رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


التناول الدرامي لقضايا العمال «رؤية عصرية»

16-5-2023 | 10:23


التناول الدرامى لقضايا العمال

د.عمرو محمد مصطفى

● تطورت نظرية المسئولية الاجتماعية بسبب العديد من التغيرات المجتمعية مثل ارتفـاع نسبة  التعليم، وزيـادة اهتمـام الأفراد بالقضايـا والشـئون العامـة والخاصـة
● تشير نتائج الدراسات إلى أن تأثيـر الدرامـا قـد يتعـدى مرحلـة تقديـم أو ترسـيخ القيـم إلـى تغييرهـا أو إدخـال قيـم أيضـا جديـدة
● تقدم الدراسات الإعلامية الدليل على العديد من النماذج الدرامية الناجحة التى استطاعت تغيير ليس فقط المفاهيم والقيم، وإنما أيضا نجحت فى تغيير القوانين

تقوم الدراما بدور مهم وحيوى فى بناء وتشكيل وتغيير المفاهيم المختلفة داخل المجتمعات، خاصة وأن الدراما من أكثر المضامين الإعلامية التى يقبل عليها الجمهور بشتى فئاته، وكثيرا ما يرى الجمهور أن الدراما مرآة وانعكاس للواقع المجتمعى بإيجابياته وسلبياته المختلفة، وبالتالى فإن إدراك الجمهور لواقعية المضمون الدرامى يزيد من احتمالات التأثير الذى قد ينجم عن متابعة المضامين الدرامية المختلفة، وما تحتويه من قيم ومفاهيم ومبادئ، الأمر الذى يؤدى بدوره إلى ضرورة تحمل الدراما والقائمين عليها مسئوليتهم المجتمعية فى بث القيم والمفاهيم الإيجابية بشكل كبير، ومحاولة تقديم الحلول الفعالة للعديد من المشاكل المجتمعية.
وتقدم الدراسات الإعلامية التى اهتمت بتحليل دور الدراما المصرية فى تشكيل وتغيير القيم والمفاهيم المجتمعية الدليل على العديد من النماذج الدرامية الناجحة التى استطاعت تغيير ليس فقط المفاهيم والقيم، وإنما أيضا نجحت في تغيير القوانين، حيث نجد فيلم ”أريد حلا“ الذى أثار قضية جوهرية فى حق المرأة المصرية وهى قضية بيت الطاعة وأدى إلى تعديل أحد أهم قوانين الأحوال الشخصية، كما نجد أيضا فيلم ”كلمة شرف“ الذى بدوره أدى إلى تغيير القوانين الخاصة بخروج السجين لزيارة أهله بضوابط معينة، وفيلم ”678 ”الذى ساعد على تفعيل عقوبات التحرش، ومن قبلهم فيلم ”جعلونى مجرما" الذى تلاه إصدار قانون بالإعفاء من السابقة الأولى من الصحيفة الجنائية للمخطئ لمساعدته فى بدء حياة جديدة دون خوف من لوم المجتمع.
نظرية الغرس الثقافى
 إن مفهـوم الغـرس الثقافـى أقـرب مـا يكـون جـزءا مـن مفهـوم التنشـئة الاجتماعية، حيـث أن التفاعــل علــى مــدى فتــرة زمنيــة بيــن مصــادر المعرفــة والقيــم ونمــاذج الســلوك، يســاعد علــى اكتساب الفرد آراء واتجاهــات وأنمــاط ســلوكية تتشــابه مــع مــا يتعــرض لــه فــى المحتــوى الاعلامى، ويـزداد ذلـك التأثيـر فـى حالـة الدرامـا لأنهـا مـن أكثـر المضاميـن التـى يقبـل عليهـا الجمهـور بشـتى فئاتـه، بالإضافة إلـى أن تقديـم تلـك القيـم والسـلوكيات مـن خـلال نمـاذج دراميـة تتشـابه فـى ظروفهـا الاجتماعية والنفسية مـع حيـاة الأفراد تسـاعد بشـكل أكبـر علـى اكتسـاب القيـم والمفاهيـم والسـلوكيات المقدمـة مـن خـلال الدرامـا
ويرجـع ”ملفيـن دى فليـر“ جـذور نظريـة الغـرس الثقافـى إلـى مفهـوم ”والتـر ليبمـان“ عـن الصـورة الذهنيـة، التـى تتكـون لـدى الجمهـور مـن خلال وسـائل الإعـلام المختلفـة، سـواء عـن أنفسـهم أو عـن الآخرين داخـل المجتمـع)2 .) ، وكثيـرا مـا تكـون هـذه الصـور الذهنيـة بعيـدة عـن الواقـع الفعلـى  وقـد صـاغ ”جربنـر وآخرون“ فـروض نظريـة الغـرس الثقافـى علـى النحـو التالـى :وسـائل الإعـلام المرئيـة وعلـى رأسـها التليفزيـون هـى الأقوى تأثيـرا علـى الأفراد، وتـؤدى الدرامـا دورا بالـغ التأثيـر فـى غـرس المفاهيـم والقيـم الثقافيـة والمجتمعيـة فـى نفـوس المشـاهدين،  كما يسعى التليفزيـون لاحتواء الفجـوة بيـن قيـم ومعتقـدات وسـلوك فئـات المجتمـع.
