رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


تلك آثارنا 10| تمثال زوسر.. والمَلِك وعهده

5-5-2023 | 01:44


د. محمد أبو الفتوح,

في حجرة ضيقة تعرف باسم السرداب، في المعبد الجنائزي شمال الهرم المدرج للملك زوسر، وفي عام 1925م عُثر على أقدم تمثال بالحجم الطبيعي من الحجر الجيري، وكان للملك زوسر، يصوره وهو جالس على العرش بلحية مستعارة، يرتدي رداءً احتفالي، بينما يغطّي رأسه شعرٌ مستعَار أسود فوقه لباس الرأس الملكي المعروف باسم «النِمس».
كان التمثال بأكمله مغطى بطبقة من ملاط أبيض تم تلوينه، أما العينين الغائرتين فكانتا مطعمتين، وقد نقش اسم الملك وألقابه على السطح الأمامي من القاعدة الحجرية للتمثال بنص هيروغليفي دقيق.
التمثال موجود في المتحف المصري بالقاهرة وهناك نسخة منه موجودة فى السرداب الذي عثر عليه فيه.

آثار

 

 

لم يكن الملك زوسر ملكاً عادياً، كما لم يكن عهده كغيره من العهود، اسمه بالمصرية القديمة "زوسر - نترخت" ومعناها " الجسم الإلهي" .. وأخد لقب جِسِر ومعناه "المقدَّس" واسمه فى بردية (تورين)، البردية التي بتؤرخ لحكم الملوك المصريين، والموجودة في المتحف المصري بمدينة تورينو بإيطاليا، كان مكتوب باللون الأحمر، تمييزاً له عن غيره من الملوك، وباعتباره مؤسس لأسرة حاكمة فهو المؤسس الحقيقي للأسرة الثالثة المصرية القديمة، التي حكمت مصر في الفترة من 2686-2613 ق.م.، وذكرت أن فترة حكمه إمتدت 19 عاماً فقط، في حين سجّل المؤرخ والكاهن المصرى مانيتون السمنودي، الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد، أن حكمه امتد 29 عاماً من2640ق.م - 2611ق.م، وكتير من المؤرخين يؤيدون رأي مانيتون السمنودي في ذلك بسبب ضخامة أعماله الانشائية التي تمت في عهده.
والحقيقة أن الذي يقرأ عن هذا الملك وعهده، يجد ملَكاً صاحب رؤية وعهداً تمتع باستقرار داخلي، ونهضة معمارية وعلمية وسياسية متميزة، وكذلك نفوذ عسكري ممتد، فقد اتخذ من منف في ميت رهينة بالجيزة عاصمة لمصر، ويشهد على النهضة المعمارية في عهده مجموعته الجنائزية الكبيرة، التي تضمنت مقبرته، أو الهرم المدرج، ومعبداً جنائزياً، والعديد من صالات الأعمدة والمقاصير الحجرية، وسراديب كانت مخصصة لتخزين الأطعمة والغلال وشبكة من الممرات والدهاليز والأنفاق. وكان عهده عهد بداية استخدام مادة الحجر في البناء، وأول ظهور لعنصر العمود في العمارة، وكذلك تطور شكل المقبرة الملكية من مصطبة على شكل مستطيل ومبنية فوق حفرة الدفن، اللي كانت تحت الأرض، إلى مقبرة على شكل هرم مدرج، الذي تحول إلى الشكل الهرمي الكامل فيما بعد. وكان من حسن حظ هذا الملك أن عاش في عهده العبقري المصري الفذ "ايمحوتب" الذي يرجع إليه الفضل في كل هذا.
كما كان الملك زوسر أول ملك مصري يرسل حملات إلى وادي المغارة فى سيناء لاستخراج النحاس والأحجار الكريمة وخاصة الفيروز، وجميعها كانت تمثل ثروة اقتصادية كبيرة في ذلك العهد، وتشهد بذلك لوحة منقوشة له فى هذا الوادى تصوره ويضرب أحد الأعداء، ومدَّ حدودو دولته فبسط نفوذها على النوبيين في الجنوب وإلى ما بعد الشلال الأول.
وفى عهده وضع كهنة "رع" معبود الشمس التقويم المصري، ويعتبر من أوائل التقاويم اللي عرفتها البشرية. وهو تقويم شمسي يعتمد على دورة الشمس، وبيقسم السنة إلى 13 شهراً، كان يعتمد عليه الفلاح المصري في تحديد مواسم الزراعة والحصاد، منذ آلاف السنين.
وفي عهده أيضاً صدر أول دستور، تضمن 13 مادة تحدد اختصاصات كل من الملك، والكاهن الأعظم، ورئيس البلاط، وكذلك يحدد مدة حكم الملك اللي المفروض بينتهى بموته أو بوصوله إلى مدة 30 سنة في الحكم، ويتولى ولي العهد مكانه، أو يعادة توليه الحكم باحتفال تنصيب جديد يسمى احتفال الـ "حِب-سد".
كما أنه كان أول ملك مصري اهتم بإدارة الجيش المصري وتطويره ليقوم بمهمته في حماية البلاد من الغارت الأجنبية ومن البدو، وقسَّم حدود البلاد إلى مناطق، وجعل فى كل منطقة حامية من الجيش لحفظ الأمن وتحقيق السلام.