رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


طلعت رضوان.. المفكر العصامي

11-5-2023 | 17:28


أبو الحسن الجمال

أبو الحسن الجمال

• رغم الظروف الصعبة التى تعرض لها طلعت رضوان إلا أنه كان قارئاً نهماً يطالع الصحف، والمجلات، والروايات، والقصص، والكتب الفكرية
• تدور مؤلفات رضوان حول الحضارة المصرية وآثارها الموجودة في حياتنا والدعوة إلى تمجيدها، وشعبها وهويتها المتميزة الضاربة في عمق التاريخ

عرفت الأستاذ طلعت رضوان منذ عشرين عاماً، عرفته أولاً من خلال مؤلفاته، ثم التقيت به على هامش مؤتمر أدباء مصر الذي عقد في مدينة المنيا في ديسمبر 2016، وانتهزتها فرصة لأسجل معه حواراً مطولاً حدثنى فيه عن نشأته والظروف الصعبة التي تعرض فى بداية حياته وعمله فى مهن وحرف متواضعة وشاقة، منها مهنة عامل معمار كان يحمل (القصعة) على كتفه ليصعد فى الأدوار العلوية من العمارات قبل وجود الروافع التى وفرت الوقت والجهد، ومع ذلك أغرم بالقراءة، وكان يحرص على اقتناء الصحف والمجلات والكتب والروايات، وعركته الأيام والظروف وصقلت من تجربته، كما حدثنى في هذا الحوار عن ظروف تعليمه وعمله ومنجزه الفكرر حيث دافع عن هوية مصر وعن قيم العلمانية وفصل الدين عن السياسة وعدم المتاجرة بها، وقد تختلف أو تتفق مع ما طرحه الأستاذ طلعت رضوان إلا أننا يجب دراسة منجزه بعيداً عن الانفعالات وفي ضوء المنهج العلمي ونثبت ماله وما عليه. وقد اعتمدت فى مقالى عنه على حوارى المطول معه وعلى كتاباته الأخرى، نتذكره بعد مرور عام ونصف العام على الرحيل ونقدم تجربته وعصاميته للشباب القلق والذى يستعجل النجاح.   

ولد طلعت رضوان عام 1942 في حى العباسية لأسرة كانت تعمل في مجال الخبازة فى الأفران، وقد أمضى طفولته فى الفرن، وأثرت هذه المهنة تجربته ونقلها بتمامها في رواية "دوائر النار والنور"، وقد توقف تعليمه عند المرحلة الإعدادية وكانت وقتها أربع سنوات، ليعمل في عدة مهن، منها صبى فران، ولما اشتد عوده عمل في المعمار وكان يحمل (القصعة) على كتفه ليصعد بها إلى الأدوار العليا –كما ذكرنا-، ثم عمل فى محل ألبان فى الجيزة، وفى هذه الأيام كان هناك زجاجة لبن اسمها "تكلام"، وكان طلعت رضوان يوزع الألبان بواسطة (التروسيكل) على الزبائن في البيوت والمحلات الصغيرة، وعندما أكمل العشرين من عمره أدى الخدمة العسكرية. 

عمل طلعت رضوان بعد خروجه من القوات المسلحة فى وزارة المالية، ثم تزوج عام 1970، وأقنعه مديره المباشر أديب صليب محارب بإكمال تعليمه وقال له وهو يحثه: "الكتاب لا يغادرك ودوماً أراك تطالعه.. هيأ أكمل تعليمك واحصل على الشهادة الثانوية".. فرد عليه طلعت: وماذا أعمل بالمؤهل؟ .. في هذا التوقيت بدأ اسمه يتردد حيث كان يكتب فى الصحف والمجلات، كما حثته زوجته وأصدقاؤه وزملاؤه فى العمل، وأخذ بمشورتهم وحصل على شهادة الثانوية العامة، كما أقنعوه بدخول الجامعة وصمم أن يلتحق بكلية الآداب.. هذه الكلية التي تخرج فيها معظم الأدباء.. وهنا ثار مديره أديب قائلاً: "لماذا كلية الآداب؟ نحن هنا فى وزارة المالية لا نحتاج لهذا التخصص ولكن الذى ينفعك مؤهل التجارة أو الحقوق"، واختار كلية الحقوق جامعة عين شمس وحصل على الليسانس. 

رغم الظروف الصعبة التي تعرض لها طلعت رضوان إلا أنه كان قارئاً نهماً يطالع الصحف، والمجلات، والروايات، والقصص، والكتب الفكرية، وكان يحرص على اقتناء جريدة الأهرام وهو فى سن الرابعة عشرة، ثم كان يطالع مجلات: الرسالة، والفكر المعاصر، والثقافة، والمجلة، وسلسلة المسرح العالمى، وأعلام العرب، والمكتبة الثقافية، وكانت قراءاته متنوعة وبدأت كتاباته بالقصة القصيرة.. 
الروافد الفكرية: 

في البداية تأثر طلعت رضوان بالماركسية، ثم اختلف معها ومع رموزها، اتفق معها فى المادية الجدلية والجدلية التاريخية، واختلف معها فيما يتعلق بالبعد الاقتصادى وخصوصاً مقولة الصراع الطبقى؛ لأنه فى رأيه الشخصى أى مجتمع لابد أن يكون مجتمعاً طبقياً واستحالة إلغاء الطبقات، وهى نظرة رومانسية لا يمكن أن تتحقق. 

