أرقام ودلالات قرعة أراضى الإسكان الأخيرة لماذا يدفع المصريون ١٢ مليار فى شهر واحد؟
بقلم – عزت بدوى
مجموعة من الأرقام القياسية سجلتها قرعة أراضى الإسكان الأخيرة، سواء من حيث الحجم وعدد القطع والتى تجاوزت ٢٤ ألف قطعة ما بين إسكان اجتماعى ومتميز وأكثر تميزا،ً أو من حيث الانتشار فى ١٩ مدينة جديدة من أقصى شمال البلاد وإلى أقصى جنوب الصعيد فى أسوان الجديدة.
لكن الأهم والأخطر فى هذه الأرقام هو الإقبال غير المسبوق من المواطنين على هذه الأراضى والذى تجاوز الـ٢٠٨ آلاف مواطن فى سابقة هى الأولى من نوعها قام منهم نحو ١٧٨ ألف مواطن بسداد مقدمات جدية الحجز لهذه القطع والتى تراوحت ما بين ٢٥ ألف جنيه لأراضى الإسكان الاجتماعى ومائة ألف جنيه لأراضى الإسكان المتميز و٣٥٠ ألف جنيه لأراضى الإسكان الأكثر تميزاً بإجمالى مبالغ تجاوزت الـ ١٢ مليار جنيه خلال ٣٠ يوماً فقط.
الأرقام القياسية التى سجلتها قرعة أراضى الإسكان الأخيرة لا يمكن أن تمر مرور الكرام، وإنما يجب دراستها بعناية واستخلاص نتائجها ودلالاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومدى إمكانية الاستفادة منها فى تعظيم موارد البلاد واستغلالها بالشكل الأمثل فى تحقيق النهضة الاقتصادية والحضارية لمصر الحديثة.
إن هذا الإقبال الجماهيرى الضخم على أراضى قرعة الإسكان فى المدن الجديدة وإن كان يؤكد بما لا يدع مجالا للشك على نجاح غير مسبوق لوزارة الإسكان فى توصيل المرافق لهذه المساحات الضخمة من الأراضى الصحراوية فى زمن قياسى، وتجهيزها بكافة الخدمات التى جذبت المواطنين للإقبال عليها، إلا أن ذلك ما كان ليحدث لولا الانتهاء من شبكة الطرق القومية والعملاقة فى زمن قياسى والتى تمثل شرايين الحياة التى تربط كافة المدن الجديدة بالمدن القديمة مما خلق من هذه المدن نقاط جذب جماهيرى غير مسبوق للانتقال إليها والإقامة بها.
كما تؤكد هذه الأرقام على الطفرة التى تشهدها مصر من إنجاز حكومى غير مسبوق فى قطاع الإسكان خاصة الاجتماعى والمتوسط فى كافة المدن الجديدة، وبما يليق بكرامة المصريين وثقافتهم الاجتماعية وهو الأمر الذى جذب المواطنين من كافة الشرائح إلى الإقامة بهذه المدن والانتقال إليها بعد أن ظلت سنوات طويلة مهجورة وخاوية على عروشها.
لكن الأهم من كل ذلك هو سعى الجميع إلى المدن الجديدة والخروج من الوادى الضيق والإسكان العشوائى، فلم تعد المدن الجديدة والإقامة بها مقصوراً على طبقة الأثرياء الذين يملكون القصور والفيلات ويقيمون فى الكمبوندات ويملكون السيارات الخاصة التى تنقلهم من وإلى هذه المدن، وإنما الطبقة المتوسطة والفقيرة أيضا وجدت ضالتها فى هذه المدن بعد ربطها بكافة المدن القديمة وتوفير كافة الخدمات بها، وهو ما برز فى الإقبال الضخم على أراضى الإسكان الاجتماعى فى القرعة الأخيرة بعد أن تجاوز الحاجزين فيها رقم المائة ألف مواطن يتنافسون على أكثر من ١٢ ألف قطعة أرض إسكان اجتماعى.
أرقام القرعة الأخيرة تكشف عن التغيير الذى طرأ على ثقافة المصريين فى الأعوام الأخيرة بعد تخليهم عن الإقامة فى المدن القديمة وسعيهم للإقامة فى المدن الجديدة وهو ما برز فى الإقبال الكبير على مدن جديدة لم يكن يقبل عليها أحد من قبل مثل مدينة الفيوم الجديدة وأخميم الجديدة وقنا الجديدة والتى شهدت إقبالا لأول مرة فى القرعة الأخيرة رغم طرحها من قبل أكثر من مرة.
كما تكشف الأرقام حسبما تؤكد مصادر وزارة الإسكان عن الرغبة الشديدة لدى المواطنين فى تملك السكن بدلاً من إيجاره وهو ما برز فى حجم الإقبال الجماهيرى بما يؤكد زيادة الوعى والانتماء الوطنى للمواطنين.
الأرقام تكشف أيضا أن الإقبال لم يكن مقصوراً على محدودى الدخل الباحثين على سكن ملكهم فى حدود إمكانياتهم للهروب من المناطق العشوائية وتحقيق حلمهم بلم شمل أسرة فى منزل واحد، بل وكذلك الطبقة المتوسطة الباحثة عن سكن لائق بكرامتها وفى حدود إمكانياتها التى تدهورت بشدة وإنما إقبال الأغنياء على الإسكان الأكثر تميزا رغم أن متوسط سعر المتر فيه يصل إلى ٥ آلاف جنيه بعدما بلغ عدد الحاجزين لأراضى الإسكان الأكثر تميزاً بما يقرب من الأربعة آلاف مواطن بعد ما جذبت هذه المدن طبقة الأثرياء من كافة المناطق الراقية القديمة، مثل مصر الجديدة والنزهة والمعادى والزمالك وغيرها بعد أن وجدوا بها ضالتهم من كافة الخدمات سواء المولات التجارية الكبرى أو السلاسل التجارية وغيرها من الخدمات الصحية والتعليمية الراقية.
لابد من دراسة وتحليل هذه الأرقام والاستفادة منها اقتصاديا بطرح المزيد من الأراضى سواء الاجتماعية أو المتميزة أو الأكثر تميزا واستغلال حصيلتها فى التنمية الاقتصادية وتحويل أكبر قدر من الأراضى الصحراوية غير الزراعية إلى مدن جذب عالمية سياحياً وعمرانيا ولا سيما أن أراضى الإسكان الأكثر تميزاً والمتميزة تحقق ربحاً اقتصاديا هائلاً كفيلا بتغطية تكاليف ترفيق هذه الأراضى وإنهاء أزمة الإسكان فى مصر دون أن يكلف خزانة الدولة أى عبء مالى بل يساهم فى خفض عجز الموازنة ذاتها.