رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الخُدعة

9-5-2023 | 18:42


محمد فيض خالد,

مَا أتعس حَظّه، وأنكد طَالعه، يمَشي كَسير النَّفس جَريح القَلب، لا يخفي لوعة حزنه، ولا تنفك كآبته، في وجههِ عُبوسٍ وفي رأسهِ فكر، يحبسُ زَفرة ألمَه تنفلت مُحرِّقة لحظة يُقلِّبُ بَصره مُشوشا في الفضاِء من حوله، على هذه الحال مُذ تفشى في الفريةِ أمر الجائزة التي رصدها "مسعود الصَّراف"، لمن يأته بالجنيهِ، يقضي ليله حَالمِا بهذه العطية التي  ستقلب موازين حياته، وتحيله من السُّعداءِ، يفتر ثغره عن ابتسامةٍ مَخذولة، سريعا ما تضيع وسط دُخانِ نفسه المُحترقة، إذ كيفَ له أن يَتحصَّل على الجنيهِ الورقي طُلبة " مسعود "، وهو بالكَادِ يَجمع من فُضلةِ أجرته لأسبوعٍ كامل قُروشا قَلائل، تكَفيه الشاي والدُّخان، ورَطلٍ من اللَّحمِ يَدخل داره بعد خِصامٍ مَرير.
 استأجر الرَّجل من يُذيع على مَسامعِ القوم، أنَّه يَبحث عن جنيهٍ قديم ، رُسِم عليه جملين أحدهما نائمٌ والآخر يقف بجوارهِ، استفزه الأمر فها هو يجلس ليله إلى جوارِ النَّافذةِ يُناضل الأرق، سَابحٌ في بحارِ الفِكرِ ولجُج الهَم ، يَضربُ كَفا بكفٍّ يتساءل :" من يأتيني بالجنيه ؟"، ليسَ لديه من حِيلةٍ غَير الصَّبرِ والانتظار، يَتوقّد الحِلمُ في خّاطرِه ، لكنَّه يضطر للتَّريثِ مَغلوبا على أمره يتقطع قلبه ألما، هجر أشغاله، واكتفى من يَومهِ بأحاديثِ المصَاطب تروي ظمأه وتطفي حرارته ،يتَتبّعها في عِمايةٍ مأخوذا برائحة الثراء السَّهل ،تخايله هيئة  أمه وقد تبَدَّلت من الفقر والابتذال ، لسيدةٍ وجيهة تَأمر وتنهي في بيتِ عِزٍّ ومَال.


كانت والدته قد ادخرت جنيهات يسيرة من ميراثٍ قديم ، تقول مُتباهية :" هذا المال حق الدفنة "، تَذكَّر صَاحبنا هذا المال فأبى طموحه إلَّا أن يجد إليه سبيلا ، مَرّر خدعته على المسكينة، أوهمها بشراءِ مدفنٍ كريم يجمعها في أخراها ،فاستسلمت المرأة لوعوده، ليندفع أشد عزما تلهب حماسته خيالات تهدر في أذنيهِ مثل هدير الموج، هَبطَ القرية على غَيرِ موعدٍ من يتقَّصى عنه ، وبعد أن اطمأن مجلسهما، انتزع من حقيبةٍ فاخرة، علبة من المَخملِ مَحشوة بقطعةِ قُماشٍ، اخرَجَ منها الجنيه المرصود، امسكه كطفلٍ رضيع مُدلَّل، قائلا في حَسم:"ها هو الجنيه، لأجلك فقط ألفا من الجنيهات في التو واللحظة"، فَركَ جبينه مُنزَعِجا، كان "مسعود " خياره الوحيد، رهنه البيت لإتمامِ الصَّفقة، لازمَ الدَّار لا يبرحها، يُقلِّبُ نشوانا الجنيه قد احس من نفسهِ بالجاه، خَرجَ بعد غِيابٍ ليجد القرية  وقد اغرقت  بالجنيهاتِ المزيفة، كانت التمثيلية مجرد كذبة اخترعها " مسعود الصراف"، وسَعىَ في تلفيقها مع شريكهِ "حماصة النصاب"، أوقَعَ بها ضَحاياه من السُذّجِ، اُعرقت القرية في أوحالِ الدَّين، رَهنَ الناس حقولهم بثمنٍ بخس، لم تكن هذه آخر خُدعة، ولم يكن "مسعود" آخر المحتالين، ولم يكن صاحبنا آخر المخدوعين، طالما كان في الدنيا الطَّمع.