قرأ طلعت رضوان للفلاسفة وخصوصاً فلاسفة أوروبا بشكل عام وبصفة خاصة وقف كثيراً عند براتند راسيل واسبينوزا وديكارت وكانت .. إلخ. وبدأ يهتم بالعلوم ويقرر رضوان أن الفكر الاجتماعى والإنسانى بدأ يتحقق عند كوبرنكس وعند جاليلو وبرونو، وقد هزه هذا الأخير، لأنه كان مؤيداً لنظرية كوبرنكيس وجاليلو؛ وهى أن الكرة الأرضية مجرد كوكب يدور حول الشمس، ثم غضبت عليه الكنيسة عندما قال جملته الشهيرة إن "على الإنسانية إذا كانت تود أن يسود فيها السلام أن تعود إلى ديانة مصر القديمة"، فأحرقوه حيا فى أحد ميادين روما. 

الطريق إلى المصريات والدفاع عن القومية المصرية:

قرأ طلعت رضوان كتاب "فجر الضمير" لهنري برستيد، وقد فتح هذا الكتاب أمامه الكثير فى مجال علم المصريات والحضارة المصرية القديمة، وكان مديناً لهذا الكتاب حتى نهاية حياته، وطالع بعد ذلك كل ما وقع لديه من كتب حول هذا المجال سواء ما كتبه المصريون أو الأجانب، ثم عكف فترة لمطالعة موسوعة سليم حسن عن مصر القديمة، وكذلك كتابه الآخر الأدب المصرى القديم، وقد قاده هذا فى النهاية إلى نتائج وقناعات ظل يدافع عنها إلى آخر حياته، وقد نختلف معه فيها لأن العاطفة سيطرت عليه مثلما فعل غيره أمثال عبد العزيز جمال الدين، وعصام ستاتى. 

ومن هذه القناعات أنه لابد لكل مصرى أن يعرف أصوله وحضارته استناداً إلى قول علماء الأنثروبولوجى أن لكل شعب خصوصياته وهذا ما ترجمه الأب الروحى للهند المهاتما غاندى كيف أن الإنسان يهتم بخصوصياته، وفى نفس الوقت يكون منفتحاً على العالم حينما قال: "أننى أرغب أن تهب على بيتى جميع ثقافات العالم، ولكننى أرفض أن تقتلعنى من جذورى إحدى هذه الثقافات". 

لذا كانت كتاباته فى هذا المجال كانت تدور حول أنه لكى تكون مصر الحقيقية إلا إذا كان لدينا إيمان حقيقى بالقومية المصرية وأننا لسنا عرب" وأن نكتب باللغة العامية التى هى فى تركيبها ومفرداتها هي اللغة المصرية.

كما كان للأستاذ طلعت رضوان اهتمامات أخرى، وهى الدفاع عن الحرية والديمقراطية وقيمها وفصل الدين عن السياسية وقد كرّس جانبا كبيراً من حياته للتنظير لهذه القيم، ومن أقواله: "يتعمّد أعداء التقدم ومواكبة روح العصر الحديث، وملاحقة متغيراته اللاهثة، تشويه المعنى العلمى لمفهوم العالمانية، وهم لا يملكون إلا الصياغات الإنشائية التى تفتقد إلى الدليل المادى.. من أمثلة ذلك القول الشائع فى كتاباتهم إن المجتمع العلمانى هو مجتمع ملحد، لا يعترف بالأديان، وبالتالى فهو مجتمع مادى، يفتقد فيه الإنسان إلى البعد الروحى".

مؤلفاته: 

أثرى الأستاذ طلعت رضوان المكتبة العربية بالعديد من الإصدارات التي تنوعت بين التأليف والإبداع، ومؤلفاته تدور حول الحضارة المصرية القديمة وآثارها الموجودة في حياتنا المعاصرة والدعوة إلى تمجيدها، وشعبها وهويتها المتميزة والضاربة في عمق التاريخ في مواجهة روح البداوة والتصحر. كان يرى وباستمرار أن لمصر رسالة حضارية في الارتقاء بشعوب المنطقة وعليها أن تتحرر من سيطرة ثقافتهم على حضارتها وروحها وثقافتها. وكتبه الأخرى يدعو فيها إلى اتخاذ العلمانية منهجاً سياسياً وفكرياً وثقافياً، ومن مؤلفاته "التراث العبرى ومصطلح إسرائيليات، و"دراسات عن الإبداع الأدبى المصرى والعربى"، و"تجديد الخطاب الدينى بين الوهم والواقع"، و"أسطورة حب عصرية"، و"الأصولية الإسلامية"، و"التأرجح بين المنطوق والمكتوب فى الشعر المصرى"، و"الثقافة المصرية والأصولية الدينية"، و"زواج الدين الثابت بالسياسة المتغيرة"، و"دراسات عن الإبداع الأدبى المصرى والعربى"، و"مصر الحضارة والانتصار للحياة"، و"الأدب المصرى القديم"، و"مابين الأساطير وفلسفة الحكماء"، و"التوراة والحضارة المصرية (دراسات)"، و"قراءة نقدية للعهد القديم"، والمجموعة القصصية "روح الفراشة". 

كما أمد الصحف والمجلات المصرية والعربية بالعديد من المقالات والدراسات المطولة التى تدور فى فلك المحورين الذين كرس حياته لهما وهما الدفاع عن هوية وحضارتها والدفاع عن قيم العلمانية ومن هذه الصحف نذكر: القاهرة، والثقافة الجديدة، وأدب ونقد، ومجلة العربى الكويتية، ومجلة العربى العلمى، الكويتية. وفى الموقع الإلكترونى (الحوار المتمدن)، والموقع الإلكترونى مجلة مصر المحروسة التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة وغيرها.

وقد رحل الأستاذ طلعت رضوان يوم السبت الثانى من أكتوبر عام 2021، عن عمر ناهز 79 عاماً.