بالصور.. حافظ سلامة: قلت لشارون سأروي أرض السويس بدمائكم القذرة.. وأطالب المصريين بالتكاتف لمواجهة المؤامرات
رفض الانصياع لأوامر الرئيس الراحل محمد أنور السادات بتسليم مدينة السويس للقوات الإسرائيلية المحاصرة لها في 25 أكتوبر من عام 1973، وأصر على المقاومة والقتال حتى آخر رمق فيه، ونجح بالمقاومة الشعبية بالتعاون مع القوات المسلحة في تدمير 76 مدرعة ودبابة إسرائيلية، وتحدى شارون من خلال مكبر صوت مسجد الشهداء قائلًا: «مدينة السويس على استعداد لخوض معركة ثانية وأن أرضها الطاهرة في حاجة لأن تروى بدمائكم القذرة».. أنه الشيخ حافظ سلامة، قائد المقاومة الشعبية في مدينة السويس.
قال عنه الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة حين ذاك: «إن الشيخ حافظ سلامة اختارته الأقدار ليؤدي دورًا رئيسيًّا خلال الفترة من 23– 28 أكتوبر عام 1973 عندما نجحت قوات المقاومة الشعبية بالتعاون مع عناصر من القوات المسلحة في صد هجمات العدو الإسرائيلي وإفشال خططه في احتلال المدينة الباسلة».
كما لعب قائد المقاومة الشعبية، دورًا كبيرًا في رفع الروح المعنوية لرجال القوات المسلحة خلال حرب الاستنزاف، حيث نجح في إقناع قادة القوات المسلحة بالاستعانة بعلماء الأزهر في رفع الروح المعنوية وقال عنه اللواء عبد المنعم واصل، قائد الجيش الثالث الميداني، آن ذاك:« الشيخ حافظ سلامة كان صاحب الفضل الأول في رفع الروح المعنوية للجنود على الجبهة، بل إن الجميع كانوا يعدونه أبا روحيا لهم في تلك الأيام العصيبة».
أسرار عديدة كشف عنها المقاوم التسعيني لـ«الهلال اليوم»، وعن علاقته القوية بالقوات المسلحة ودورة الخيري والدعوي وعشقه لتراب مصر، فضلا عن أهم المحطات في حياته.
وإلى نص الحوار..
نود أن نبدأ من المحطة الأهم في حياة الشيخ حافظ سلامة، إلا وهي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في مدينة السويس عام 1973م.. كيف كان الوضع؟
لقد كنا يوم 23 أكتوبر نستمع إلى البيانات الرسمية في محطات الإذاعة، التي تؤكد أن هناك اختراق للقوات الإسرائيلية من ثغرة الدفرسوار، وتمكن العدو من العبور بـ 7 دبابات فقط دمرت قواتنا اثنين منهم بعد 48 ساعة من اختراقها للثغرة، وتقوم بمطاردتهم والقضاء عليهم.. هكذا كان أهل السويس لا يعلمون بالتطورات التي حدثت على أرض الواقع، وأن العدو دخل إلى مدينة بـ 6 ألوية وصل قوامها العسكرية 600 دبابة ومصفحة، بعد أن كنا نسمع في البيانات الرسمية أنهم 7 دبابات، حينذاك لم يكن أمامنا سوى البيانات الرسمية التي اتضح أنها لا تعبر عن الحقيقة.
ما حدث بعد ذلك؟
انتشرت هذه الدبابات والمدرعات داخل مدينة السويس وفي أطرافها وبين شركات البترول والأسمدة والقاعدة البحرية.
ماذا فعلتم حين ذاك أمام تلك القوة المروعة؟
مغرب 23 أكتوبر كانت مفاجئة لم نكن نتوقعها ولم نستعد لها وكنا بين أمرين أما أن نسلم للعدو أو أن نقاتل دون إمكانيات متاحة لنا.
فرض علينا القتال وهو كره لنا وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرًا لكم، لم يمضي على نبأ دخول المدرعات الإسرائيلية إلى مدينة السويس لحظات إلا ونحن نفكر كيف يكون لقاؤنا بهم في أول ضوء في اليوم الثاني؟.
ماذا فعلت خلال هذه الليلة التي سبقت لحظة المواجهة؟
في هذه الليلة لم أرى فيها طعم النوم وكنت أقوم بتجميع الشاردين من أبنائنا بالقوات المسلحة ومعهم أسلحتهم وهم مؤخرات القوات التي عبرت القنال، ولكنهم جاءوا فرارًا أمام الزحف الإسرائيلي، وجمعت أيضًا المواطنين الفارين من العدوان من أبناء مدينة السويس، ولأول مرة تكون المعركة بتلاحم من القوات المسلحة وأبناء الشعب لأن الجميع على يقين أنهم يدافعون عن مصر وباسم مصر حفاظًا منهم على المدينة الإستراتيجية وهي مشهورة عالمية.