ومـن هـذا المنطلـق فـإن دراسـة دور الدرامـا فـى تغييـر المفاهيـم والقيـم المجتمعيـة يتسـق مـع فـروض نظريـة الغـرس الثقافـى، لفهـم الـدور الاجتماعى للدرامـا.
نظرية المسئولية الاجتماعية
ظهــرت هــذه النظريــة بعــد الحــرب العالميــة الثانيــة فــى الولايات المتحــدة الأمريكية، حيــث تعــود البدايــات الأولى للنظرية؛ إلى تشكيل لجنة حرية الصحافة عام 1942م(Hutchins Commission ) 
 التى أصدرت تقريرا حول المسـئولية الاجتماعية لوسـائل الإعلام،  حيث      أكـدت أن للإعلام مهـاما ووظائـف اجتماعية فـى حيـاة الأفراد، وأن المحتـوى الإعلامى لـه دور تربــوى وتوعــوى داخــل المجتمــع، وتقــوم النظريــة علــى أن ممارســة العمليــة الإعلامية بحريــة قائمـة علـى الالتزام بالمسـئولية الاجتماعية، مـن خـلال محاولـة تحقيـق التـوازن بيـن مصلحـة الفـرد ومصلحـة المجتمـع 
وقد تطورت نظرية المسئولية الاجتماعية بسبب العديد من التغيرات المجتمعية مثل ارتفـاع نسبة  التعليم، وزيـادة اهتمـام الأفراد بالقضايـا والشـئون العامـة والخاصـة، بالإضافة إلـى ظهـور وتطـور العديـد مـن وسـائل الاتصال وظهـور وسـائل الإعلام الجديـد بأشـكاله المختلفـة، وكذلــك بــروز الاهتمام بحــدود حريــة الإعلام بوســائله المختلفــة فــى إطــار مفهــوم المســئولية الاجتماعية للإعلام.
و أكـدت الدراسات  على قـدرة الأعمال الدراميـة علـى التأثيـر فـى الجمهـور تأثيـرا غير مباشر، كما أكدت أيضا على ضرورة التزام الدراما بتحقيق أهداف إعلام الدولة ومنها بلا شك، تعزيز القيم الاجتماعية الفضلى للأفراد، حيـث إن تأثيـر مسلسـل درامـى ناجـح يفـوق تأثيـر مئـات البرامـج والكتـب والمحاضـرات والخطب فى عقول الأفراد داخل المجتمع، وظهر ذلك جليا فى رمضان 2023 في تأثر الجماهير وتفاعلهم الشديد مع مسلسل"جعفر العمدة" وبالغ البعض فى تأثرهم به وكأن العمل واقعى، وتشير نتائج الدراسات مع الأسف أن القيم السـلبية كانت أكثر مـن القيـم الإيجابية فـى المسلسلات، وتشير نتائج الدراسات إلى أن تأثيـر الدرامـا قـد يتعـدى مرحلـة تقديـم أو ترسـيخ القيـم إلـى تغييرهـا أو إدخـال قيـم أيضـا جديـدة، معتمـدة علـى أسـاليب الجـذب والتأثيـر المختلفـة التـى تملكهـا الدرامـا.
 ومن ضمن المسلسلات التي تناولت حياة "العمال"، يأتى مسلسل "لن أعيش فى جلباب أبى" عام 1996م مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، ومن بطولة نور الشريف، وعبلة كامل، ومصطفى متولى، ومحمد رياض، وعبد الرحمن أبو زهرة ورشوان توفيق، إخراج أحمد توفيق والمعالجة الدرامية والسيناريو للكاتب مصطفى محرم. وقد حقق مسلسل "لن أعيش في جلباب أبى"  نسب مشاهدة مرتفعة ، ولا يزال يحظى بشعبية كبيرة حتى اليوم، كما يعتبر واحد من المسلسلات العربية الثلاثة الأكثر شهرة في تاريخ الدراما إلى جانب مسلسل "ليالى الحلمية" (وقد تناول أيضا قضية الصراع بين سليم البدرى وسليمان غانم على المصنع وأشار الجزء الأول منه إلى دور العمال فى إثراء الصناعة من خلال شخصيات الأسطى شاهين والأسطى زكريا والأسطى متولى فى ذلك الوقت)  و"مسلسل رأفت الهجان".
