رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


السودان ومسارات المستقبل

7-5-2023 | 13:21


د. رانيا أبو الخير,

عقود ممتدة عاشها السودان منذ استقلاله في منتصف الخمسينيات من القرن الماضى في صراعات مستمرة وحروب دائمة، لم يتخللها إلا فترات محدودة التقط فيها السودانيون الأنفاس لبناء دولتهم، إلا أنه كان سرعان ما تعود الحروب بين الإخوة داخل الوطن السودانى، لتتوج تلك الحروب بانفصال الجنوب السودانى وإعلان دولته المستقلة في 2011، واليوم يواجه السودان مصيرا أكثر خطورة في ظل حالة الحرب الناشبة حديثا بين معسكرين يحمل كل منهما السلاح في مواجهة الآخر، الأول بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السودانى والثانى بقيادة الفريق محمد دقلو حميدتى قائد قوات الدعم السريع التي تمثل ميلشيا غير شرعية بمقتضى النظر إلى واقع أية دولة في عصرنا الراهن، إذ لا يُعقل ان يكون للدولة جيشين وإنما دائما وأبدًا للدولة جيش واحد هو الذى يملك سلطة استخدام القوة في مواجهة التهديدات التي قد تواجهها. هذه هي نقطة البداية في النظر إلى القضية السودانية اليوم للبحث في مساراتها المستقبلية، إذ يستوجب الأمر قبل هذا البحث، الإجابة على مجموعة من التساؤلات التي توضح حقيقة الأزمة وجوهرها، هل قوات الدعم السريع جزءا من المنظومة العسكرية للدولة السودانية؟ هل قائد قوات الدعم السريع نال مكانته العسكرية بالتدرج داخل السلم العسكرى؟ هل تمويل هذه القوات يأتي ضمن ميزانية الدولة؟ هل تخضع ميزانية قوات الدعم السريع لرقابة الجهات المسئولة في الدولة السودانية؟ هل يمكن ان نتعامل مع الطرفين على قدم المساواة في اطار الدولة السودانية؟

والحقيقة أن الإجابة على هذه التساؤلات تجعل من الصعوبة بمكان الاصطفاف مع رؤية بعض الأطراف في النظر إلى القضية السودانية وكأنها صراع او حرب بين طرفين متوازيين او على قدم المساواة، بل يجب النظر إليها من منظور الخروج على الدولة الوطنية من جانب قوات الدعم السريع رغم ما هو معلوم للكافة أن تأسيس هذه القوات هي من بقايا نظام عمر البشير الذى اخذ قائدها من وصفه كما كان يطلق عليه البشير "حمايته" اسمه الأشهر المتداول اليوم "حميدتى".

ومن ثم، فعلى المجتمع الدولى والقوى الفاعلة في الازمة السودانية اذا ما اردت ان يستعيد السودان وحدته وسيادته، الانطلاق من هذه النقطة الأساسية في النظر إلى قانونية أو مشروعية وجود قوات الدعم السريع في اطار دولة القانون، إذ يظل الجميع يراوح مكانه في مطالبات جوفاء ومناشدات فارغة للبدء في استعادة الامن والاستقرار او حتى ضمان نجاح اية هدنة مقترحة بين الاشقاء السودانيين.

وعليه يبدو أن مستقبل الأزمة السودانية يتراوح بين مسارين: الأول، تفهم الأطراف الدولية وخاصة الأكثر فاعلية في الأزمة أن تفكك الدولة السودانية سوف يجلب المزيد من الازمات في الإقليمين العربى والأفريقي معا نظرا لمكانة السودان وموقعها وثرواتها وإمكاناتها، بما يستوجب سرعة التدخل بحلول غير تقليدية للأزمة تأخذ في اعتبارها الواقع الراهن من ناحية والمشروعية القانونية لبناء الدولة من ناحية أخرى. أما المسار لثانى، يتمثل في قبول الأطراف المعنية بتقسيم جديد للدولة السودانية يفتح الباب لتقسيمات أخرى اكثر تفتيتا يُدخل المنطقة برمتها في حروب قبلية وعرقية وإثنية ولغوية لتصبح السودان بموقعها المصدر الأول للإرهاب في العالم بما يمثله ذلك من خطورة كبرى على الأمن والاستقرار الإقليميين والعالميين.

خلاصة القول إن السودان بتاريخه وبجغرافيته يتعرض لواحدة من أخطر التهديدات في مستقبله، بما يحتاج معه البحث عن مقاربة جديدة للخروج به من هذا الخطر الذى إذا ما تحقق فلن يكون في مقدور أحد وقف تداعياته وتأثيراته إقليميا ودوليا، وهنا أقترح عقد قمة عربية أفريقية مصغرة من الجوار الجغرافى للسودان مع مشاركة بعض الفاعلين الأكثر تأثيرا في الأزمة للتوصل إلى خارطة عمل تُنقذ السودان من هذا الخطر.

د. رانيا أبو الخير

الأمين العام للمنتدى العالمى للدراسات المستقبلية