وبات الحل عصيا على التحقيق..
بقلم – سناء السعيد
رغم أن هناك قناعة لدى العالم بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة، وبأن إسرائيل هى التى تشكل العقبة أمام السلام، إلا أن الأمور على أرض الواقع لا تتحرك تجاه تنفيذ هذا الحق، بل ستكون معجزة إذا تم التوصل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية؛ نظرا للمواقف المتباعدة بين الفلسطينيين وإسرائيل، فحتى الآن من الصعب إيجاد صيغة لتضييق الفجوة بينهما، أما حديث ترامب وتأكيده بحرصه على التوصل لحل القضية فهو مجرد لغو؛ لأن الحل كما يراه يرتكز فى الأساس على تقديم الفلسطينيين لمزيد من التنازلات؛ حيث إن أمريكا تغيب مرجعية السلام التى ارتكزت فى مؤتمر مدريد عام ٩١ على قرارى الأمم المتحدة ٢٤٢ ، ٣٣٨ ..
ومبدأ الأرض مقابل السلام، وهى المرجعية الدولية التى تعنى الالتزام بها وعدم خرقها أو تجزئتها أو الالتفاف عليها، أما ترامب فيساير إسرائيل فيما تريده وبالتالى لن يتسنى إنجاز أى تقدم على طريق السلام، ولن يتم بالتالى إيجاد حل مشرف.
ولا ننسى هنا أن ملف القدس هو الأعقد؛ ولذا يظل من المستحيل التوصل إلى حل بصدده مع استمرار تشبث إسرائيل بها كعاصمة أبدية موحدة لها، فمنذ احتلالها عام ٦٧ تتعامل معها أرضا وسكانا بطريقة مغايرة عن بقية أراضى الضفة وتحديدا منذ ٣١ يوليو عام ١٩٨٠عندما أقر البرلمان الإسرائيلى قانون القدس عاصمة إسرائيل وما أعقب ذلك من انفرادها بالقدس الشرقية استيطانا وتهويدا، ودعم إسرائيل فى ذلك الكونجرس الأمريكي، عندما أصدر فى عام ١٩٩٥ قانونا يعترف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل، بالإضافة إلى عجز السلطة الفلسطينية والمنظمات الدولية عن ردع إسرائيل والحد من استيطانها فى القدس، وقد تساوم إسرائيل السلطة الفلسطينية فى النهاية بورقة إعلان الدولة مقابل القدس واللاجئين، بحيث لا تعترض على إعلان الدولة مقابل تغييب الحديث كلية عن القدس واللاجئين.
وعلى حين تفاءل الفلسطينيون بإمكانية أن يتفهم ترامب أساس المشكلة ويعمد إلى حلها ليتسنى بالفعل تحقيق تقدم، يكون بمثابة الجسر لعبور نقطة اللارجعة وليؤذن هذا باعتماد منطق الحل، ليكون واجهة لتحقيق فرصة تاريخية لسلام المنطقة، إلا أن إسرائيل مطمئنة بأن أمريكا لن تطالبها بأية تنازلات فى أية مفاوضات قد تجرى مع الفلسطينيين، بل وتضمن من الآن أن أمريكا ستمارس الضغط على الفلسطينيين؛ وصولا إلى تسوية تشكل نصرا حقيقيا للكيان الصهيونى أمام الرأى العام عامة واليمين المتطرف خاصة، وعامة فإن التجارب السابقة تطلعنا على حقيقة تقول إن الفلسطينيين لا يعولون كثيرا على أية جهود قد تقوم بها أمريكا فى محاولة لإيجاد حل يؤدى إلى تنفيذ فعلى لقرارات الشرعية الدولية، أما إسرائيل فتعول على أن تمارس أمريكا الضغط على عباس بحيث تخرج هى باتفاق تاريخى مشرِّف لها، لتصبح المحصلة مرتكزة على فرضية انخفاض سقف التوقعات لما يمكن أن تسفر عنه تحركات أمريكا صوب حل القضية.
من الصعوبة بمكان إيجاد حلول وسط ترتكز على الشرعية الدولية؛ إذ إن المرجعية الدولية تعنى الالتزام بها وليس خرقها أو تجزئتها أو الالتفاف حولها لا سيما وقد بدا من المستحيل تطبيق إسرائيل للشرعية الدولية بحيث تشرع فى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التى تطالبها بالانسحاب من الأراضى العربية، على العكس فإن إسرائيل حسمت هذه القضايا لصالحها بصورة أحادية وأقامت المتاريس حولها، وبذلك باتت القدس خارج دائرة الحل وكذلك الاستيطان بالإضافة إلى الحدود واللاجئين، وما من مناسبة إلا راحت إسرائيل تشدد على اللاءات.. لا لتقسيم القدس التى ستظل موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل، ولا لإزالة المستوطنات التى ستظل فى تكتلات كبرى تحت السيادة الإسرائيلية، ولا لعودة اللاجئين، ولا لانسحاب لحدود الرابع من يونيو ٦٧ . لقد بات الوضع بمجمله فى يد إسرائيل هى التى تقرر فيما إذا كان هناك أمل فى انطلاق حقيقى نحو الحل من عدمه؛ حيث إن أمريكا لا تملك الضغط على إسرائيل من أجل تنفيذ بنود أية اتفاقات، فلا شىء مقدس لدى إسرائيل سواء الاتفاقات أو مواعيد التنفيذ أو الوعود والعهود أو المفاوضات، التى حولت إسرائيل ساحتها إلى مكلمة، وحولت المفاوضات مع الفلسطينيين إلى مكلمة، وحولت الاتفاقات إلى مجرد مفردات كلامية عقيمة بعيدة عن أى تنفيذ، بدت إسرائيل بذلك وكأنها تفاوض نفسها، فالطرف على الخط الآخر غير محسوب ولا يؤخذ فى الاعتبار ولا يتم وضعه فى الصورة بالنسبة لما يجرى ولا بما تحيكه إسرائيل، التى ظهرت كلاعب سيرك محترف تجيد كل الألعاب، فهى تعبث بكل شيء وتخلط الأوراق وتقلب المعايير، ولهذا بات حل القضية أشبه ما يكون بمعجزة عصية على التحقيق....