ولأول مرة في تاريخ الجيش المتحاربة أن هذه القلة من الشاردين من الجيش ومن أبناء بور سعيد تستطيع أن تتصدى لكل هذه القوات الضخمة التي جاءت لاحتلال السويس.
كيف كانت المواجهة؟
استطعنا بفضل الله تعالى أن ننصب لهم الكمائن بعد تحديد الأماكن المتوقع مرورهم منها، كما أعطينا أوامر للمقاومة وأبناء القوات المسلحة بألا يطلقوا طلقة واحدة إلا بعد أن يدخل الجيش الإسرائيلي مدينة السويس وخاصة منطقة ومسجد الأربعين ومع أول طلقة تبدأ المعركة، ولقد كان القتال مروعًا بهذه المنطقة ولدينا بعض الصور للمدرعات الإسرائيلية وهي مدمرة على أيدي هؤلاء الأبطال.
وكانوا بمدرعاتهم يحاولون الفرار قدر استطاعتهم، ولكن أبناؤنا استطاعوا أن يدمروا 76 دبابة ومدرعة.
ماذا وجدت داخل المدرعات المدمرة؟
وجدنا خرائط ومخططات لاحتلال المدينة وكانت مهمتهم الأولى تدمير مسجد الشهداء وقتل من فيه، والمخطط الثاني احتلال مبنى المحافظة بـ 7 دبابات وبالفعل حاصرو المحافظة، الأهم من ذلك أن هذه السبع دبابات تصدى لها ملازم أول الشهيد صفوت وكان مع الجندي شوقي، الاثنين فقط هما اللذان تصدوا لهذه الدبابات المحاصرة ودمروا الأولى منهم وفرا الباقون.
إن العدو الإسرائيلي من أول تصادم له في هذه المدينة وكأنها داخل مدينة أشباح أصبحت جحيم على من يدخلها بقواته وتحطمت جميع آلياتهم وفروا هاربين إلى خارجها.
ماذا فعل شارون ومن معه بعد هزيمتهم المرة بميدان الأربعين؟
أصدر شارون إنذار شديد اللهجة وهدد فيه المحافظ وكان محمد بدوي الخولي، وطالب فيه بتسليم المدينة وإلا دمرها بالكامل، وتشاور المحافظ من مع مدير الأمن والقيادات العسكرية التي كانت بالمدينة والكل أجمع على تسليمها والاستجابة لهذا الإنذار قبل مرور النصف ساعة من صدوره.
وكنت متواجد ساعتها في مسجد الشهداء وكان معي العميد عادل إسلام، الذي صدر له قرار من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بتولي أمر القيادة بالسويس، واتصل به المحافظ وأبلغه بالإنذار الإسرائيلي وطلب منه أن يحضر ومعه الراية البيضاء للذهاب للقائد الإسرائيلي لتسليم المدينة، وتم لهم الاتصال بالقاهرة وعرضوا على الرئيس السادات الإنذار وأبلغوه بأن بالمدينة ليس بها ماء ولا غذاء ولا قوات للدفاع عنها فوافق السادات على التسليم.
كيف تعاملت مع الموقف في هذه اللحظة؟
رأيت لو لسمت معهم سيكون مصيري الأسر ثم القتل، فاخترت الشهادة في سبيل الله والوقوف ضد الإنذار الإسرائيلي وأعلنت عدم الاستجابة للرئيس ولا القيادات بالسويس حين ذاك.
ومن مكبر الصوت بمسجد الشهداء كان ردي على الإنذار الإسرائيلي برفض التسليم وأن مدينة السويس على استعداد لخوض معركة ثانية وأن أرضها الطاهرة في حاجة لأن تروى بدمائكم القذرة مرة ثانية وأهلا وسهلا بكم وفي انتظاركم.
ماذا فعل شارون بعد ردك على إنذاره؟
انتظرنا ما هدد به من تدمير المدينة بطيرانه، ولكنه ظنوا من ردي الشديد عليهم أن هناك إمدادات كبيرة وصلت إلينا، حتى استطعنا بدل التسليم أن نهدد ولم يفعلوا شيء، لأن الله سبحانه وتعالى ألقى الرعب في قلوبهم، وقال النبي صل الله عليه وسلم "نُصرت بالرعب"، وقال تعالى:" سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ".
فأقولها حقا وصدقًا لم يكن أبناء السويس والقوات المسلحة التي تواجدت بالمدينة تستطيع بكل المقاييس العسكرية أن تتصدى لمثل هذا الهجوم، ولكن كانت إرادة الله معنا، وقال تعالى "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ"، ما أحوجنا إلى العودة إلى الله لعل الله سبحانه وتعالى يغير حالنا إلى أحسن حال.
