصر والمنطقة كلها.
وتصدى لتلك المؤامرة رجال الكتيبة 101 التابعة للجيش الثاني والكتيبة يطلق عليها حرس حدود ساحلي مقاتل مهمتها مكافحة الإرهاب وتتمركز في منطقة العريش من شرق بير العبد حتى منطقة الخروبة.
ركز المسلسل على التخطيط والبحث والدراسة ثم تنفيذ عمليات الدفاع، لهزيمة كل المؤامرات التي خططها المرتزقة من التكفيريين منها عملية "كرم القواديس " وغيرها من عمليات دنيئة كانت تستهدف مراكز ونقاط تجمع القوات المسلحة ورجال الكتيبة 101،مثل اقتحامها بعربات مصفحة تتفجر وتودي بحياة خيرة الشباب من جنود وضباط وهم يدافعون ببسالة.
ثم ركزت الأحداث على حادثة "جنوب الشيخ زويد " حين حاول التكفيريين السيطرة على المدينة ورفع علمهم الأسود عليها وإعلان ما يسمى بالإمارة الإسلامية في سيناء ، فكانت معركة كبيرة يعلم خطورتها رجال "الكتيبة 101" لذا يستبسلون في الدفاع عنها ويبذلون دمائهم إلى أن يتم إزالة الراية السوداء ودحر كل عناصر التكفيرين.
وهنا تبرز أهمية الدراما التي جسدت كل ذلك وجمعت بين مشاهد حقيقية ومشاهدات تسجيلية لتلك الأحداث أكدت مصداقيتها.
فالصراع في الأحداث كان بين قوى باسلة وميليشيات من المرتزقة تجمعت من أفراد وجماعات تنتمي لجنسيات ولهجات متعددة عقيدتهم الحرب والغنائم والمكاسب المادية مدعين أن ذلك كله لخدمة الدين الحنيف وهم يسيئون إليه أيما إساءة.
وقد ركز كاتب المسلسل الموهوب إياد صالح على تلك المفارقة وأبرز الصراع بين رجال أبطال وبين قوى غيبية تتخفى في الجحور والأنفاق، بين الظاهر صاحب الحق وبين الغامض الخفي لأنه على باطل .
فشاهدنا بالمسلسل مواقف ومشاهد من شجاعة رجال الكتيبة 101 وطبيعة أعمالهم بين البحث والفحص واستنباط النتائج من المعلومات ورسم خطط دقيقة للدفاع تناقش وتدرس بدقة، حيث تألق الجميع اّسر ياسين وأحمد عبد العزيز وعمر زهران وكل مجموعة قائدي الكتيبة، وعن التنفيذ شاهدنا ضباط المواجهة الذين يتوافدون لسيناء بكل بشجاعة رغم المخاطر والإصابات ومنهم عمرو يوسف وكريم فهمي وأحمد صلاح حسني ومحمد رجب ويوسف الحسيني ونور النبوي ومحمود عبد المغني الذي حمل اسم البطل هارون الضابط الحقيقي الذي وقف في موقعه لأخر لحظة من حياته.
وكانت مشاهد المجندين الشباب مؤثرة فهم يبذلون أرواحهم وتموت معهم أحلامهم الغضة في سبيل أرض سيناء.
برع في التمثيل من شخصيات التكفيريين وليد فواز وبهاء ثروت وطاهر الحكيم وعلاء حور وغيرهم كثر وقد أعطاهم المخرج سمت في اللهجة والملامح غير مصري ليؤكد على حقيقة عرفت فيما بعد أنهم مرتزقة تجمعوا من جنسيات متعددة تحكمهم مصالح المال وشره السلطة، تغلب على سلوكهم صفات الخيانة لبعضهم البعض بلا وازع من ضمير أو عقيدة، فبرعوا في أداء تلك الأدوار وأقنعوا المتفرج بها وتلك مهمة صعبة، لكنها وطنية منهم كممثلين.
بين الفريقين برز العميل المزدوج مثل شخصية د وحيد أو حكيم فهو نموذج للانتهازي العميل في الظاهر طبيب من أبناء سيناء وفي الباطن هو خائن لقبيلته يقتل عمه شيخ القبيلة ويتعاون مع المرتزقة من أجل المال وقد أدى الدور ببراعة الفنان فتحي عبد الوهاب.
في مقابله كان شيخ القبيلة الوطني الفنان خالد الصاوي وأبناءه ومنهم من يكمل مسيرته الفنان محمود حجازي.
كما تم التأكيد على دور المرأة الوطنية بتجسيد الشهيدة "مها" التي قتلها المرتزقة بوحشية غير عابئين بمصير صغارها وجسدتها بتميز الفنانة وفاء عامر.
كما أبرز السيناريو قوة الجبهة الداخلية من خلال أسر الأبطال الأمهات والآباء والأخوة الجميع يساند ويدعم، مثل أم البطل المصاب الفنانة ناهد رشدي التي تتوجه لله بالدعاء وأم البطل نور الفنانة لبلبة التي تحول قلقها على ابنها إلى محبة ومؤازرة إلى أن يشفى.
أدار المخرج محمد سلامة كل هذا بدقة وحافظ على إيقاع مميز، بدأ من موسيقى الفنان خالد حماد، وتألق الجميع المونتيرة سلافة نورالدين ، صورة متميزة لمدير التصوير محمد مختار، مناظر متعددة لأماكن الأحداث بين أرض المعركة والمناطق والبيوت في سيناء وبيوت القاهرة لأمير عبد العاطي وكذلك كانت الملابس والأزياء ل إيناس عبد الله ، وكل من هؤلاء كان معه فريق كبير من المساعدين والمعاونين يستحق التحية اسم اسم، جهد كبير، فني وتقني يدعو للفخر بصناعة الفن في مصر.
وربما ما أكد على مصداقية كل هذا الحلقة العشرين والأخيرة التي قدمت الوثائق الحقيقية لكل الأحداث عبر الصورة وشهادة الشهود من رجال قواتنا الباسلة وشهادة المحللين السياسيين والباحثين وما أثرفينا كمشاهدين كلمات المسعف الوطني الذي ذكر وقائع عاشها بنفسه حول تلك الأحداث، فلهم جميعا تحية والشكر لقناة النيل الإخبارية ولصناع هذه الحلقة.