 وقد ركزت أحداث مسلسل "لن أعيش فى جلباب أبى" على رحلة صعود عبد الغفور البرعى من مجرد صبى فى وكالة البلح إلى واحد من كبار رجال الأعمال فى مصر، اعتمادًا على الخبرة والمهارة ودون اللجوء بأي شكل إلى الطرق الملتوية أو غير المشروعة وهذا يختلف عن التناول الدرامى الحالى فى العديد من المسلسلات التى يصعد فيها البطل إلى القمة ما بين ليلة وضحاها بطرق غير شرعية أو غريبة لا تمت للواقع بصلة وظهر ذلك جليا فى أكثر من مسلسل رمضانى على مدار الأعوام السابقة وصولا إلى العام الحالى والإشارة هنا إلى المسلسلات الرمضانية لأنها أكثر جذيا للمشاهدين على مدار العام.
وفى السينما
 نجد  أن فيلم العامل هو فيلم مصرى تم إنتاجه عام 1943، إخراج أحمد كامل مرسى وبطولة حسين صدقى وفاطمة رشدى،  قصة أحمد عامل شاب متحمس يدافع عن حقوق ذويه لدى أصحاب المصانع وشركات الإنتاج، يتكبد هذا العامل الكثير من المتاعب والمآزق، كأن يتآمر عليه صاحب المصنع، ويحاول الإيقاع به وتلويث سمعته أمام العمال المؤمنين به والواقفين خلفه عن طريق غانية، إلا أن عفته ونزاهته تحولان دون ذلك. تتبدل الأحوال ويصبح أحمد - الذي نصبته العمال زعيمًا - صاحبًا لعماله وذا نفوذ ولا يتوانى عن مواصلة رسالته ومدافعته عن حقوق العمال، فأقام لهم مؤسسات وشركات لا يجدون فيها إلا الإنصاف وتقدير جهودهم وقد تم ذلك بتحريضه للعمال على الإضراب عن العمل، حتى تتم تلبية مطالبهم ويخضع أصحاب المصانع أخيرًا.
وفيلم "الأسطى حسن": الأسطى حسن والذي تم إنتاجه وطرحه عام 1952، والذى يروى قصة حسن ( فريد شوقى )عامل فى ورشة خراطه وحدايد ناقم على معيشته وعلى ظروفه الماديه القاسية، رغم ان زوجته ( هدى سلطان ) تحبه حبا شديدا وتحضر إليه ذات مرة فى الورشة التى تعمل بها إحدى سيدات المجتمع الراقى ( زوزو ماضى ) التى تعجب به وتدعوه لفيلتها لاستكمال وتركيب قطعة الديكور التى أتت لتشتريها من الورشة.
وأبرزت السينما المصرية دور المرأة العاملة فى فيلم " للرجال فقط" بعد تخفى البطلات (نادية لطفى وسعاد حسنى ) فى زى رجال حتى يمكنهم العمل فى الصحراء لعدم موافقة الشركة على ذلك.
وأيضا فيلم "خيوط العنكبوت" الذى أكد على ضرورة الدفاع عن حقوق العمال متمثلا فى شخصية مهندس شاب (محمود ياسين) المتزوج من إمرأة جميلة (نورا) ويعيش حياة مستقرة ويدافع مع صديقه(مجدى وهبه) عن حقوق العمال إلى أن يصبح رئيسا لمجلس الإدارة فتوقع به شبكة الفساد فى فخها ويخسر كل شىء.
وفيلم "بخيت وعديلة 2" الذى أشار إلى عدم حصول العمال على حقوقهم لدرجة أن صديق البطل (سعيد صالح) يشجع البطل (عادل إمام) على الترشح فى مجلس الشعب نكاية فى مدير المصنع (سعيد عبد الغنى) وأن ذلك هو الطريق لنصرة العمال وحصولهم على حقوقهم.
وفيلم"أبو كرتونه" للنجم محمود عبد العزيز الذى أوضح مشاكل عمال المصنع مع الإدارة وكواليس الفساد فى الشركات.
ومؤخرا فيلم "فتاة المصنع" عام 2014، ويرصد الفيلم قصة هيام، وهي فتاة عمرها 21 سنة، تعمل مثل بنات حيها الفقير فى مصنع ملابس، تعيش تجربة حب أمام تعنت المجتمع أمام هذه المشاعر، الفيلم حصل على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان دبى السينمائى الدولى للبطلة ياسمين رئيس.
لكنى أجد أن فيلم "الأيدى الناعمة" هو العمل الأبرز على كل المستويات في تناول أهمية العمل في حياة الإنسان وهو مأخوذ عن مسرحية للكاتب الكبير توفيق الحكيم وبطولة الفنان الكبير أحمد مظهر الذى جسد شخصية البطل العاطل بعد نزع ملكيته لأملاكه فى أعقاب ثورة 1952م والذى أشار عليه صديق البطل (صلاح ذو الفقار) فى تأجير قصره مفروشا للحصول على المال وتتوالى الأحداث حتى يعرف دور العمل ويمكنه الحصول على وظيفة مناسبة من خلال تنمية قدراته ومهاراته