هل استطاعت القوات الإسرائيلية اختراقكم أو تجنيد أحد من أبناء السويس؟
ما يثلج الصدر حقًا أنه لم يكن بيننا خائن أو عميل رغم احتياجنا للماء والطعام، ونشيد بكل فخر أنه لم يكن هناك مواطنًا واحدًا ولا جنديًا بالمدينة قام بالخيانة مع العدو وكانوا يضحون بالرجوع والعطش ولا تمتد أيديهم خيانة مع الأعداء.
كيف كان دورك مع الجيش قبل فترة العبور؟
دوري مع القوات المسلحة كان كبيرًا خلال السنوات التي سبقت معركة العبور ولكن معركة السويس كانت الأهم في حياتي، بل هي معركة عالمية والجيش الإسرائيلي معروف أنه ربح في جميع المعارك معنا إلا معركة السويس.
وعلاقتي بالجيش لم تنقطع وصلتي بهم وبجميع قياداتهم مترابطة، لأنني مع القوات المسلحة بداية من حرب 1948 وما بعدها واشتدت العلاقة خلال حرب الاستنزاف واستمرت حتى حرب العبور في 1973م.
هل لعبت دورًا معنويًا داخل الجيش قبل معركة السادس من أكتوبر؟
أقنعت قادة الجيش بعد نكسة 1967 بالاستعانة بعلماء من الأزهر الشريف لرفع الروح المعنوية لأبناء القوات المسلحة، بالتعاون مع التوجيه العسكري الذي ضعف دوره خلال هذه الفترة، وشارك مجموعة كبيرة من كبار الدعاة وعلماء الأزهر وأساتذة الجامعات مثل شيخ الأزهر عبد الحليم محمود، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ حسن مأمون، والدكتور محمد الفحام، والشيخ عبد الرحمن بيصار.
كيف كنت تدخل إلى الوحدات العسكرية خلال تلك الرحلة الصعبة في تاريخ البلاد؟
كان صادر لي قرار عسكري وتصريح خاص بأن أدخل أي وحدة عسكرية دون سؤال رغم صعوبة تلك المرحلة وأهمية المعلومات العسكرية فيها، ولكن كان لدي تقدير خاص من قواتنا المسلحة التي احترمها وأقدرها.
وصدر قرار أيضًا بأن عالم يأتي به حافظ سلامة يدخل أي وحدة عسكرية ولأول مرة في التاريخ يحصل مدني على مثل هذا التصريح، وكنت انتقل بين الوحدات أكثر من العسكريين.
عاصرت الملكية وإعلان الجمهورية، وعايشت 7 رؤساء لمصر.. كيف ترى هذه القرون المتعاقبة؟
لم يستجب أحد حتى الآن إلى مطالب الشعب ولما يعانيه وكل يوم نسمع عن ارتفاع وزيادات الأسعار وغلاء المعيشة، رغم أن مصر كانت بفضل الله من أغنى بلاد العالم، ولقد كان الدولار الأمريكي يساوي 24 قرشًا مصريًا والجنيه الإسترليني يساوي 97 قرشًا، كما كانت مصر تدين بريطانيا المحتلة، فمصر ليدها بفضل الله الإمكانيات والكنوز التي في باطن أراضيها ويمكن استغلالها بشكل استثماري، نستطيع أن نخرج فيه من أزماتنا ويبقى قوتنا من أرضنا ونمنع ما نستورده الآن، ويجب أن نحرر أرضنا ولا نعتمد على غيرنا كفانا 60 عامًا حتى أصبحنا مثلا سيئًا لغيرنا.
ماذا عن آخر أعمالك الخيرية؟
أقوم الآن بتأسيسي مدينة للأيتام، والتي ستكون أول مدينة في العالم للأيتام، قوامها 1100 وحدة سكنية، يتم إنشاؤها عن طريق المساعدات، أي أن الأيتام سيقطنون في أبراج شاهقة، ومقرها سيكون في الحرفيين أمام مجمع المخابز بالسويس، والفعل بدأنا بـ9 عمارات والـ9 الآخرين سنبدأ فيهم خلال أيام، والتي ستكون خاصة بالكامل لأسر الأيتام فقط.
رسالة أخيرة توجها للمصريين؟
أطالب المصريين بالوقوف صفًا واحدًا لحماية مصر من أي مخاطر تهدد النسيج الوطني، لأن مصر أمانة في أعناقنا وهي ومستقبلها نفتديها بأرواحنا، فهي عزيزة علينا.
فالتكاتف بين أطياف الشعب المصري ضرورة ملحة لإزالة جميع المؤامرات الداخلية والخارجية، حتى تنهض مصر للعالم كله كما كانت من قبل.